غزة: أطفال يرجون تحريك عجلة الإعمار

إحدى المناطق المدمرة بغزة -ارشيفية-

غزة / سعيد قديح / سوا / بخفّة أصابع قدميّه أمكن لعامر (14 عامًا ) الاختباء وراء جدران بيتهم الجديد الذي لم يكتمل سقفه بفعل بطئ عملية الإعمار الناتجة عن العدوان الإسرائيلي على بلدة خزاعة شرق خان يونس، في حين يحاول أحد أصدقائه تقصّي أثره لكشفه في لعبة " الغميضة ".

يرجو عامر في كل مرةٍ يعود إليها من مدرسته أن يفاجئه والده بخبرِ البدء ببناء السقف إلا أن جواب الأب " مصارّش شيء " يُرهق بال الصغير ويحوّل حماس ه لسماع خبرٍ طيبٍ إلى أحاسيس ومشاعر مُتعبِة له يحاول التخلص منها بالهرب خارج ملجأ الإيجار للعب مع أطفال حارته قريبًا من البيت المنشود.

 يروي عامر أحاسيسه قائلًا" حين ترى بيوت أصدقائك جاهزةً لم تتعرض لسوء يرتادك شعورٌ غريب تتمنى فيه لو أن بيتك لم تمسه قذيفة ولا رصاصة، الحرب سيئة جدًا، والانتظار أسوأ، وما بين الحرب والانتظار لن تجد أحدًا يهمه راحتك أكثر منك ومن أمك".

يرجع للزمان الذي ذهب مستحضرًا كيف كان أخيه الأكبر عدي (15 عامًا ) يُبادله النكات والاحاديث المُبهجة في غرفتهما الخاصة، عن سعادته بسماع صوت أصدقائه الذين كانوا ينتظرونه على باب البيت " أن استعجِل ليرافقهم طريق المدرسة.

 أما شمالًا في بيت حانون تشاطر ألاء ( 13 عامًا ) عامر نفس الأحاسيس، فالكرفان الحار لم يعد مكانًا مناسبًا لأحزانها ولا حتى أحلامها وأمنياتها الصغيرة، فعائلتها المكونة من ثمانية أفراد لا تزال تنتظر توقيع عقد اعادة بناء منزلهم من فترة طويلةٍ.

فالخوف يراودهم من مجيء الشتاء في عامه الثالث مستذكرين ما حصل لهم في العامين الماضيين بعد أن تسربت المياه لممتلكاتهم وأغرقتها، تضيف ألاء قائلةً " بدنا نعيش زي غيرنا، بنحب الحياة، والبيت ضرورة زي الوطن، وبكره الحرب، صرت بخاف من أي شيء وبنام متأخر وبحلم انه بيتنا اتعمر".

وكشف رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار جمال الخضري في مؤتمر صحفي مؤخراً أن التمويل جاهز لبناء 3000 وحدة سكنية لكن الذي يحول هو سياسة اسرائيل في تنقيط مرور دخول مواد البناء إلى غزة، فيما تبقى 6000 وحدة سكنية بانتظار التمويل ومواد البناء وبذلك يكون ما مجموعه 60 ألف مواطن يعيشون في ظروف لجوء صعبة في وحدات ايجار أو بركسات وخيام على حد قوله.

ونتج عن حالة المنع والرقابة الشديدة التي تمارسها سلطات الاحتلال على دخول مواد البناء والمواد الخام والآلات الزراعية لغزة بطؤ كبير في تحريك عجلة الاعمار انعكس سلبًا على حركة البناء والصناعة والزراعة؛ إذ تقدر الأونروا مجموع ما تم المباشرة بإعماره في غزة منذ نهاية الحرب الأخيرة بنحو 25% مما دُمِر.

ويقول الأخصائي النفسي فضل أبو هين لسوا أن مشاهد الحرب القاسية لوثت عقول الأطفال لُتدخل إليها مخيلات وهواجس الخوف وبذلك تعطّل القدرة عند كثير منهم على التفكير السليم وتنعكس سلبًا على سلوكهم الحركي.

وبين قائلًا " لا يوجد مكان آمن للأطفال في غزة، وهناك درجات عالية من الخوف لديهم لم تحدث في تاريخ صراع أي دولة".

وعن الأعراض تابع " منها النوم في حضن الأب، الاستيقاظ من النوم فجأة والصراخ، والتأتأة، والعدوانية، وانسداد الشهية".

أما عن الاحصائيات فكشف قائلًا " لا يوجد احصائيات توثق حالات الخوف الشديد والأثر النفسي القاسي على الأطفال في غزة لاسيما أن للتربية والاهتمام دور كبير في التخفيف منها".

ودعا أبو هين العوائل إلى إبداء الرعاية والاهتمام البالغ بأطفالها ومحاولة التخفيف من أثار الحرب من خلال طمأنتهم ومساعدتهم على التفريغ النفسي.

جدير بالذكر أن هذه المادة الصحفية تأتي ضمن مشروع تعزيز الإعلام الموضوعي في غزة المنفذ من قبل مؤسسة بيت الصحافة والممول من مؤسسة "روزا لوكسمبورغ" الألمانية.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد