196-TRIAL- لخص أحد كتاب الرأي الأميركيين، السياسة التي تتبعها إدارة أوباما، على صعيد كافة الشؤون الدولية، بكلمة واحدة: إنها إدارة "حائرة" ذلك أن هذه الإدارة لم تتمكن من إحراز أي تقدم يدعم مواقفها إزاء الصراعات الدولية المتزايدة، ولعلّ البعض يفسر هذه الكلمة، باعتبارها اتهاماً لإدارة أوباما المرتبكة، غير أننا لا نرى فيها أية تهمة، فالولايات المتحدة، منذ قيامها، كانت حائرة ومحيّرة في ذات الوقت، فهي جزء من الأميركتين اللتين تم اكتشافهما بالصدفة من خلال البحّار كريستوفر كولومبوس، الذي كان حائراً، أيضاً، عندما وطئت قدماه اليابسة ليواجه الأميركيين الأصليين، وليفاجأ كونه كان يعتقد أنه على أراضي شبه الجزيرة الهندية، وظن أن هؤلاء البشر، ما هم إلاّ هنود، لكن ببشرة "حمراء" الأمر الذي دفع البحّارة إلى الإشارة إلى هؤلاء بالهنود الحمر، وحتى بعد قيام الولايات المتحدة كدولة، فإنها ظلت حائرة ومحيرة، فهي لم تدخل الحرب العالمية الثانية في مواجهة مع النازية، إلاّ في أيامها الأخيرة، ومع ذلك، فهي التي أنهتها بعد ضرب هيروشيما وناغازاكي بالقنبلة النووية بعد أن ضربت اليابان بيرل هاربر، فأنهت أميركا حرباً لم تشارك في بداياتها، الأمر الذي لا يفسر تاريخياً، إلاّ بحيرة الزعامات الأميركية.
أميركا حائرة ومحيرة، فهي بلاد التقاليع والانقلابات الفكرية والفنية، وهي مع التغيير الذي كان شعاراً لأوباما في حملته الانتخابية، مع ذلك، فإن ارتداء الرئيس الأميركي بدلة فاتحة اللون، أثار المجتمع الأميركي الذي يفخر بالانقلابات الفكرية والتقاليع الجديدة، لا لسبب، إلاّ لأن كل الرؤساء الأميركيين سبق وأن ارتدوا بزات قاتمة اللون، وعندما أراد أوباما، أن يساير المجتمع الأميركي بتقليعة جديدة، ظهرت هشاشة هذا المجتمع، وعاد إلى جذوره المحافظة رغم كل التقاليع والموضات المستحدثة، ورغم ذلك، فإن المجتمع الأميركي ما زال مولعاً بالتقاليع الجديدة المستحدثة، ولعلّ آخرها كان "دلو الثلج" الذي انتشر في العالم كله، ولكن بشكل مستنسخ، في إشارة إلى أن العالم يجري وراء التقليعات الأميركية من الهامبرغر، إلى دلو الثلج، من دون أن يجرؤ كل العالم، على ابتكار تقليعاته الخاصة، بما فيها العرب الذين تداولوا فكرة الدلو مع إضفاء أحوالهم على التجربة، لكي يظهر أن إبداع الأفكار والتقليعات هي صفة أميركية بامتياز، وان العرب ما هم إلاّ مقلّدون في أحسن الأحوال.
ويبدو أن هذه السلسلة من التقاليع التي لا تنتهي، أنستني جوهر الموضوع الذي كنت بصدد الكتابة حوله، وهو الثابت والمتحول في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل انطلاقاً من الحرب على قطاع غزة ، إذ رغم هذه الحيرة المحيرة، فإن إسرائيل تعتبر ركيزة الثوابت الأميركية، فلا حاجة إلى أي تقاليع أو حيرة بهذا الشأن، وعندما فتحت إسرائيل المخازن التسليحية الأميركية للتزود بالسلاح والذخيرة لمواصلة حربها العدوانية على قطاع غزة، انطلقت الدولة العبرية من هذه الثوابت.
في تسعينات القرن الماضي، شرّع الكونغرس الأميركي أحد أهم البرامج التسليحية وهو المسمى "حلفاء مخزون احتياطات الحرب" بمقدار مليار دولار عبارة عن مخزنين، أحدهما في إسرائيل والثاني في كوريا الجنوبية، أما سبب تشريع هذا البرنامج فيعود إلى أن إسرائيل اثناء حرب 1973، كانت بحاجة إلى التزود بالسلاح والذخيرة من الولايات المتحدة، في ذلك الوقت، في عهد ريتشارد نيكسون، فقد تعذر إمداد إسرائيل بالسلاح في الوقت المناسب، بسبب تشريعات سابقة، إذ كان يلزم إخطار الكونغرس قبل نقل السلاح بعد الموافقة على الدفعة، بستين يوماً، لذلك عمد الكونغرس إلى تشريع جديد، يمكن إسرائيل من اللجوء إلى المخزن من دون أية إخطارات، وهذا ما حدث عندما كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" في الأسبوع الثاني من الحرب الإسرائيلية الثالثة على قطاع غزة، أن إسرائيل قد زودت نفسها بكل ما يلزم من هذا المستودع التسليحي الهائل، دون العودة إلى الإدارة الأميركية التي كانت تحاول أن تجعل تزويد إسرائيل بالأسلحة جزءاً من الضغط على حكومة نتنياهو، للحد من الخسائر البشرية الفلسطينية في قطاع غزة.
فإسرائيل، في هذا السياق، الثابت الأساسي لدى أميركا، إدارة و"كونغرس" وربما مجتمعا، لا تخضع لأي متغير، رغم كل التحولات والتقليعات والمتغيرات، رغم ذلك فإن الدولة العبرية تشكل حالة عصبية أميركية، فهي دائماً بحاجة إلى أن يضغط عليها لتمرير السياسة الأميركية، غير أن أي إدارة لا تقوى على ذلك بفعل هذا الثابت الذي لا يخضع لعناصر السياسة المتغيرة دائماً وأبداً. ما يزيد في أواصر هذا الثابت، أن كلا الدولتين، الولايات المتحدة وإسرائيل، تخضعان لظروف قيامهما المتشابهة، فأساس مواطنيهما من "المهاجرين" غير الأصليين، سكانهما ليسوا أصحاب البلاد الأصليين، بل من مهاجرين ولاجئين، دولتان أقيمتا على أنقاض حضارة السكان الأصليين، من هنود حمر وفلسطينيين، من هنا يمكن تفسير الوعي الداخلي للمجتمع الأميركي المناصر في الغالب لإسرائيل، نظراً للظروف المتشابهة، باعتبار المجتمعين، يعيشان بسبب الظلم الذي وقع على أيديهما على أصحاب البلاد الأصليين!!
Hanihabib272@hotmail.com 223

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد