هناك ظاهرة بدأت تبرز بصورة كبيرة جداً في الإعلام الفلسطيني وخاصة في شبكات التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة وهي رؤية كل شيء يتعلق بإسرائيل باللونين الأبيض والأسود وبالذات باللون الأسود، وسرعة إطلاق الأحكام والتعميم بشكل لم يسبق له مثيل، ربما هذا يعود إلى حالة الإحباط التي تعصف بالساحة الفلسطينية وفقدان الأمل في امكانية تحقيق التسوية السياسية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، وربما بسبب الهوة الكبيرة التي باتت تفصل بين المستوى السياسي والجماهير، وربما بسبب ازدياد حدة التطرف والإجراءات التعسفية الاحتلالية وخاصة عمليات القتل اليومي التي تجري بدم بارد للشبان والمواطنين الفلسطينيين، وعمليات التهويد ومصادرة الأراضي التي نشهدها في تسارع غير مسبوق خصوصاً في القدس والضفة الغربية، بحيث بات مجرد حدث بسيط يشعل شبكات التواصل الاجتماعي وينظر له وكأنه دمار للقضية الوطنية. وهذا ينطبق على أمثلة كثيرة وآخرها إجراء صحيفة "القدس" المقدسية مقابلة مع وزير الأمن الإسرائيلي افيغدور ليبرمان.
لقد تم إطلاق أوصاف وأحكام على الصحيفة ووصفها بالتطبيع والترويج للاحتلال ومنح مجرم كليبرمان منبراً ليزور فيه الحقائق ويهدد الشعب الفلسطيني، وحتى اطلاق هشتاغ باسم "إعلام التطبيع"، وبرأيي لم يخضع الموضوع لدراسة جدية وهناك مجموعة من القضايا يجب أن تدرس بعناية قبل الحكم النهائي على الجريدة، فعلى سبيل المثال لابد من ذكر أن الصحف الفلسطينية تعج يومياً بمقالات الكتاب الإسرائيليين من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وبعضهم أكثر تطرفاً من هذا الوزير سيئ الصيت، وتنقل وسائل الإعلام الفلسطينية تصريحات المسؤولين الإسرائيليين باسهاب صباح مساء. وهذا فعل جيد لمعرفة العدو ومواقفه وكيف يفكر قادته وصناع الرأي فيه، فأول الأشياء التي ينبغي فعلها لمقاومة أي جهة والتصدي لسياساتها هي التعرف عليها من حيث اسلوب العمل ونقاط القوة والضعف وغير ذلك حتى تستطيع التغلب عليها والتأثير على موقفها. فهل إجراء المقابلة فعل يخرج عن هذا السياق، وهل المقابلة تبتعد عن هذا السياق أم أنها ربما تكون أفضل من حيث توجيه الأسئلة التي تمر بذهن المواطن الفلسطيني، إذا ما كانت معدة جيداً؟ 
   وجود الفلسطينيين في وسائل الإعلام الإسرائيلية أمر مطلوب لإيضاح وجهة النظر الفلسطينية من الاحتلال وسياساته وممارساته القمعية، ومعرفة الفلسطينيين بعدوهم مسألة مطلوبة، والسؤال هنا : هل يحظر على الإعلام الفلسطيني إجراء مقابلة مع أي مسؤول إسرائيلي واعتبار ذلك تطبيعاً، أم أن الأمر يقتصر على المتطرفين منهم مثلاً؟ وهل الإعلام الذي يبحث عن الحقيقة لإيصالها للجمهور يجب أن يضع لنفسه حدوداً ومقيدات معينة؟ 
ربما يكون فحوى المقابلة والأسئلة التي سئلت فيها موضع جدل من حيث قوتها وقدرتها على فضح الموقف الحقيقي لليبرمان وأمثاله من الذين يعادون الشعب الفلسطيني ولا يؤمنون بحل الدولتين على أساس المرجعيات الدولية وحدود العام 1967، وهذا موضوع مهني يمكن الجدل حوله ومناقشته، وربما هذا يكون قد طغى على الموقف من المقابلة، ولكن في كل الأحوال ينبغي نقاش المسألة بروية والتوصل إلى موقف وطني بشأنها بهدوء بعيداً عن التجريم والتخوين ليكون ما حدث درساً يستفاد منه.
وفي الواقع لا يستطيع أحد أن يروج لليبرمان في أوساط الشعب الفلسطيني ولن يقبل اي فلسطيني موقف ليبرمان بغض النظر وردت أقواله في مقابلة مع وسائل إعلام إسرائيلية أو فلسطينية، وهذا ينبغي أن يكون واضحاً بدون الربط بالموقف من المقابلة معه كمبدأ.
هناك كثير من الأمور التي يتوجب بحثها ومحاولة التوصل لتعريف وطني عام لها ومنها موضوع التطبيع على سبيل المثالُ، فهذا الوصف أصبح يطلق على كل فعل له علاقة بالساحة الإسرائيلية حتى، أم هناك من يتعامل مع الظهور في وسائل الإعلام الإسرائيلية تطبيعاً على الرغم من أن كل القيادات الفلسطينية لا تمتنع عن مقابلة الإعلام الإسرائيلي من قيادات السلطة وحتى قيادات " حماس "، فهل ايصال الموقف الفلسطيني للجمهور الإسرائيلي يعتبر تطبيعا؟ وما هو الموقف من الجماعات الإسرائيلية التي تنادي بحل الدولتين على أساس حدود الرابع من حزيران من العام 1967، والمنادية بإنهاء الاحتلال، هل التعامل معها تطبيع؟ وهل محاولة إيجاد لوبي إسرائيلي ضاغط لإدخال العامل الدولي على خط العملية السياسية والضغط على حكومة إسرائيل كوسيلة سياسية مهمة للتوصل إلى تسوية هي تطبيع؟ وهل التواصل مع رئيس منظمة "بتسيلم" الإسرائيلية الذي تطالب أوساط يمينية بسحب هويته واعتقاله بتهمة الخيانة هو تطبيع مع الاحتلال؟ وماذا مع منظمة "السلام الآن" التي تفضح السياسة الاستيطانية لإسرائيل والتي نستقي ويستقي العالم كله المعلومات حول الاستيطان منها بدرجة رئيسية، وماذا مع منظمة كاسري الصمت التي تفضح جرائم جيش الاحتلال وتنفي عنه الادعاء بالأخلاقية؟؟ والأمثلة كثيرة.
 باعتقادي آن الأوان لوضع مفاهيم وتعريفات للكثير من المصطلحات المستخدمة بكثرة في إعلامنا حتى لا نقع في المحظور ويجرم بعضنا بعضاً لخلاف في الاجتهادات حول طرق الكفاح ضد الاحتلال.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد