عبق التاريخ الفلسطيني في متحف المواطن شهوان
غزة / عبير شقفة / سوا / في طابق تحت الأرض يسمى بالبدروم في مدينة خانيونس جنوب قطاع غزة، يوجد متحف أثري لعشرات القطع والمقتنيات التاريخية القديمة جمعها الفلسطيني مروان شهوان ، تعكس مقتنياته جزءًا من تاريخ الشعب الفلسطيني وحضارته عبر العصور الماضية.
ولتجد طريقك نحو البدروم الذي تحول لمتحفٍ أثري فريد من نوعه، لا بد أن تنزل 10 دراجات خرسانية تمتد لنحو10 أمتار تحت سطح الأرض افترشت بسجادة قديمة، ويحيط من حولها تماثيل منحوتة وقطع حجارة أثرية تعود لعصور مختلفة.
وفي مساحةٍ لا تتجاوز(140) متراً يمتلك ما يقارب (10.000) قطعة أثرية وتراثية، استطاع تجميعها خلال مشوار حياته ، وتنسيقها بطريقة جمالية تعكس بساطة الإنسان الفلسطيني في الدفاع عن الهوية و الاحتفاظ بقيمةٍ تُدعي الحياة!
وتشتهر عائلة شهوان بحرفة النجارة ، حيث ساهمت كثيراً في صقل مهارة مروان اليدوية والحس الفني الذي استطاع من خلالهما أن يتنقّل في كافة مناطق قطاع غزة من شمالها إلى جنوبها بحثاً عن الجمال في تحفٍ قديمة إضافة إلى القيام بعمله في تصميم ونقل الأثاث!
"موشيه دايان - وزير الأمن الإسرائيلي – آنذاك كان يقوم بمثل ما أقوم به ، بشراء القطع الأثرية والتراثية من المواطنين في قطاع غزة ، ونقلها عن طريق الطائرة إلى اسرائيل " استفزته كثيراً هذه العبارة عندما حصل عليها بجانب إحدى القطع الأثرية، فقرّر أن يواصل الحفاظ على الهوية الفلسطينية بشراء كل ما يجده من هذه الأشياء ، "بدلاً من خروجها من نطاق هويتنا التراثية الفلسطينية ، نحن أولى بآثارنا" يقول شهوان!
ما بين جيلٍ وجيل..
ما بين جيلٍ وجيلٍ ..تتأرجح الهوية الفلسطينية و تندثر ملامحٌ أخرى للتراث الوطني الفلسطيني ، " في السابق كنت أحصل على القطعة الأثرية و ما يلتصق بها من حكايةٍ تناقلها الأبناء من أباءهم وأجدادهم عن تاريخها ، فتشكلت لدي الثقافة والوعي بمثل هذه الأشياء، التي أستطيع من خلالها أن أميز بين قطعةٍ رومانية، يونانية ، كنعانية أو غيرها عن طريق الحدس " أضاف شهوان "أما الآن الكثير من الشباب الفلسطيني ومع ضيق الأوضاع الاقتصادية بدأ ينظر إليها و كأنها كنزٌ ،إذا ما تم بيعها وتورديها إلى الخارج ، فسيحصلون على الأموال الطائلة ، أين هي الثقافة الوطنية والهوية الفلسطينية!" يتساءل شهوان!
لا متاحفٌ وطنية ..ولا اهتمام
ما بين "اتهام بالجنون" وزيارةٍ للمتحف، استطاع الكثير من أصدقاء شهوان تبديل نظرتهم إلى المقتنيات التي يمتلكونها في أزقة منازلهم ، وإعطائها لشهوان فهو أقدر على إحياء مثل هذا الجمال بحسٍ فلسطيني بالغ الأناقة!
ولكن ما مصير هذه القطع الأثرية والتراثية في ظل غياب الاهتمام المؤسساتي ، والدعم الحكومي والمجتمعي لمثل هذه المبادرات الشخصية التي يأخذ فيها المواطن على عاتقة الشخصي مهمة إنقاذ الهوية الثقافية للوطن!
يؤكد شهوان على أن المكان ضيّق جداً الأمر الذي يجعل الزيارات إلى متحفه تقتصر على الوفود والسفراء من الخارج ، لا مجال لاستقبال الزيارات المدرسية أو عدد كبير من الأشخاص من منطلق الحفاظ على موجوداته، أما وزارة السياحة فتكتفي بالاستعانة ببعض القطع الأثرية لعرضها في متحف قصر الباشا –إذا تطلب الأمر!
فضل العطل القائم بأعمال البعثة الفرنسية في قطاع غزة أشاد بجهود شهوان وشدّد على أهمية إنقاذ الوضع الثقافي والمواقع الأثرية في قطاع غزة.
وقال:"هنالك الكثير من المواقع الأثرية والتاريخية التي تشكّل نموذجاً حضارياً يعكس الهوية التاريخية لقطاع غزة، فالمسجد العمري ، مسجد هاشم ، كنيسة القديس برفيريوس ، دير القديس هلاريون ، قلعة برقوق، حمام السمرا ، قصر الباشا ، و موقع البلاخية (الأنثيدون) الذي أدرجته اليونسكو على قائمة التراث العالمي وغيرها الكثير للأسف ، لا تندرج في الخطط التنموية للمؤسسات الحكومية أو غير الحكومية!
وأوضح العطل انه في ظل الحصار المفروض على قطاع غزة ، والانعزال الثقافي عن الحضارات العالمية و انقطاع التواصل مع العالم الخارجي إضافة إلى الحروب المتكررة التي تستهدف تدمير البنية الثقافية والتاريخية كما التحتية ، يشهد قطاع الآثار غياباً كاملاً عن قائمة الخطط التنموية والتطويرية، التي أضحت تتمركز حول التمكين الاقتصادي ، والمشاريع الاغاثية ؛ الأمر الذي يهدد الهوية الثقافية لفلسطين"!
وأضاف العطل :" متحف شهوان إذا ما توفر الدعم المالي له ،فإنه سيصبح من أهم الأماكن السياحية التي من خلالها سيتم توثيق عراقة الهوية الفلسطينية ، وتعزيز وعي المواطنين والأجيال الناشئة تجاه الموروثات الفلسطينية، بحيث يتم عرض كل قطعة بطريقة جمالية تحمل معها تأريخاً ومعلومات من خلف زجاجٍ حافظٍ للهوية كما القطع الأثرية في مكان يليق بها".