في ظل الحالة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر خلال الفترة العصيبة فقد تفاقمت أزمة الدولار بحدة شديدة خصوصا في الآونة الأخيرة, حيث ارتفع سعر الدولار اليوم في مصر بتعاملات الأحد:23/10/ 2016في السوق السوداء المصرية ليواجه كارثة فعلية, حيث شهد سعر الدولار صعوداً بالغاً محطمة أرقاما قياسية في آخر تعاملاتها مسجلاً نحو 15.55 جنيها للشراء و15.70 جنيها للبيع, بينما بلغ سعره بالبنوك المصرية نحو8.85 جنيها للشراء و88.8 جنيها للبيع وفقاً لأحدث تقرير صادر عن البنك المركزي المصري , فقد هوى الجنيه المصري أكثر من 10% إلى مستويات منخفضة غير مسبوقة بعد التعليق المفاجئ للمساعدات النفطية التي تقدمها السعودية إلى مصر, ومن المتوقع أن يشهد الدولار في الأيام القادمة ارتفاعاً جنونياً ليتجاوز سعر الصرف حاجز أل16 جنيهاً بسبب ندرة الورقة الخضراء في السوق السوداء والبنك المركزي والذي يعاني من عجز كبير في احتياطي النقد من العملات الاجنبية الصعبة.

*أهم أسباب ارتفاع الدولار أمام الجنيه المصري:

تعددت الأسباب وراء انخفاض سعر الجنيه المصري أمام الدولار مابين أسباب محلية متعلقة بالأحداث الجارية داخل جمهورية مصر العربية و التي أدت إلى انخفاض قيمة الجنيه المصري بجانب الاحتياطي النقدي الأجنبي، وبين الأحداث الجارية علي الصعيد الدولي و التي كان من شأنها رفع قيمة الدولار .

1- عدم تساوي العرض والطلب: وفقاً لقانون العرض و الطلب فإن سعر العملة يتحدد من خلال توافر العملة و كمية الطلب على هذه العملة ، فعندما يزيد الطلب عن العرض فإن سعر العملة يأخذ في الزيادة و هذا ما حدث في حالة الدولار أمام الجنيه المصري في الآونة الأخيرة، فقد قل تواجد الدولار في السوق في مقابل ازدياد الطلب و أدى ذلك إلي زيادة سعر الدولار.

2- الاستيراد من الخارج: في ظل هذه الأزمة الاقتصادية تواجدت عمليات استيراد جمة بشكل غير مدروس، وقد أدى ذلك إلي زيادة عمليات الاستيراد لتصبح بحجم 60 مليار دولار للسلع الأساسية و الترفيهية وسط حالة من ركود حركة التصدير للخارج مما سبب تفاقم الأزمة.

3- انهيار السياحة: الذي يمثل 11% من الناتج المحلي الإجمالي لمصر, والاهم من ذلك أن القطاع السياحي في مصر يدر على البلاد نحو20% من إيرادات النقد الأجنبي, حيث تدهور القطاع السياحي في مصر عقب الأحداث الإرهابية والاضطرابات السياسية التي شهدتها مصر علي مدار العامين المنصرمين، فقد أدى هذا إلى تدهور حالة السياحة بشكل سيئ للغاية مما أدى إلى انخفاض العائدات السياحة كنتيجة طبيعية وأيضاً ارتفاع سعر الدولار فقد كانت السياحة المصرية من أهم مصادر العملة الصعبة داخل البلاد.

4- قرارات البنك المركزي: عندما بدأت أزمة الدولار بالتفاقم فقد سارع البنك المركزي بالقيام ببعض المحاولات لعلها تنهي الأزمة أو حتى تُقلل من حِدة تفاقمها، و من بين هذه الحلول كان عن طريق وضع حد أقصى للإيداع بمبلغ 250 ألف دولار شهرياً ، مما ترتب عليه اللجوء إلي السوق السوداء من قبِل المستثمرين للحصول على الدولار عبر شركات الصرافة وبأسعار أعلى من الأسعار الرسمية في البنوك.

5- تراجع تحويلات المصريين بالخارج: تعد تحويلات المصريين بالخارج من أهم مصادر النقد الأجنبي بعد قطاع السياحة وقناة السويس والاستثمارات الأجنبية ويؤثر تراجع تلك التحويلات على وضع احتياطي النقد الأجنبي والتي تعد مصدرا مهما من مصادر دخول العملات الصعبة لمصر ,حيث انخفضت تحويلات المصريين بالخارج بشكل ملحوظ خلال العامين الماضيين. وبحسب أحد البيانات الصادرة عن البنك المركزي المصري، فقد تراجعت تحويلات العاملين بواقع 400 مليون دولار خلال الربع الأول من العام المالي 2015/ 2016 فقط، لتسجل 4.3 مليارات دولار، مقابل 4.7 مليارات دولار في نفس الفترة من العام الماضي، ما يزيد من مخاوف استمرار التراجع حتى نهاية العام إلى مستويات قياسية.

6- انهيار الاحتياطي النقدي الأجنبي:  فضلاً عن انهيار الاحتياطي النقدي المصري خاصة أن رقم الاحتياطي المعلن من البنك المركزي يتضمن نحو 5أو 6 مليارات دولار في شكل ذهب وحقوق سحب خاصة لا يمكن تسييلها، أي أن النقد الحقيقي المتاح للاستخدام 10مليارات دولار فقط، وهو ما يكفي استيراد شهر واحد لا غير لو استمر الاستيراد بنفس الوتيرة، يأتي ذلك بعد إحجام دول الخليج عن تقديم المساعدات لمصر بعد خفض سعر النفط.

7- قناة السويس الجديدة : التسرع في تنفيذ مشروع "تفريعة قناة السويس" الجديدة، دون إخضاع المشروع لدراسات جدية تبرز الجدوى الاقتصادية منه، هذا التسرع الذي أدى إلى مضاعفة التكلفة الأصلية للمشروع وسحب العملة الصعبة من البنوك لتغطية تكاليف المشروع، وتزامن هذا مع انخفاض عائدات قناة السويس بسبب الركود الذي أصاب الاقتصاد العالمي، الأمر الذي جعل تفريعة قناة السويس الجديدة عبئا على الدولة وليس داعمًا لها.

8- هروب المستثمر الأجنبي من مصر: إن عجلة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر شهدت تباطؤًا حادًا في الثلاث سنوات ونصف الماضية، ويرجع ذلك لعدة أسباب أبرزها عدم استتباب الأمن ونضوب رؤية اقتصادية رسمية واضحة، الإجراءات البيروقراطية التي تنتهجها الدولة، العنف في الشوارع، الأزمة السياسية، نقص العمالة المدربة وضعف التمويل الائتماني، إجراءات الجمارك البطيئة والعراقيل التجارية غير الجمركية كلها عوامل قد لعبت بالفعل دورًا لا يمكن إغفاله في هروب المستثمر من مصر.

9- الحروب الجارية في الدول العربية: اندلعت في الآونة الأخيرة العديد من الحروب في المنطقة العربية  مثل حرب سوريا و حرب اليمين بجانب حرب أسعار النفط بين السعودية و إيران مما أدى إلي انخفاض في أسعار النفط عالمياً.

10- الاتجاه إلي "الدولرة" : إن الاتجاه إلي الدولرة وهو مصطلح يعني تحويل المدخرات في البنوك من الجنيه إلي الدولار كان سبباً رئيسياً من أسباب الانهيار السريع للجنيه أمام الدولار.

11- المضاربة العنيفة على الدولار: إن دور المضاربة العنيفة على الدولار أحد أهم الأسباب التي أسهمت في هذا الانهيار السريع والتاريخي في قيمة الجنيه المصري, فمع فقدان البنك المركزي المصري لأدواته الواحدة تلو الأخرى بجفاف شديد أصاب احتياطي النقد الأجنبي وكذلك توقف تدفق المساعدات من الدول الخليجية نشطت السوق السوداء للنقد الأجنبي وتحركت أسعار النقد الأجنبي في قفزات حادة وسريعة.

12- سيطرة تجارة العملة ورجال الأعمال على سحب هذه العملة من الأسواق والسيطرة عليها مما يؤدي إلي اضطراب في سعر العملة وتدهور الاقتصاد المصري والزيادة المستمرة التي نراها باستمرار داخل السوق السوداء.

13- وأخيراً من ضمن أسباب ارتفاع سعر الدولار أمام الجنيه المصري هو ما قامت به الحكومة المصرية والبنك المركزي المصري  مؤخراً من تصريحات حول تعويم الجنيه المصري.

 

 

*تداعيات ارتفاع قيمة الدولار مقابل الجنيه المصري:

هناك تداعيات خطيرة لارتفاع الدولار أمام الجنيه المصري(انهيار الجنيه) سواء على مستوى اقتصاد الدولة أو موازنة الدولة أو مناخ الاستثمار والتصدير أو سوق الصرف الأجنبي أو القطاع المصرفي , والأهم من ذلك تداعياته على المواطن العادي ومنها نذكر:

1- ارتفاع أسعار السلع والخدمات, حيث أن مصر تستورد 70% من احتياجاتها من الخارج.

2- تآكل القدرة الشرائية للمواطنين.

3- تراجع قيمة رواتب الموظفين بسبب التضخم.

4- ارتفاع أسعار الذهب والسبائك لزيادة الإقبال عليه.

5- زيادة معدلات (الدولرة) داخل المجتمع وارتفاع معدلات التخلص من الجنيه المصري من قبل المدخرين الراغبين في حيازة الدولار وعملات أخرى.

6- انتعاش السوق السوداء للعملة وربما تراجع الودائع الدولارية بالبنوك.

7- حدوث ضغوط إضافية على احتياطي البلاد من النقد الأجنبي.

8- تراجع تحويلات المصريين في الخارج وزيادة اكتناز الدولار.

9- زيادة الدين الخارجي لمصر.

10- تأخر جذب استثمارات أجنبية للدولة بسبب اضطرابات سوق الصرف .

11- زيادة عجز الموازنة العامة للدولة لزيادة تكاليف استيراد السلع الضرورية.

12- تراجع الصادرات الخارجية بسبب الصعوبات التي تواجه المكون الأجنبي في عملية الصناعة.

13- زيادة البطالة داخل المجتمع.

14- إغلاق مزيد من شركات الصرافة وخاصة أن الحكومة تحملها الأزمة القائمة في سوق الصرف.

15- زيادة أسعار العقارات لزيادة الضغط عليها من قبل أصحاب الأموال الراغبين في الحفاظ على أموالهم.

16- خروج أموال أجنبية من مصر بحجة تفادي التعرض لمزيد من الخسائر.

17- تعرض حائزي شهادات الاستثمار لخسائر ومنها شهادات قناة السويس.

18- احتمال خفض التصنيف الائتماني للدولة.

*مقترحات للخروج من الأزمة:

إن أزمة الدولار في مصر ليست وليدة عام أو شهر بل هي تراكم لسياسات اقتصادية متخبطة وإهدار المال العام وعدم تقدير جيد للتعامل مع الأزمات التي تمر بها مصر منذ عام2011 والي الآن. وبالتالي كل الحلول التي يقدمها البنك المركزي للسيطرة على الأزمة هي مسكنات وقتية وليست علاج, حيث تظهر تحديات أزمة الدولار في ارتفاع العجز في الموازنة العامة للدولة وعجز ميزان المدفوعات, بسبب انخفاض الصادرات وزيادة الواردات وما يترتب على هذا من آثار يأتي في مقدمتها عدم توافر النقد الأجنبي للمستثمرين المصريين, وللخروج من الأزمة الاقتصادية والنقدية التي تمر بها مصر لا يمكن أن يتم إلا بخطة طارئة تستدعي وضع سياسة اقتصادية بعيدة المدى لدعم المنتج المصري وزيادة حجم الصادرات وتجعلها على مستوى المنافسة, والعمل على زيادة تدفق تحويلات المصريين بالخارج  واستثماراتهم في مصر, وأيضا تبني سياسات لدعم القطاع السياحي وإنعاشه مرة أخرى واستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية,وهذان القطاعان( السياحة والاستثمار) لا يمكن أن ينتعشا إلا بتوفير مناخ من الاستقرار والحرية والانفتاح والديمقراطية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد