في العامِ 2005 زارني وفدٌ صحفيٌ من الأراضي الفلسطينيةِ المحتلةِ عام 48 لتغطيةِ الانسحابِ الإسرائيلي من قطاعِ غزة ، كان من ضمنِ الوفدِ صحفيان من المملكةِ الاسبانية، في طريقِنا إلي مدينةِ دير البلح وَسَط قطاعِ غزة كانت هناك مستوطنةٌ إسرائيليةٌ اسمها " كفار دارووم"، في طريقِنا إليها لا بد وأن يعبرَ الطريقَ من أمامِنا طلابُ المدارسِ بالقربِ من الطريقِ الساحلي حيث هناك تجمعٌ كبيرٌ للمدارسِ الابتدائيةِ والإعداديةِ، كانت الساعةُ تشيرُ إلى الحاديةَ عشرَ صباحا وهو موعدُ خروجِ طلابِ وطالباتِ الفترةِ الصباحيةِ وهو نفسُ الموعدِ أيضا لدخولِ طلابِ وطالباتِ الفترةِ المسائيةِ الي فصولِ المدرسة.
توقفت سيارتُنا في منتصفِ الشارعِ كي يعبرَ الطريقَ طلابُ المدرسةِ، إلا أن السائقَ الذي جاء من خلفنا لم يعجبْه أن ينتظرَ فقررَ أن يسلكَ الطريقَ من الجانبِ الأيمن وذلك بسرعةٍ مما عرّضَ الطلابَ العابرين الطريقَ للخطرِ الشديدِ واقتربَ من أجسادِهم كثيراً حتى أصابَهم بالهلعِ والخوفِ الشديد، زميلي الصحفي الأسباني الزائرُ لغزةَ لأولِ مرة وهو سعيدٌ ومنتشيٌ بهذه الزيارةِ قال : " ما هذا ! أنتم شعبٌ عظيمٌ لماذا لا يوجدُ لديكم ثقافةٌ مرورية " ؟
كتمت في نفسي ضحكةً وقهقهةً لو خرجت من فمي ما خرج بعدها الاحتلالُ الإسرائيلي من قطاعِ غزة وما كان تمت عمليةُ الانسحابِ الإسرائيلي انذالك، ولكن هذا ضيفٌ يزورُ غزةَ لتوه ما كاد أن يستنشقَ هواءَها حتى أكتشفَ السببَ الرئيسي لعدم تقدمِنا وتطورِنا ونهضتِنا " نحن شعب لا يوجدُ لدية ثقافةٌ مرورية ".
في الشارعِ وعلى المفترقاتِ تجدُ إشاراتِ المرورِ ولكن لا أحد يحترمُها، تجدُ خطَّ المشاةِ ولا أحد يحترمُه، تجدُ السيدةَ الجميلةَ الرائعةَ الراقية تسيرُ في منتصفِ الشارعِ، وتجدُ الشيخَ الجليلَ يقطعُ إشارةَ المرورِ مشيا على الأقدامِ في وجهِ السيارات، وتجدُ الأطفالَ لا يلتفتون لا ميمنةً ولا ميسرة، وتسمعُ زماميرَ السياراتِ تنادي على الركابِ في كلِّ مكانٍ، وتجدُ زحمةَ الناسِ على ركوبِ السياراتِ كزحمتِهم على صرافاتِ البنوك، لماذا ؟
لأننا نخرجُ متأخرين على مواعيدِ عملِنا وجامعِتنا ومدارسِنا، ونرغبُ بالوصولِ مبكرا قبل ساعاتِ الدوامِ حتى نتجنبَ الخصمَ من الراتبِ، أو المنعَ من دخولِ المحاضرة، وعندما يوُقفُ شرطيُّ المرورِ السائقَ صباحا يتفحصُ أوراقَه، يتأففُ الركابُ لأنهم يريدون أن يلحقوا بأعمالِهم ونسوا أن هذا الشرطي يتفحصُ أوراقَ سلامتِهم وأمنِهم ويحافظُ عليها.
بالأمس جلستُ في مكتبِ دائرةِ تحقيقاتِ الحوادث بمركزِ الشرطةِ لكي استمع إلي بعضِ الشكاوي من المواطنين حول تعاملِ رجالِ الشرطةِ وأسباب كتابة المخالفات والحملات المرورية والشرطية على الطرقات.
" المواطنُ دوما على حقٍّ _ والشرطيُّ على باطلٍ ، لم يجدْ شيئا يستحقُ أن يخالفني عليه الشرطي _ نحن نعاني من أوضاعٍ اقتصاديةٍ صعبةٍ _ الوضعُ صعبٌ _ الرخصةُ خلصت امبارح _ الدوام انتهى _ حادث طرق _ البنت ماتت _ السواق انحبس _ أبوه مسئول كبير _ الحق على السواق " .
هذا جزءٌ من بسيطٍ من الحياةِ اليوميةِ التي يعايشُها مكتبُ تحقيقاتِ حوادثِ المرورِ في مدينةِ غزة لتكونَ النتيجةُ منذ بدايةِ عامِ 2016م ، كحصيلةٍ لحوادثِ الطرقِ على النحوِ التالي :
بلغ عددُ حوادثِ الطرقِ منذ بدايةِ 2016 لغايةِ اليومِ بلغت 2417 وعددَ الوفيات نتيجةَ حوادثِ الطرق ِ80 حالةً وعددُ حالات الوفاة من الأطفالِ 37 حالةً وعددُ حالات الوفاة بسببِ الدرجاتِ النارية 22 حالةً، أما عددُ الإصاباتِ الخطيرة نتيجةَ حوادثِ الطرقِ 111 إصابةً، والإصابات المتوسطة 592 إصابةً، والإصابات البسيطة 612 إصابة، أما الأضرارُ الماديةُ الناتجةُ عن حوادثِ السياراتِ فقد بلغت 2380 ضررا، والأضرارُ الماديةُ نتيجةَ حوادثِ الدراجاتِ الناريةِ 192 ضرراً.
بعد هذه الأرقامِ من المسئولُ عن الحدِّ من حوادثِ الطرقِ على الطرقات؟
من المسئولُ على الحفاظِ على سلامةِ المواطنين وعابري الطريق ؟
من يدركُ أهميةَ تطبيقِ القانونِ وقوانينِ السلامةِ المرورية؟
متى يحترمُ السائقُ والمواطنُ إشارةَ المرورِ وخطَّ المشاةِ؟
متى ستنتهي ظاهرةُ الزامورِ في الشارعِ ؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية