الكفارنة وعائلتها .. شتاء قارس وصيف حارق بين جدارن الكرفان

كرفان يغرق بمياه لاامطار

غزة / نورهان المدهون / سوا / " انتهت الحرب ورائحة الموت بيننا وفينا، أرواحنا لم تشفى بعد، وجروحنا نازفة لم تندمل ، أما بيوتنا؛ فقد أصبحت من ذكريات الماضي " هذا ماقالته الثلاثينية ميرفت الكفارنة وهي تدخل يديها في إناء بلاستيكي لتغرف من الماء البارد ، وتسكبه على رأس وجسد طفلتها ذات العشر سنوات في محاولة للتخفيف من حرارتها، ومن آلام تلك البثور التي انتشرت على أنحاء جسدها .


أجبرت الكفارنة وعائلتها المكونة من تسعة أفراد، على اتخاذ الكرفان ملجأ لها بعد أن كانت تمتلك بيتاً في شارع شبات بمنطقة بيت حانون إلى الشمال من قطاع غزة، بعد أن دمر الاحتلال بيتها خلال العدوان الأخير على قطاع غزة صيف 2014.


تصف ميرفت رحلة المعاناة في إيجاد الأوراق الثبوتية وإصدار التراخيص" استطعنا الحصول على أوراق الملكية والمخططات الهندسية والخرائط اللازمة لإعادة إعمار البيت ، وكلفنا ذلك الكثير من المال والوقت، على أمل أن يعاد بناءه "

يواجه النازحون في الكرفانات جملة من الإجراءات التي تسبق إعمار منازلهم أو إعادة بناءها، وتقع جميعها ضمن تحديات إعادة الإعمار المعقدة، حيث يجري اختيار الأشخاص وفقاً للأولوية.


"فى الحر حريق، وفى الشتا غريق" بهذه الكلمات عبرت ميرفت عن استيائها وعدم تأقلمها مع حياة الكرفان، فقد أصابها الملل والتعب والإعياء من الوقوف على أبواب الإنتظار ، أملاً في تسريع إعادة الإعمار .


تتابع بغصة، مبدية خشيتها من فصل الشتاء :" فى الشتاء لا تعرف جفوننا طعم النوم، فمياة الأمطار تغرقنا، والكرفان يصبح كالثلاجة، وصوت حبات المطر في الليل الموحش كالرصاص".

شاركت الدموع حديث الكفارنة وهي تردد: " تجرعنا المرار فلا بيت يأوينا ولاملابس تستر عوراتنا، وأصبحنا نعيش على الصدقات والمساعدات التي يرسلها أهل الخير وبعض المؤسسات".


تمد ميرفت أصابعها وتلتقط نظارتها الطبية المشروخة، لتمسحها بغطاء رأسها الموشح وتستأنف:" أشعر بأن التعاسة تلاحقنا أينما ذهبنا، فقد منحتنا وكالة غوث وتشغيل اللاجئين –الأنروا- بدل إيجار لنستقر في بيت يأوينا إلى أن يتم الإعمار، لكن! هذا الشعور لم يدم طويلاً فتأخر الجهات المانحة في دفع بدل الإيجارات ، ومطالبة أصحاب الإيجارات بمستحقاتهم، اضطرني للعودة إلى الكرفان  " .


وكانت قد اتفقت وزارة الأشغال العامة والإسكان مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) على دفع إيجار شهري للأسر المتضررة بشكل كلي خلال العدوان الإسرائيلى على غزة، وفقاً لمعايير تتعلق بعدد أفراد الأسرة.


ذكريات ميرفت في بيتها الذي نسفته صواريخ الاحتلال الإسرائيلي, لم تتعدى الشهرين رغم أنها  راقبت تجهيزه ما يقارب العام ونصف العام, بسبب دخل زوجها الذي لم يسمح بتسريع وتيرة البناء.


تتنهد بألم يجعل من يقابلها يشفق على حالها, وهي تردد بمرارة: "لم أهنأ في بيتي، فقد سبقتني الحرب ودمرته؛ لتخترق الصواريخ جدران قلبي قبل أن تنهال على جدار منزلي".


على مدار العام تتجدد معاناة الكفارنة وعائلتها داخل صندوق من الصفيح أشبه بالفرن،  فلم تعد تحملهم الأرضيات الخشبية المرتفعة عن سطح الأرض بحجارة تحوي تحتها حشرات وزواحف وقطط مشردة وكلاب ضالة.


تعلو نبرات ميرفت وهى تصف معاناتها من القوارض والحشرات التي تتكاثر كلما اقترب فصل الصيف واشتدت الحرارة " لا يغمض لى جفن فطيلة الليل أتحسس وجوه أطفالي لأطمئن عليهم، فكثيراً مايصحو أطفالى مفزوعين، وأصبح لدى هاجس بعد أن دخل صرصورًا في أذن طفلتي".


تشير الكفارنة  إلى مساحة لاتتجاوز المترين أمام الكرفان وقد زرعت فيها النباتات العطرية كالنعنع والريحان ، قائلة:"أحاول خلق أجواء تخفف من معاناتنا بزرع الأشتال ، ولكن الحياة هنا مستحيلة لاكهرباء ولا ماء منتظمة ".


تجلس على حافة الكرفان واضعة يدها على خدها؛ وتستأنف: " لا نستطيع النوم داخل الكرفان من شدة الحرارة ، ونقضى وقتنا خارجه، رغم الروائح الكريهة والبعوض الذي أكل أجسادنا ، والحشرات التي تتنقل بيننا".


بمرارة وألم تنظر الأم إلى أطفالها المتجمعين حولها بعد أن غيبت وحشية الكرفان ابتسامتها، ولسان حالها يقول: " متى سيجتمع شملنا الذي بعثرته حياة الكرفان، ونستعيد شيئاً من كرامتنا التي أهدرت ، وأمننا الذي تزعزع ".

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد