فشل المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني في منع تدفق المهاجرين اليهود الأجانب إلى فلسطين، الذين جاؤوا إليها هرباً من الاضطهاد الأوروبي عموماً والنازي والفاشي خاصة، أو جاؤوا إلى فلسطين مستوطنين مستعمرين لدوافع عقائدية أو سياسية أو استثمارية، وسواء جاؤوا من أجل هذا الهدف أو ذاك فقد عجزت الحركة السياسية الفلسطينية بكل مكوناتها وتوجهاتها من منع هؤلاء المهاجرين الأجانب من الإقامة والاستيطان والتوسع، وهكذا أخفق الشعب العربي الفلسطيني ومعه كل العرب وحركاتهم السياسية وأنظمتهم الرسمية في منع تنفيذ وعد بلفور البريطاني، لإقامة الوطن القومي لليهود على أرض فلسطين العربية، ولكن مقابل هذا الفشل، فشل أيضاً المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي في استعمار فلسطين دون شعبها، حيث نجح الإسرائيليون بدعم بريطاني وأوروبي وأميركي، في طرد نصف الشعب العربي الفلسطيني وتهجيره خارج وطنه الذي لا وطن له سواه، وباتت المعادلة الديمغرافية متقاربة بين الشعبين بعد سبعين سنة من استعمار فلسطين، والاستيلاء الإسرائيلي على قرار الهجرة والسماح للاستيطان المفتوح وتقديم الإغراءات للمهاجرين الأجانب في العمل والتملك والاستثمار على أرض فلسطين، رغم ذلك لم يتجاوز عدد اليهود الإسرائيليين كثيراً سبعة ملايين يهودي إسرائيلي يقابلهم حوالي ستة ملايين عربي فلسطيني على كامل أرض فلسطين التاريخية، على الرغم من كل ظروف القسوة والاضطهاد والتمييز ضد الفلسطينيين وجعل أرضهم طاردة لهم وطناً وأمناً واستقراراً.  
وطالما فشل الفلسطينيون في رمي الإسرائيليين إلى البحر، وفشل الإسرائيليون في رمي الفلسطينيين إلى الصحراء، لم يعد أمامهما، بعد سجال الصراع بين الشعبين والمشروعين، فشل كل طرف في إنهاء الآخر، ومحاولة شطب وجود أحدهما لصالح الآخر، وحصيلته صراع غير مثمر سوى مواصلة الموت والخراب، وعديم الجدوى في التحقق والإنجاز الأحادي على حساب استئصال الثاني الآخر، ولهذا بات عليهما البحث الجدي في اختيار أحد الخيارين الذي لا ثالث لهما ويقوم على معادلة تقاسم الأرض، أو تقاسم السلطة، بينهما. 
تقاسم الأرض بإقامة دولتين للشعبين على الأرض الواحدة لا غيرها، أو تقاسم السلطة بين الشعبين في إطار دولة ديمقراطية واحدة ثنائية القومية، عربية وعبرية، متعددة الديانات من اليهود والمسلمين والمسيحيين والدروز، تحتكم لإفرازات صناديق الاقتراع ونتائجها، وبدون التوصل إلى رؤية موحدة من قبل الطرفين المتصارعين، تضمن مصالحهما المتداخلة بالأمن والاستقرار والتعايش والشراكة، بعد فشلهما الأكيد في خيار العزلة عن بعضهم البعض، وفي مواصلة الصراع الدموي المعلن والمستتر، والمتقطع والمستمر، بعد أن ثبت ألا طائل منه وله. 
والمشروعان، الدولة الواحدة للشعبين والدولتان للشعبين، ليسا بجديدين ولم يتحقق أي منهما، بعد سنوات مديدة من النضال الفلسطيني، ليس لأن المشروعين غير واقعيين واستحالة تحقيقهما، في دولة واحدة أو عبر دولتين، بل لأن الطرفين فشلا في صياغة حركة سياسية متحالفة متداخلة في الأدوات وأشكال العمل، لتحقيق أحد الهدفين الدولة أو الدولتين. 
الصراع محتدم وقوي وحاد بين مشروعي الشعبين: بين المشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني، والمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي لأن أحدهما نقيض الآخر، ولكن يبقى السؤال بعد فشل كل منهما في إنهاء الآخر واستئصاله هل ثمة رؤية سياسية عابرة من أحدهما أو متبادلة من كليهما في اختراق قناعة الآخر ورغبته الأحادية؟؟ هل ثمة رؤية سياسية مشتركة لدى أحدهما تعكس الحفاظ على مصالح ورغبة الآخر، وأن يعيشا معاً وسوياً على الأرض الواحدة بخيار الدولتين، أو خيار الدولة الواحدة؟. 
إذن، العامل الأول المطلوب هو توفر رؤية سياسية من قبل أحدهما أو من كليهما تحفظ المصالح المتبادلة والرغبة المشتركة في إلغاء الخيار الأحادي المنفرد في أن يكون أحدهما قائماً وقوياً ومتنفذاً على حساب الآخر، ورغم تفوق المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي المدعوم أميركياً وأوروبياً ومن طوائف اليهود النافذة في العالم، ولكنه فشل بشكل واضح وصارخ من تحقيق كامل أهدافه الاستعمارية.  
أما العامل الثاني والأكثر أهمية وهو العمل التنظيمي الحزبي على الأرض وفي الميدان، ووسط الناس ومن رحمهما لولادة تنظيمات سياسية مشتركة، عابرة للشعبين وللقوميتين، وتحالفات مكملة في مواجهة العزلة والأحادية ورفض الآخر، وهناك تجارب في هذا المجال، سواء من قبل الأحزاب الصهيونية التي جندت البعض لصالحها ومنهم نواب في البرلمان يعملون وفق رؤى الأحزاب الصهيونية، وهناك تجربة الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والتنظيمان يقفان متحدين ضد المشروع الصهيوني وضد الاحتلال، ويعبران عن مصالح الطرفين بشكل واقعي يتوسل العدل والإنصاف، ولكن لا هذا ولا ذاك يمكن أن يوفر الفرصة الحقيقية لتحقيق التطلعات والأهداف الفلسطينية، لأن الوضع يحتاج إلى ما هو أكبر من ذلك وأفعال من قبل كل الفصائل الفلسطينية لتكون سياسة اختراق المجتمع الإسرائيلي، سياسة منهجية تنظيمية متفقا عليها تُعطي الأثر المطلوب وتنحت في صخر العنصرية الصهيونية الإسرائيلية لتبديدها، لتكون هناك حقاً استجابة للفعل الفلسطيني نحو إقامة الدولتين أو الدولة الواحدة.  
h.faraneh@yahoo.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد