281-TRIAL- أسبوعان منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار. لم تشهد غزة تغييراً سوى مسيرات واحتفالات "الانتصار". كل شيء في انتظار المفاوضات التي ستجرى بعد أسبوعين لاستكمال الاتفاق الأول بشأن وقف إطلاق النار. الانتظار هو سيد الموقف السياسي والعملياتي. الناس، المهجرون، ينتظرون، والدمار على حاله، والكوبونة، وحصص المساعدات من المعلّبات وبعض الضروريات لم تعد كافية للإجابة عن الأسئلة الملحّة، والتي تزداد إلحاحاً مع اقتراب فصل الشتاء، وبدء العام الدراسي، الذي ان تم تجاوز قضية الوقت، فإنه سيكون من الصعب تجاوز الجودة، في ضوء ما خلفه العدوان من آثار نفسية على التلاميذ والطلاب.
ملف المصالحة، وعودة الحكومة إلى العمل لتحمل مسؤولياتها تجاه قطاع غزة. هذا الملف مفتوح على الانتظار الطويل، ريثما يبدأ حوار جدي للإجابة عن الأسئلة المعقدة، التي لم يجب عنها لا اتفاق القاهرة ولا اتفاق الشاطئ. قبل ذلك، لا بد من مبادرات وطنية مخلصة، لتجاوز مرحلة الاتهامات المتبادلة، والممارسات التي تسمم العلاقات الوطنية. وربما للعودة إلى حوار وطني جامع وليس ثنائيا لتدارك، ما أغفلته اتفاقات المصالحة السابقة.
اليوم نهضت الأسئلة الصعبة، التي كان من المفروض أن تكون الأطراف الفلسطينية قد عالجتها، وأخذتها بعين الاعتبار في حواراتها السابقة، من وكيف يتم اتخاذ القرار في السلم والحرب؟ كيف يمكن لحكومة الوفاق أن تكون حكومة حقيقية حاكمة في ظل حكم حركة حماس القوي لقطاع غزة؟، ما هي الخيارات الأساسية وأية استراتيجيات، تستدعيها العوامل الموضوعية والذاتية، يمكن أن تقرب الفلسطينيين من تحقيق الأهداف الوطنية؟ ماذا عن مسألة السلاح وقوى المقاومة، وما هي ضوابط علاقتها بالسلطة والحكومة، المقيدة بالتزامات أوسلو؟ أسئلة كثيرة معقدة ومن غير الممكن استمرار تجاهل الإجابة عنها من قبل الكل الوطني، ذلك انه من غير الممكن ايضاً، تحقيق الأجندات الوطنية والشعبية الملحة دون إجابات واضحة حولها.
ملف إعادة الإعمار لا يزال ينتظر، وربما ينتظر طويلاً، فمؤتمر الدول المانحة تأجل إلى موعد غير معروف، وإسرائيل تتمسك بمسؤوليتها عن الرقابة الصارمة على كيفية التصرف بمواد البناء، فيما السلطة والحكومة غير موجودة في قطاع غزة، باعتبارها الطرف الفلسطيني، الذي يتحمل مسؤولية الإشراف على إعادة الإعمار.
قضايا التيار الكهربائي، والمياه، والبنية التحتية، هي أيضاً مؤجلة، وكلما فتح أي من هذه الملفات، تجد أن الإجابات تحيلك إلى أوقات بعيدة، وآليات غير معلومة.
معبر رفح ، لا يزال، أيضاً، تحت طائلة الانتظار، وكلما استمع المواطن لحديث مسؤول عن هذا الملف، وجد نفسه أمام فترة طويلة، وان المسألة مرتبطة بترتيبات فلسطينية تتضمن سلسلة طويلة من الإجراءات، هذا إذا كان الفلسطينيون متفقين حول كل هذه الترتيبات والإجراءات، وإلاّ فإن الانتظار سيطول أكثر.
والانتظار هو سيد الموقف، أيضاً، إزاء ما يمكن أن تسفر عنه المفاوضات الاستكمالية التي يفترض أن تجرى في القاهرة بعد أسبوعين بين الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي، هذا إذا صدقت النوايا الإسرائيلية، وهي على الأغلب غير صادقة. 
النوايا الإسرائيلية أفصح عنها نتنياهو، حين صرح قبل أيام قليلة أن إسرائيل لن ترسل وفداً للتفاوض في القاهرة، أما وأنها عادت لتوافق على ذلك، تحت ضغط القاهرة، فإنها أي إسرائيل من المرجح أن تعود إلى أسلوب المراوغة، وإفراغ المفاوضات من مضامينها كما فعلت بالنسبة للاتفاق الأول، وكل الاتفاقايت السابقة على الإطلاق.
والانتظار هو سيد الموقف بالنسبة للمبادرة السياسية التي قدمها الرئيس محمود عباس ، وعرضها وفد فلسطيني على الإدارة الأميركية الأسبوع الماضي، إذ لم يصدر عن الإدارة، موقف بالرفض أو القبول ولكن طبيعة المبادرة وتأخر الرد الأميركي، قد ينطوي على إمكانية حقيقية لتوسيع دائرة التفاعل حول تلك المبادرة.
المبادرة بحد ذاتها، محاولة فلسطينية، لإعطاء فرصة قد تكون الأخيرة في سياق المحاولات الجارية للبحث عن تسوية. 
الكل يدرك ذلك، دولياً وإقليمياً، رغم كثرة الملفات والانشغالات التي تتصل بأزمات كثيرة، من الأزمة الأوكرانية، إلى أزمة داعش وزميلاتها.
تحتاج المبادرة إلى إرادة عربية جامعة، وتحرك عربي قوي وحقيقي نحو الضغط على الولايات المتحدة، والفرقاء الدوليين الفاعلين، من أجل أن تفتح الطريق أمام مفاوضات سياسية لمعالجة الصراع، ونحو انتزاع الحقوق الوطنية. 
وتحتاج المبادرة إلى اتفاق وطني فلسطيني جامع حتى لا تتسبب المعارضة في تعطيل هذه المبادرة، ولأنه إذا كان للبعض أسئلة تتعلق بمن وكيف يتم اتخاذ قرارات الحرب والسلام، فإن عليه أن يأخذ بعين الاعتبار وجود شركاء، وهم أصحاب رؤى، وقدرات أيضاً على تسهيل أو تعقيد الأمور.
والمواطن في قطاع غزة، قلق وفي حالة تأهب وانتظار، إزاء إمكانية أن تعود إسرائيل لارتكاب عدوان جديد، استكمالي، لترميم سمعة ودور الجيش ولإعادة ترميم التحالف اليميني الحاكم.
في إسرائيل يتحدثون عن أن الأجهزة الاستخبارية، والوسائل التكنولوجية تراكم من جديد قائمة أهداف في قطاع غزة، والتطرف يزداد، ويسيطر على المشهد السياسي كما على المشهد المجتمعي. الفلسطينيون لا يأمنون الجانب الإسرائيلي ولا يثقون بأية ضمانات يقدمها أو أية اتفاقيات يوقع عليها، ولا يثق الفلسطينيون بضمانات الولايات المتحدة، ولا بسياستها، فهي دائماً تقف بالباع والذراع إلى جانب ربيبتها إسرائيل. 
إذا كان الانتظار صعبا ومملا في كل الحالات فإنه في حالة الفلسطينيين في قطاع غزة، انتظار مكلف، بل باهظ التكلفة، وهم ليسوا معنيين بمن يتحمل المسؤولية عن بؤس أوضاعهم، أوعلى الأقل فإنهم ينتظرون من أصحاب الأبواب العالية، أن يمنحوهم بعض الوقت للراحة، طالما أن الراحة غير ممكنة في ظل وجود الاحتلال. 52

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد