أطلقت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، في مهرجان ذكرى انطلاقتها التاسعة والعشرين، وعلى لسان أمينها العام الدكتور رمضان عبد الله شلح، مبادرة النقاط العشر بهدف اعادة لم الشمل الفلسطيني وتقييم المرحلة الراهنة وطريقة الخروج من المأزق الوطني الشامل سواء على ملف العلاقة مع الاحتلال أو ملف الانقسام الداخلي، صياغة هذه المبادرة تشير إلى أنها تتوجه إلى الأبعاد الاستراتيجية للنضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال، وليست مجرد نقاط ذات أبعاد تكتيكية لمعالجة أزمة راهنة، مبادرة تتطلع إلى المستقبل متجاوزة الإشكالات والاستعصاءات الراهنة.
قيمة هذه المبادرة أنها طرحت من جانب فصيل مركزي فلسطيني، ينال احترام وثقة المجموع الفلسطيني على اختلاف تشكيلاته وفئاته السياسية والاجتماعية رغم تبايناتها، لهذا السبب الأساسي، كان الاهتمام بها كبيراً رغم تفاوت ردود الفعل بين مؤيد ومتحفظ، وعلى حد علمي لم يكن هناك أي رافض لها، رغم ذلك فإن التشكيك بفاعليتها والقبول بها عملياً، كان هو السائد من قبل كافة الأطراف والفصائل والأفراد والمهتمين بالشأن السياسي العام، ويبدو لي شخصياً أن من صاغها وأطلقها كان يدرك في قرارة نفسه عدم قابليتها للتطبيق حتى على المستوى الأبعد، علماً أن هذه المبادرة بمجموع نقاطها العشر، كانت قد طرحت «بالمفرق» بمناسبات عديدة من قبل حركة الجهاد ومن قبل معظم الفصائل الفلسطينية.
وإذا عدنا إلى الوراء خمس سنوات ماضية، وتحديداً أيار 2011، عندما وقّعت كبرى الفصائل الفلسطينية، فتح و حماس والشعبية والديمقراطية وحركة الجهاد الإسلامي على وثيقة الأسرى، التي باتت تسمّى «وثيقة الوفاق الوطني» لأدركنا مدى قدرة مبادرة الجهاد الإسلامي على القبول الواقعي، ووضعها موضع التنفيذ الفعلي، رغم القبول الواسع بها، فسنوات خمس مضت، باتت وثيقة الوفاق الوطني مجرد تاريخ غير قابل ليضع بصماته الفعلية عليها، رغم أن الموقعين قد اتفقوا على أن هذه الوثيقة ـ الاتفاقية «تتطلب أن تتحول إلى برنامج عمل للتنفيذ وليس مجرد نوايا حسنة، وعاهدوا الله والشعب الفلسطيني في الوطن والشتات، أن يقوموا بتنفيذ كل ما تضمنته وبكل جهد لإنجاحها، في اطار من المسؤولية والالتزام».
فأين نحن الآن من هذه الوثيقة ـ الاتفاق بعد خمس سنوات من توافق الفصائل الأساسية عليها، كم بنداً منها تم وضعه موضع التنفيذ، وأكثر من ذلك، مَنْ مِنْ هذه الفصائل يتذكرها، وأين العهد والقسم بالله وبالشعب، وأين هي النوايا الطيبة التي كان يجب أن تحولها إلى تنفيذ على الأرض.. فإذا كانت هذه الوثيقة، وبالقياس مع مبادرة الجهاد، أقل تطلعاً للحل والخروج من الأزمة التي تحولت إلى مأزق، لم يكن لها أي نصيب من النجاح، فماذا عن مبادرة النقاط العشر هذه؟!
.. والحال هذه، هل نحن بحاجة إلى مبادرة جديدة أم العودة إلى ما تم التوافق عليه ووضعه موضع التنفيذ، خاصة إن توفرت صدق النوايا ـ وأتشكك بذلك كثيراً ـ من قبل أصحاب القرار بالفصائل الفلسطينية، خاصة حركتي فتح وحماس، فإن من السهولة بمكان، وفرصة أفضل في حال العودة مجدداً لوضع وثيقة الوفاق الوطني، موضع التنفيذ عوضاً عن مبادرات ليس لها مكان من الناحية الواقعية إلاّ في الأرشيف والذاكرة في أفضل الأحوال، رغم صدق النوايا الطيبة لمبادرة النقاط العشر.
وإذا كان لا بد من بضع ملاحظات جانبية، فإن الدعوة إلى إلغاء اتفاق اوسلو، تجتمع عليها معظم الفصائل الفلسطينية، داخل وخارج منظمة التحرير الفلسطينية، إلاّ أن مجرد مثل هذه الدعوة، رغم صحتها شكلاً، لا يشكل أساساً لتنفيذها مع غياب البديل، نقصد بذلك، وماذا عن اليوم التالي لإلغاء الاتفاق المذكور؟ فإذا كان الوضع الفلسطيني على هذه الحال من مأزق تاريخي، فهل هناك من مقومات حقيقية لوضع فلسطيني أفضل بعد الإلغاء، أم ان الأمر لا يتعدى دعوة من دون معرفة ما تجرّه من عواقب على المستوى الداخلي، ناهيك عن المجتمع الدولي الذي كان وراء هذا الاتفاق.
حركة حماس أيدت بلا تحفظ مبادرة النقاط العشر، بما في ذلك إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وها هم قادتها يدعون إلى تشكيل منظمة أخرى، فأين حقيقة موقف حركة حماس من هذه المبادرة؟!
وبكل أسف، فإن مبادرة النقاط العشر، كشف خواء الفكر السياسي الفلسطيني، وأتحدث هنا عن غياب هذا الفكر من حيث الأساس، ففي ظل هذا الغياب، يتم التقدم بمثل هذه المبادرات المشكورة للتغطية على فشل الفكر السياسي الفلسطيني أن يشكل ناظماً نشطاً للحياة السياسية الفلسطينية. عملية التعويض من خلال مبادرة الجهاد غير كافية مع أنها تشجع على بناء القدرة الفكرية السياسية، ولعلّ هذه إحدى حسنات مبادرة النقاط العشر، هناك مفكرون وساسة كبار، إلاّ أنهم أفراد حتى لو انتموا إلى فصائل، غير أن هياكل العمل الفكري السياسي، لا تزال غائبة عن المسرح السياسي، ولعلّ ذلك يعود، أيضاً، إلى نتائج اتفاق اوسلو الذي بات وكأنه نهاية المطاف وما يستلزم ذلك من تهميش الفكر السياسي الفلسطيني!!
Hanihabib272@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية