أحلام مفقودي سفينة السادس من سبتمبر تتبدد وآلام ذويهم تتجدد
غزة / علا أبو حليلو / سوا / ركبوا البحر من كل البلاد المكلومة، رجالاً ونساًء، شيوخاً وأطفالاً ، وأطناٌن من الأحلام التي حملوها معهم في عرض البحر على مركبهم المتواضع، ليكسروا حصار أنفسهم من الذل والظلم المفروض على قطاع غزة منذ سنوات ليلتقوا مع زملاءهم في الظلم من البلاد العربية.
ودون اكتراث لجملة التهديدات التي لم تهدأ منذ أن بدأت اسراب الهجرة الغير شرعية تنطلق يومياً، ومشاهد الغرق اللاإنسانية، إلا أنهم قرروا المغامرة من أجل الحياة، فإما حياة تسرهم وتنفعهم وإما غرق بكرامة والموت بعزة – كما يعتقدون.
6-سبتمبر-2014 يوم أن انطلق المركب سائراً في عرض البحر، حاملاً على متنه أمنيات وأحلام، دموع من أجل مستقبل مجهول وماضي مليء بالأوهام، يحمل 150 راكباً من غزة أقل ما اصطحبوه من ذكريات عبارة عن ركام لثلاثة حروب قاسية، وبضعة اجتياحات إسرائيلية كلٌ لمنطقته، وأياماً أمضوها بحثاً عن عمل بلا فائدة، فكان قرار البحر !
خسارة الوزن مستمرة، تكاد تفقد أكثر من نصف وزنها، واللون الشاحب يجعلك تدرك كمية الأسى دون عناء، عيون منتفخة، وملامح الوجع أخفت معالم الوجه ، السيدة " أم وائل وشاح"، أم لأربعة أبناء، أكبرهم " وائل " ذو الستة وعشرين ربيعاً، والمفقود منذ عامين، بحسرة تصف إصرار ابنها على الهجرة: " لم أكن أعرف أنها غير شرعية، لم يريد أن يخيفني عليه ، أقنعني أنها مضمونة وستنجح مثل الشباب الذين سبقوه، هذه الطريقة الوحيدة التي سيضمن بها مستقبله ."
اكتوبر 2016 .. مضى عامان على وجعها، لم يعد هناك دموع في عينيها، فقد نفذت كثر ما ذرفتها، عامين لا تعرف هل ابنها على قيد الحياة، أم أن البحر قد ابتلع جثته الهزيلة، لم يكن هزيلاً بشكل محزن، بل كان قوياً، يعرف السباحة جيداً، كانت هوايته المفضلة، تستغرب وتتساءل كيف يمكن للبحر أن يبتلع من يعشق الانتعاش في احضانه اسبوعياَ؟
وتصف "وشاح" بأسى:" في غزة لم أترك أي جهة مسئولة ولم أذهب إليها، الجميع يتنكر لوجودهم، وبعضهم قال لي بأن طريقة هجرتهم الغير شرعية هي من تمنع المطالبة بالإفراج عنهم فيما لو كانوا مسجونين، وبعضهم من أنهى الموضوع بأن البحر التهم الجثامين و ذابت في قاع البحر".
وتضيف:" لا يمر يوماً دون أن أفعل شيء لأجد ابني، سافرت على مصر وذهبت للسفارة الفلسطينية ولمجلس النواب المصري، لا أحد يعطي معلومة واضحة.
وعلى الرغم من أن أهالي المفقودين شَكَلَوا لجنة تُعرف بـ"لجنة مفقودي قارب 6/9" للتواصل مع الجهات الرسمية المحلية والعربية والدولية، و نفذت هذه اللجنة لاحقاً عدداً من الفعاليات الشعبية المطالبة بالكشف الفوري عن مصير أبناءهم، إلا أن كل المحاولات الجماعية والفردية في كل مرة كانت تبوء في الفشل.
عائلة بكر كان لها النصيب الأكبر من المفقودين بالسفينة، حيث فقدت26 فرداً من أبنائها .
"أبو راغب بكر" والذي فقد أخيه مع أبناءه، واثنين من أولاده وخمسة من أطفالهم، يقول :"إن ملف أبناءنا المفقودين لم يتبناه أحدا إلى الآن، فالجهات المعنية والرسمية والحقوقية لا تحرك ساكناً لبذل جهودا للكشف عن مصير هؤلاء وتبرد قلوب امهاتهم المكلومة".
يذكر أن المفوضية المصرية للحقوق والحريات أصدرت تقريراً لتقصي الحقائق حول حادث إغراق القارب المعروف إعلاميا بـ"6 سبتمبر"، الذي انطلق من السواحل المصرية باتجاه أوروبا في نفس اليوم من العام الماضي، وكان يقل على متنه قرابة الـ400 لاجئاً ومهاجراً، أغلبهم فلسطينيين.
وكشف التقرير الملابسات التي اكتنفت حادث الإغراق الذي تعرض له القارب يوم 10 سبتمبر 2014 على بعد 300 ميل بحري جنوب شرق مالطا، والذي لم ينج منه سوى 11 فقط، بينما أصبح الباقون في عداد المفقودين حتى اليوم.