في خطاب تاريخي له في القاهرة، وقبل أشهر فقط من توليه منصبه، أعلن الرئيس أوباما للعالم: "إن أميركا لن تدير ظهرها لحق الفلسطينيين المشروع في الكرامة، وفرصتهم لإقامة دولة خاصة بهم".

 

اعترافه وتقديره لمعاناة الشعب الفلسطيني التي "لا يمكن انكارها"، والتي كانت نتيجة لفقدانهم وطنهم قبل أكثر من 60 عاما، واعترافه بمحاولات الاذلال "اليومية" المصاحبة للاحتلال، أعطى الفلسطينيين في كل مكان سواء الذين يعيشون في مخيمات اللاجئين في الأردن، ولبنان، أو في المنفى في الزاوية البعيدة من الشتات، أو تحت الاحتلال العسكري على أي مكان من أجزاء من وطننا التاريخي، الأمل بأنه لربما سنرى العدالة في النهاية.

 

لسوء الحظ، فإن تلك الكلمات لم تترجم إلى سياسة، بدلا من ذلك، ومرارا وتكرارا، قامت الولايات المتحدة بالضغط على الدبلوماسية الفلسطينية، لحماية حل الدولتين من جهود رئيس الوزراء الإسرائيلي لتدميره مرة واحدة، وإلى الأبد.

 

كما صوتت الولايات المتحدة ليس فقط ضد قرار مجلس الأمن، الذي يدين بناء المستوطنات، والمصاغ بلغة تعكس تصريحات واشنطن السياسة، بل حتى حاولت أن تمنع إدراج كنيسة المهد الواقعة في مدينة بيت لحم الفلسطينية، كموقع للتراث العالمي في "اليونسكو".

 

ولكن ما هو أفظع من ذلك كله كان استمرار أوباما بالسماح بالحصار غير الإنساني لقطاع غزة . فبدلا من التحدث علنا ??ضد هذا الحصار، قام الرئيس باسترضاء اسرائيل في الوقت الذي قصفت، ودمرت قطاع غزة الساحلي ثلاث مرات خلال سبع سنوات (باستخدام الأسلحة التي زودتها بها الولايات المتحدة للقيام بذلك).

 

 وعلى الرغم من الإدانة الدولية لاغتيال إسرائيل لآلاف الفلسطينيين الأبرياء في غزة، إلا ان الولايات المتحدة لم تحمل إسرائيل المسؤولية عن سوء استخدام المساعدات العسكرية الأميركية، وبدلا عن ذلك، تلقت إسرائيل مؤخرا أكبر حزمة مساعدات عسكرية قدمتها الولايات المتحدة على الاطلاق.

 

الجولة الأخيرة من المحادثات بمساعدة وزير الخارجية جون كيري في العامين 2014 و2015 في ظل ادارة أوباما، أثبتت عدم نجاحها، بل فشلها، وعلى الرغم من أن الرئيس لم يكن متفائلا، إلا أنه دعم بإخلاص بدء المفاوضات.

 

وفي اجتماع لهم في البيت الأبيض، دعا الرئيس كيري إلى خفض توقعاته من أول يوم، مشيرا إلى أن البيت الأبيض لم يكن يضع ثقله السياسي وراء وزير الخارجية، وعلى الرغم من أن كيري أجرى 50 جولة من المحادثات مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، إلا انه لم يتمكن من مخاطبة الطرف الرئيسي الآخر، رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ، وقُدّمت وعود كثيرة منها تجميد جزئي للاستيطان، والإفراج عن بعض السجناء السياسيين، ومناقشات بشأن حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية، ولم يتم الوفاء بأي من هذه الوعود.

 

ونتيجة لذلك، وتحت رئاسة أوباما، فإن فكرة حل الدولتين اصبحت موضع سؤال. إن الحزب الديمقراطي لم يستخدم حتى عبارة "المستوطنات" أو "الاحتلال" في برنامجه السياسي. من ناحية أخرى، لغى الجمهوريون الاشارة الى حل الدولتين تماما.

 

ان عدم وجود مساءلة أو أي إجراءات ملموسة من الولايات المتحدة بخصوص الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بما فيها المستوطنات، يوصل رسالة مفادها بأنه بغض النظر عن "الادانة القوية" المنبثقة من واشنطن (كما شهدنا هذا الشهر وعلى مدى السنوات الـ50 الماضية)، ستواصل إسرائيل بناء المستوطنات في الاراضي المحتلة.

 

إن الحديث عن قرار مجلس الامن التابع للأمم المتحدة بخصوص المستوطنات آخذ بالتداول، ولكن ما هو مطلوب حقا هو قرار بصفة الالزام مع عواقب واضحة على أرض الواقع، بدلا من استمرار التصريحات المكررة ذاتها.

إن هذه السنة الأخيرة من رئاسة أوباما تسجل السنة الـ100 منذ "وعد بلفور"، عندما وعد اللورد البريطاني آرثر بلفور، الذي لا يملك، لوردا بريطانيا آخر، وهو الزعيم الصهيوني البارون دي روتشيلد، والذي لا حق له، فلسطين على أنها "الوطن القومي اليهودي". ومع دخول الاحتلال العسكري الإسرائيلي الذي سيطر على 22% مما تبقى من وطننا عامه الـ50، فقد حان الوقت لأوباما لاتخاذ إجراءات ملموسة لوضع حد لهذا الظلم الواقع على الشعب الفلسطيني والذي طال أمده.

 

 لم يفت الأوان للرئيس أن يفعل خيرا بناء على التصريح الذي قام به في القاهرة، فهو بإمكانه أن يبدأ من خلال الدعم الكامل للإطار المتعدد الأطراف لتسوية الصراع الذي اقترحته فرنسا، وانهاء الاحتلال الذي بدأ عام 1967 بشكل كامل، وإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، هي الهدف الذي يتطلب الجهود المتعدد الأطراف التي تدفعها فرنسا تماما، كالجهود متعددة الأطراف الناجحة التي رعتها الولايات المتحدة، والتي أدت إلى الاتفاق مع إيران.

 

إن الأهم من ذلك، ومن أجل تقديم بيان واضح لا لبس فيه بشأن معارضة الولايات المتحدة لبناء المستوطنات، والحفاظ على حل الدولتين، يجب على أوباما، كما فعلت 138 دولة أخرى، الاعتراف بفلسطين كدولة مع الحدود التي كانت موجودة، قبل ان تبدأ اسرائيل احتلالها العسكري في عام 1967.

 

هذا من شأنه وضع الإسرائيليين والفلسطينيين على المسار الصحيح الذي لا رجعة فيه نحو وضع حد للصراع وتحقيق سلام دائم. هناك القليل فقط من الذي يمكن للرئيس ان يخسره بمثل هذه المبادرة، لكن الكثير من الاستقرار في الشرق الاوسط سيكسب للأجيال القادمة من الإسرائيليين والفلسطينيين، وينبغي أن يكون هذا هو إرث أوباما، وليكن أوباما بلفور فلسطين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد