الوضع الفلسطيني منذ فترة طويلة بات لغزاً محيراً أمام المراقبين والدول التي لديها قلق على مشروع السلطة والمفاوضات والتسوية مع إسرائيل، يرافق هذا الأمر التعقيد المتزايد سواء للأوضاع الداخلية أو على صعيد العلاقة التي تقف في عنق الزجاجة مع إسرائيل ومشروعها الاستيطاني الذي يتحقق ليبدد أي أمل بحل الدولتين.
قبل أشهر، التقيت بممثل دولة أوروبية لدى السلطة الوطنية، ومثله مثل الجميع لديه نفس الأسئلة القلقة والحائرة. سألني الرجل: هل هناك أفق للحل مع إسرائيل؟ فقلت: أمام هذا الانزياح الإسرائيلي نحو أقصى اليمين وهذه الحكومة فإن الأمر يحتاج إلى معجزة. ثم سأل الرجل حول إمكانية إنهاء الانقسام. قلت: ذلك يحتاج إلى معجزة أخرى. ثم سأل الرجل عن إمكانية مصالحة بين الرئيس أبو مازن والنائب دحلان. قلت له: هذا يحتاج إلى معجزة ثالثة.
قال الرجل: «إذن أنتم بحاجة إلى ثلاث معجزات قد انتهى زمنها». والحقيقة التي تتكرس أمامنا أن الحالة الفلسطينية باتت في حالة تراجع دائم، وعلى صعيد إسرائيل فقد توقفت المفاوضات وقلب رئيس حكومة إسرائيل الطاولة في وجه الجميع، وانتهى الحديث عن حل الدولتين ولم يعد أحد قادر على إلزام حكومة اليمين حتى بالجلوس على الطاولة، ونحن أمام عالم لم يعد يملك من أدوات الضغط سوى التمني على حكومة الاستيطان، وهو مجرد من كل أنواع القوة التي نعرفها عندما يتعلق الأمر بدولة غير الدولة العبرية والتي أصبحت أكثر جرأة في إعلان التنكر لمسار التسوية الذي أراده العالم منذ ربع قرن.
وعلى الصعيد الداخلي بات واضحاً أن مسار المصالحة الذي تعثر طويلاً لن يتمكن من الإقلاع يوماً ما، بناء على معطيات تتجسد على الأرض، مكرساً نظامين مختلفين بات كل منهما نقيضاً سياسياً للآخر، وبات واضحاً أن المصالحة تعني عودة غزة لغلاف السلطة، ما يترتب عليه اعتراف حركة « حماس » بالتزامات السلطة ومنها نزع الأسلحة وهذا لن يكون، إذن الخلاف أكبر من نوايا طيبة سواء تقودها حركة الجهاد الإسلامي التي حاولت، أو حتى دول عربية كانت عواصمها وفنادقها شاهدة على حوارات عبثية.
أما قصة المصالحة الفتحاوية فقد بات واضحاً أن المؤتمر السابع الذي سيعقد بعد أيام سيحسم الأمر باتجاه طلاق نهائي لا نعرف بعد تداعياته، والأهم أن «فتح» التي تتحضر لذلك المؤتمر تخوض  صراعا داخليا بات هو السمة الطاغية على المواقع والأماكن، هو الشغل الشاغل لمن حظي بعضوية المؤتمر أو لمن لم يحالفه الحظ. من سيكون عضواً في المجلس الثوري ومن لا يكون .. تحالفات وتكتلات واصطفافات وإعادة فلترة لم تتوقف؛ تخوفاً من اختراق ما لا يضمن سير المؤتمر كما يخطط منظموه.
كل هذا في ظل غياب السؤال عن البرنامج الوطني والذي تكفلت حركة «فتح» في ربع القرن الأخير بالذهاب نحو مغامرة بات واضحاً بعد كل هذا الوقت أنها اصطدمت بالحائط .. دولة في حدود 67 من خلال المفاوضات مع إسرائيل وهذا يتحقق خلال فترة خمس سنوات، هذا ما أقرته مؤسسات «فتح» حينها  .. وبات من المؤكد تبعاً للجدل الحاصل أن الغائب الأكبر عن مؤتمر «فتح» هو البرنامج السياسي وإلى أين نحن ذاهبون؟ وماذا تحقق خلال السنوات والعقود الماضية منذ أن حدثت الانعطافة البرنامجية؟
قد لا تكون حركة «فتح» المسؤولة عن كل هذا الإخفاق، بالتأكيد فإن الواقع العربي الهزيل والظروف الدولية خلال العقود الأخيرة حالت دون أي تقدم .. لكن اللافت هو غياب المراجعة والتساؤلات التي باتت أكثر ضرورية في ظل حالة الشلل التي يعيشها الواقع الفلسطيني، معبئاً ذلك الفراغ بمجموعة من الصراعات والنزاعات على السلطة وعلى المواقع، وتلك لن تكون بديلاً عن الدور التاريخي لحركة «فتح» في إدارة الشعب الفلسطيني منذ انطلاقة ثورته الحديثة وقيادتها لمنظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية.
إذن تغيب أسئلة المغارم وتحل محلها أسئلة الغنائم، وحده الدكتور محمد إشتية الذي تحدث عن «المقاومة الشعبية الذكية» وتلك لا ترقى إلى مستوى المراجعات المطلوبة على الرغم من أن المؤتمر السابق أقر في برنامج عمله المقاومة الشعبية والتي لم تبذل حركة «فتح» ما يكفي من الجهد حتى لاتخاذها مساراً كفاحياً باستثناء بعض المتفرقات التي كان رمزها الشهيد زياد أبو عين واختفت لاحقاً، ولا أظن أن المؤتمر سيقدم جردة حساب حول ما تم إنجازه بين مؤتمرين وما لم يتم تطبيقه في توصيات المؤتمر السابق ومعاقبة الذين يستحقون لأن الغائب الأبرز هو البرنامج السياسي والكفاحي لصالح إعادة التركيب بما يضمن إشغال المواقع والحضور والغياب.
نحن أمام حالة فلسطينية يغيب عنها العنوان الرئيس .. عنوان الفعل ضد إسرائيل وكيفية المناورة أمامها. نحن أمام حالة تقف عاجزة أمام المشروع الإسرائيلي الذي يتمدد كل صباح وبات واضحاً أن استمرارها يعني تآكل مشروعنا الوطني سواء باستمرار السيطرة على الضفة أو استمرار عزل قطاع غزة بعيداً عن الكل الفلسطيني والشرعية الفلسطينية، وهو ما يتوافق مع المشروع الإسرائيلي الذي يقضي بابتلاع الضفة وإقامة الكيان الفلسطيني في غزة، وإن حصار عشر سنوات لغزة جعلت هذا المشروع الإسرائيلي مؤهلاً لذلك. 
إذا لم نر ما يحدث بكل هذا الوضوح سنتحمل كلنا مسؤولية هذا الدمار أمام أجيال قادمة .. هناك تخوف من أن تكون التسهيلات على غزة و فتح معبر رفح جزءاً من هذا السيناريو، وبغض النظر عن مصداقية التخوفات «فليعمل الفلسطينيون على إنهاء هذا الوضع الشاذ لغزة .. أيضاً هذا يغيب عن النقاشات كلها ولا يبقى غير نقاش البحث عن الحصص والمواقع .. أي وضع هذا وأي سياسة تلك؟!

Atallah.akram@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد