أنشدنا، وما نزال ننشد حتى اليوم معلقاتٍ هجائيةً على جيمس أرثر بلفور، هجوناه على وعده لليهود بمنحهم وطننا حلالا، زلالا.
في كل عامٍ، نُحيي مناسبات الهجاء، ونعقد مؤتمرات الشجب والاستنكار لما فعله بلفور بنا في يوم الثاني من تشرين الثاني من كل عام، واعتدنا أن نردد دائما مقطوعات البكاء والنواح الشعرية التالية:
"أعطى مَن لا يملك وعْداً لمن لا يستحق... وعد بلفور  المشؤوم....التعاون الاستعماري بين الصهيونية والإمبريالية العالمية...وعد بلفور صدر لتخليص العالم من اليهود...."
وما إن تنتهي الذكرى حتى نُعيد الملف إلى صندوق نكباتنا، المحشو بالذكريات والآلام والأحزان!  
كثيرون لم يتابعوا الملف، واقتصروا على دور بريطانيا في منح الوعد، يوم 2 تشرين الثاني 1917 وكفى!!
ولم يتابعوا ما فعله المندوبُ البريطاني بعد الوعد، فقد جعل مقر حكومته الانتدابية في القدس ، لي فتح أبوابها للمهاجرين اليهود من كل أنحاء العالم، وأقدم الجنرال ألنبي على تغليب الأقلية اليهودية في فلسطين، والتي لم تكن تتجاوز 5% من مجموع سكان فلسطين، فاستخدم حجة تنظيم مدينة القدس وفق مخططات بلدية، واستعان بمهندسين، فقسمها إلى أجزاء: البلدة القديمة، القدس العربية، والقدس اليهودية، ومنع البناء في البلدة القديمة.
لم يُفسِّر المؤرخون العرب والفلسطينيون، سؤالا ظلَّ يُلحُّ عليَّ منذ قرأتُ التاريخ: لماذا تكره إسرائيلُ وتتجاهل وعدَ بلفور، ولا تحتفل به، أو تُحيي ذكراه؟
أجابَ، ناحوم سوكولوف، وحاييم وايزمان، وهما قد خاضا مع بريطانيا مفاوضات طويلة، أجاب المفاوضان:
إن رئيس الحكومة البريطانية، لويد جورج، ووزير خارجيته، أرثر جيمس بلفور، كانا ينطلقان من منطلقين رئيسين، عندما منحا وعد بلفور:
الأول: المسيحانية الدينية، فقد كان لويد جورج وبلفور يؤمنان بأن (فلسطين) هي بلد عودة المسيح المنتظر، ولكي يعود المسيحيون إليها، يجب أن يعود اليهود إليها أولا، وهي نظرية المسيحانية الصهيونية المركزية، لذا فقد وضعا تعبير: (وطن قومي لليهود، وليس دولة!).
الثاني: توسيع ممتلكات بريطانيا، باستخدام اليهود والصهيونية.
غير أن المُنظِّر الصهيوني، جابوتنسكي أجاب عن سؤالي فقال: "أُقيمت إسرائيل بالدم، ولم تؤسس بالوعود من الآخرين، إن الإيمان بوعد بلفور خديعة!!!"
كان منظرو الصهيونية يودون شحن الأجيال الإسرائيلية بتاريخٍ مصنوعٍ  بالقوة والمنعة، وأنَّ السيف هو مؤسس إسرائيل، وليستْ المفاوضات والوعود.
لقد أدركَ الصهيوني، وايزمان، وروتشلد أنَّ بريطانيا تحتاج في الحرب العالمية الأولى إلى دعم الجالية اليهودية في أميركا، بأن تضغط هذه الجالية على أميركا لتنصر بريطانيا في حربها ضد دول المحور.
المؤرخون اليهود يُبرزون نهاية رسالة بلفور، التي تُغفِلُها كُتبُنا التاريخية، وكانت نهاية وعد بلفور الموجَّه لروتشلد كالتالي: "أشكركَ إذا أبلغتَ محتوى رسالتي هذه إلى المؤتمر الصهيوني في أميركا!".
كذلك، لم يربط كثيرٌ من المؤرخين ممن يرجحون نظرية المؤامرة الصهيونية، بين اتفاقية سايكس بيكو، وبين وعد بلفور، فلماذا لوَّنَ معدو خريطة سايكس بيكو 1916 فلسطين باللون البُنّي؟ واللون البُني كان مخصصاً للمناطق الدولية؟
هل كان اتفاق، بريطانيا وفرنسا (سايكس بيكو) على تقسيم العرب يهدف إلى زرع دولة صهيونية، لمنع تكوين إمبراطورية عربية؟!!
أم أن وعد بلفور جاء تحقيقا لنزعات لويد جورج وأرثر بلفور، المسيحيين الصهيونيين، المؤمنين بعودة المسيح في أرض فلسطين، وفق تفسير المؤرخين اليهود؟!!
أخيرا، هل سنتمكن من بلورة صيغة اتهام ضد مَن سلبونا حقنا، من واقع الأرشيفات العالمية والدولية؟ أم أننا سنُكرر طقوسَنا الاحتفالية ذاتَها في كلِّ عام، يوم الثاني من تشرين الثاني، وننساها في بقية أيام السنة؟!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد