قدر الشعب الفلسطيني ان يأتي على ذلك الوعد المشئوم مئة عام من إنسان أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه متجرد من الأخلاق والقيم الإنسانية وقاتل مجرم ساهم في قتل وتشريد الشعب الفلسطيني بفعل الوعد الذي قطعه على نفسه، وترك جرحا عميقا يئن على إثره الشعب الفلسطنيي المكلوم .

 

لم يكن بلفور يعلم أنه كلّف نفسه بمهمة خلدت ذكراه في مزابل التاريخ للأبد، ولو صبر قليلا لانتصرت فكرته على الأقل وتحققت بفعل ما نراه اليوم من أحداث مؤلمة في المنطقة قد يكون لوعد بلفور المشئوم سببا مباشرا في خرابها لكن من المؤكد ليس سببا لوحده فَقَط.

 

لو قدر لبلفور أن يعيش زماننا ليرى حال سوريا وبالتحديد "حلب" والعراق واليمن ومصر لربما تغيرت فكرته أو على الأقل ترك الأمر لقائد عربي "عظيم" كنظام الأسد والذي قرر أن يبيد شعبا كاملا من على الكرة الأرضية كي يحتفظ بكرسي الرئاسة ولو كان الثمن هو الوطن، فكان سيسهل عليه حينها أن ينفذ فكرته دون وعد دولي يقطعه على نفسه ولربما بمساحة أكبر من المساحة التي أعطيت لليهود آنذاك .

 

مشكلة بلفور أنه وقع مع شعب عنيد الطباع ألغى من قاموسه النسيان و سياسة الأمر الواقع التي يفرضها المجتمع الدولي الجبان على الشعوب، فواجه مخطط بلفور بشتى السبل، لكن الشعب الفلسطيني ايضا اصطدم كما بلفور بواقع جديد وهو الوضع العربي المترهل وواقع قيادته المتأزم الذي ساهم بكل تأكيد في أن ينزلق الجميع في مقدمتهم الشعب الفلسطيني إلى الهاوية ولا أعتقد أن بلفور هنا السبب على الأقل ليس لوحده.

 

براءة بلفور تكمن في الحال التي وصلنا إليها سواء على الوضع السياسي الداخلي الفلسطيني والإنقسام البغيض أو الوضع الإقليمي العربي الذي يحمل في طياته يوميا خبرا أسوأ من سابقه ونصر نخن على التذكير بأصل المشكلة وأن ما نحياه مرتبط بجذور المشكلة الأصلية وهو حق أريد به باطل .

 

لا أتصور أن بلفور الذي لم يكن ليتقن قراءة المستقبل العربي إن صح التعبير بصورته الناصعة الآن وقد يكون العكس تماما وأن أحد عوامل نجاح خطته توقعه لما ستئول إليه المنطقة مستقبلا أو على الأقل خيانة حكامها، أنه خطط بأن تتناحر الفصائل الفلسطينية فيما بينها داخليا على سلطة لا وجود لها على الأرض واقعاً، أو أن تختلف على البرنامج السياسي والذي يفترض به أن يكون تحرريا، بل ولا أتصور أنه خطط أن تحكم مصر قبضتها على قطاع غزة فتمعن بإذلاله وحصاره، ولا أن يكون لنا جامعة عربية إن كانت بالفعل ( جامعة ) تكون مهمتها خنق الشعوب وقتلهم وتشريدهم وجعل قضية فلسطين وراء ظهرها.

 

سيبقى بلفور مجرما ولن يختلف أحد في ذلك، لكن من حق بلفور أن ينصفه رأي آخر لأنه لن يستطيع أن يدافع عن نفسه أنه وجد شعوبا وقيادات مؤهلة لأن ينفذ فيها مخططا كانت هي أحد عوامل نجاحه في تلك الفترة.

 

خلاصة القول بلفور ليس بريئا ولكنه وحده ليس متهما فأن نلعن بلفور للسنة المئة على التوالي هو فراغ ويأس وجريمة تحتاج وحدها إلى تحقيق ، لأننا بحاجة إلى أن نعترف بحقيقة مرة أننا من مهد وسهل لهذه المئوية أن تحيا بفعل صمتنا، وبالتالي علينا أن نحقق مع ذواتنا لنعرف أين دورنا من هذه المِحنة التي مازلنا نكتوي بنارها وأن لا نبرأ أنفسنا من التهمة ،  فبلفور فكرة ولكنها لم تمت لأننا تعامينا عن الحقيقة متذرعين بمعرفتنا بأصل المشكلة دوما ولكي يسهل علينا إحياء السنة الأولى لنهاية وعد بلفور المشئوم ، علينا أن نعالج المحطات التي مرت بالقضية من بعد هذه المأساة والتي خلفت وعد بلفور بوعد أسوأ منه كاتفاقية أوسلوا مثلا والتي كانت في نظري أهم محطة تؤصل لتحقيق الإحتلال في حلم بقاءه والتي كانت بأيدي فلسطينية للأسف .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد