نساء غزة يواجهن الفقدان بالرعاية الذاتية والتغيير الايجابي
غزة / عبير شقفة / سوا / كان عليها أن تبتلع دمعاتها كما أن تحتضن الأحشاء الداخلية لابنتها الصغيرة ، حيث الساعات الأولى من صباحٍ تشيرُ فيه النشرات الإخبارية إلى التمهيد لمجزرة حي الشجاعية في العدوان على غزة صيف (2014)؛ استُهدف منزلها، استشهد أخ زوجها، أصيب زوجها وابنها .."لا أحد ، لا مساعدة ، الإسعاف تأخر في الوصول إلينا.."!
مها أبو طويلة،(38) عاماً، أمٌ فلسطينية كان عليها أن تتأقلم مع "واقعٍ" دمّر فيه منزلها بشكلٍ جزئيٍ ، كما حياتها التي انقلبت رأساً على عقب؛ حيث اضطر زوجها إلى السفر إلى الخارج لعلاج الابنة المصابة ، لا خيار أمامها سوى أن تحمل على كاهلها مسؤولية إدارة البيت إضافة إلى التعامل مع ضغوطاتها النفسية! أي تفريغٍ نفسي ذاك الذي سيعيدها إلى حياتها الطبيعية.
"العزلة ، عدم القدرة على المشاركة في المناسبات الاجتماعية ،العصبية وغياب الحوار في التعامل مع الزوج والأبناء، بدأت أتخلّص من كل ذلك تدريجياً عندما قررت أن ألتحق بمشروع "المرأة الفلسطينية الاحتلال والفقدان" !
في كل مرة أعود فيها من الجلسات التدريبية كنت أمارس الأنشطة والألعاب والأساليب البدينة، والذهنية والنفسية للتعامل مع الضغوطات مع أبنائي ، بدأت أستمع إليهم وإلى شؤونهم الخاصة الأمر الذي كان له بالغ الأثر في رفع تحصيلهم العلمي إضافة إلى لمسات المرح والتغيير الايجابي التي بدأت تتسلل إلى حياتي".
"من امرأة فاقدة إلى امرأة ذات صحة نفسية تمكّنها من تقديم الدعم والاستشارة إلى غيرها من النساء الفاقدات ، هذا ما لم أتخيله ! لقد حقق مركز شؤون المرأة انجازاً ، وطفرةً نوعية في حياتي ، فبعد العديد من ورشات العمل التدريبية المتخصصة في مهارات الاتصال والتواصل والكتابة سأقوم بتقديم الدعم والمساندة إلى غيري من النساء الفاقدات!" تقول أبو طويلة
هداية شمعون منسقة مشروع "المرأة الفلسطينية الاحتلال والفقدان" الذي ينفذه مركز شؤون المرأة في غزة بالشراكة مع مركز الدراسات النسوية ب القدس وبالدعم من مؤسسة(Kvinna till Kvinna) أكدت على أهمية هذا المشروع في توفير الدعم النفسي والاجتماعي ل(60) امرأة فاقدة في منطقة الشجاعية ؛ إضافةً إلى المساهمة في تغيير النظرة المجتمعية تجاه المرأة الفاقدة .
وأضافت شمعون "نحتاج إلى خلق رؤية متوازنة يتم فيها التعامل مع المرأة كإنسانة تمتع بقدر عالٍ من الصحة النفسية والرعاية الذاتية إلى الحد الذي يمكنّها من تقديم الدعم لذاتها ،ولغيرها من النساء الفاقدات بطريقة تسهم في تحقيق التنمية المجتمعية".
أوضحت شمعون أن هذا المشروع جاء لأجل ضحايا الانتهاكات الإسرائيلية بفعل العدوان الأخير في (2014) والذي حصد أرواح (2241) فلسطيني، منهم (558) طفلا ، و(300) امرأة فلسطينية، كما وتضرر وفقاً لإحصائية مركز الميزان لحقوق الإنسان في غزة (23712) بيتاً بشكل جزئي، فيما تدمر (8383) بيتاً بشكل كلي، ما تسبب بأضرار نفسية واجتماعية وانتهاك لخصوصية النساء الفلسطينيات وحياتهن الخاصة والعامة"!
من فاقدة الي فاقدة
من جهتها أكدت حنين يونس الأخصائية النفسية في مشروع "المرأة الفلسطينية الاحتلال والفقدان" على الأهمية النوعية التي ينفرد بها المشروع كونه يرتكز على أسس سيكولوجية متخصصة في التعامل مع النساء الفاقدات استناداً إلى نهج " فاقدة إلى فاقدة" من خلال تقديم الدعم الجماعي لهؤلاء النساء الذي أبدى فائدته وفقاً لنتائج الاستبيانات البعدية حيث فضلّت النساء الفاقدات ان يتم التعامل معهن بشكل جماعي على أن يتلقين الدعم بشكل فردي.
أما انشراح زقوت الاستشارية فأوضحت أن المشروع هو التجربة الأولى في قطاع غزة، حيث تم تطبيقه على نساء جنين مع الأخذ بعين الاعتبار التغيير في بعض الجوانب وفقاً لاختلاف طبيعة الفقدان ، والظروف المعيشية في قطاع غزة عنها في الضفة الغربية حيث تم انتقاء الأساليب التدريبية ومحتوى المواد والأفلام الوثائقية بما يتناسب مع احتياجات النساء الفاقدات في قطاع غزة.
وأفادت زقوت أن العمل في المشروع يتم ضمن مستويات ثلاث :"الأول يسهم في شفاء وتمكين النساء الفاقدات بشكل فردي من خلال خلق فرصٍ للوصول إلى المساعدة النفسية والاجتماعية، وتزويد المرأة بالمهارات والأدوات اللازمة للرعاية الذاتية و الرفاه؛ من خلال تعريفهم على أدوات الأمن المتكاملة التي تشكل الأساس لمساعدة الذات على المستوى الفردي.
وأضافت زقوت :" بينما يتمثّل المستوى الثاني في تأسيس مجتمع يتكوّن من مجموعات المساعدة الذاتية والشبكات لتمكين النساء الفاقدات من تقديم وتلقي الدعم من بعضهن البعض".
وتابعت زقوت " أما المستوى الثالث فيركّز (انطلاقاً من النهج القائم على الحقوق) على دور المجتمع والسلطات العامة في شفاء النساء الفاقدات؛ من خلال زيادة الوعي حول تجربة الفقدان من منظور النوع الاجتماعي وكيفية التعامل معها، وطرق ضمن بيئة ثقافية واجتماعية داعمة للنساء الفاقدات، حيث ستعمل النساء الفاقدات - اللواتي أصبحن داعمات للأخريات الفاقدات- على ترتيب المناقشات والمحاضرات بالتنسيق مع منظمات المجتمع المحلي؛ لتبادل خبراتهن ومعالجة بعض الممارسات الخاطئة في مجتمعاتهن؛ والتي تزيد من العبء النفسي للنساء الفاقدات ، وتفاقم وضعهن بدلاً من المساهمة في شفائهن وتمكينهن"!
وطالبت زقوت بتكريس الجهود والتمويل لدعم المبادرات النسائية ، والمشاريع الريادية الناتجة عن مشروع "المرأة الفلسطينية الاحتلال والفقدان" الأمر الذي سيسهم في تحقيق التنمية المجتمعية بطريقة متكاملة.