أتأمل في وجوههن، تحديداً ما خلفها من روايات، القصة خلف القناع المُلَوَّن. صرخة ضائعة، دمعة متحجرة، وقصة اندثرت. 
حكايتنا مع العنف شرحٌ يطول، يرافق رحلة العمر، لا يغادر الجسد، سواء استجاب لنظرية كسر جدار الصمت، أو بقي يتسرطن في القاع. نادراً ما نجا أحد في مجتمعنا من براثنه. 
معنفة أنا بذاكرتي، امتلاء الملفات. الحكاية تعيد إنتاج ذاتها حتى لو أبدعتُ لها عالماً قادراً على البوح، أو نسجتُ روايتها على إيقاع متوازن مع القهر الذي اختبرتُه، على كاهلي يقف؛ تمثال وأيقونة. 
دوائر العنف تتسع حلقاتها، تصوير أجسادنا خلسة، انتهاك حرمتها بإشعاعات مجهولة، دون منح شهادة براءة وخلو الخلايا من تهم الإرهاب.
عنف التكيف مع العنف. أتكيف مع تلصصهم ورصدهم عواطفي ومواقفي. على الحواجز والمعابر، يرون ما تحت جلدي وما وراء قلبي، يتجسسون على مشاعري، المشروعة والمحرّمة، الواضح منها والخفي.
مؤخراً؛ على الحاجز الفاصل عن غزة ، سرقوا عطري الشرقي وأحمر شفاهي، لم أحتج أو أعترض. استكثروا شعوري بجمال الألوان والعطور، يعتقدون أنها فائض لا لزوم له للفلسطينيات، أمهات الثعابين الصغيرة. تعنفني تلك المرأة، ذات الزي الكاكي والقفازات الشمعية. تلك المرأة تقرر سحب الألوان مني، تخطف حواسي، أحمر شفاهي وعطري المقطّر على مواقد الشرق. 
من يفلت من بحر العنف في فلسطين، حيث يرتبط عنف الاحتلال بعلاقة حميمة مع العنف الاجتماعي. من تفلت من العنف الاجتماعي، تقع في براثن عنف الاحتلال.. وفي النتيجة لا أحد يفلت من أحدهما، حتى المتفذلكات والمنظرات والمتبرعات مثلي؛ بالتفسير والتدبير. 
أنا أُعنف نفسي، ظلال العنف ترافقني كظلي، أركض منها إليها، أرتوي إنْ تمكنت من العثور على مفقوداتي في حلم يأتي، غائماً حائراً. 
أنا امرأة معنفة، يأخذني ظلي إلى عوالم بعيدة، خلف الكلمات الاعتيادية. في داخلي لوحة ملونة، معشقة بالألوان الدسمة، تغلب على تفاصيلها وجوه نسائية، بقسمات شرقية، تفاصيل أنثوية. تختلط في منحنياتها، المرأة الأم بالمرأة الزوجة والحبيبة. 
دينامية تجمع بين أطراف وحدود العنف، مُعَنّفات في منحنيات واسعة، من ضلع شيطان وقديس، من المرأة البشرية إلى المرأة الآلهة. جميعنا معنفات، من نجت من العنف الاجتماعي لسبب استثنائي وخاص، تتساوى مع المعنفة بشكل مباشر ويومي.
أنا معنفة لأن جارتي معنفة، وابنة عمي معنفة، وتلك الناشطة التي تعالج المعنفات وتساعدهن، معنفة؛ لأن نساء المنطقة معنفات: من الشام لبغدان، من نجد إلى يمنٍ إلى مصر فتطوان. نصدر العنف ونستورد مستجداته. 
أنا معنفة كامرأة، لأن منهج التمييز يعمل ضد جميع النساء، يحاربنا بواسطة علاقات القوة غير المتكافئة، بيننا وبينهم. العنف ضدنا عنف مركب على طبقات، ليس نتيجة أفعال فردية وعفوية من سوء السلوك، بل هو متجذّر بعمق في العلاقة الهيكلية لعدم المساواة بين المرأة والرجل، ليس بالإمكان إزالة هذا العنف المستمّر إلا بمعالجة مشكلة التمييز وذلك من خلال تعزيز المساواة وتمكين المرأة من حقوقها وضمان هذه الحقوق.
نتعايش مع كوابيسنا، الناجيات من العنف، ومن لم تتمكن من النجاة، ومن لم يقدر لها النجاة. المهم أن نضع أصبع على جذر العنف لاقتلاعه، وتخليص الأجيال القادمة من معاناته.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد