إعادة الإعمار موت سريري .. لمن ينتظر
غزة / خلود لافي / سوا / الدمار ووعود الإعمار مازال الكثير ينتظر وباتت تلك الوعود زائفة وحبراً على ورق لدى المواطنين الذين ينتظرون وما أصعب الانتظار.
هناك العديد من الروايات والقصص المأساوية القاسية التي لن نستطع المشاركة سوى بواحدة منها والتي جميعهم يشكون الوعود الكاذبة بإعادة الإعمار او ابقاء الدمار على ما هو عليه .!
مكانٌ لا ملامح له ولا حياةٌ تنبض به، فلا شيء هنا سوى ركام من الذكريات، كانت تتأمله فتاة قمحية البشرة في مقتبل العمر، وتتجول بين اكوام الحجارة إلى أن جلست على مقربة من إحدى تلك الركامات.
اقتربت مستغربةً من وجودها، نظرت إليّ للحظات ثم أعادت نظرها للمكان، وبصوت أجهش قالت " هنا أنا إنسانة"، وأخذت تنبش بين الركام، وأخرجت دمى مقطعة وقصاصات من الورق وصور، وتساقطت قطرات دموعها لتوضح بأنها كبُرت وعاشت طفولتها مع أخوتها وجيرانها في هذا المكان، ومازالت قهقهات ضحكاتنا ترن في أذنيها.
أسماء (اسم مستعار بعد ان رفضت نشر اسمها ) تقطن في الكرفانات بعدما تم قصف بيتها والبيوت المجاورة في منطقة حجر الديك وسط قطاع غزة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة صيف 2014 ، ولم يكن ذلك المرة الأولى، فقد سبق وأن استهدف بيتها خلال العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2008م.
كانت تنظر الى الأرجاء وهي متَكئة على أطنان من الركام، تَحلُم ببيت جميل وكأنها تتساءل متى يبدأ الإعمار وينهي صورة الخراب هذه ، لتنتقل اليه وتترك خلفها رائحة الذكريات التي تعفنت تحت جثث الأطفال وفي قلبها فيض من الالم يغص على نضبها فتنهال الآهات مستنجدة بمن لا يخيب عنده النداء ، وتدعو الله بشدة أن تبدأ الجهات المسؤولة بإعادة إعمار منزلهم.
تقول أسماء ان طائرات الاحتلال دمرت منزلهم بلا سبب ودَمرت حوالي ٢٥٠ منزلاً مجاوراً .
وتسترجع اللحظات الأخيرة في البيت قبل مغادرته إلى إحدى مدارس الإيواء في المنطقة خلال العدوان، وتقول بشيء من الألم "كنا آمنين في بيتنا ولكننا أجبرنا على المغادرة وخلفنا وراءنا كل شيء"، وتصمت وبعد لحظات تضيف "كنا على أمل العودة إلى البيت ولكننا صدمنا".
"عدنا إلى البيت بعد انتهاء العدوان ولكننا لم نجده!" .. وقدمت جمعية الهلال الأحمر مساعدات عَينية "فرشات وحرامات ، وصرفت وكالة الأشغال والاسكان لنا مبلغ ٢٠٠٠$ ، وقُمنا بإنشاء بيت حديدي " شبيه الكرفان" دون مساعدة أحدً في تكاليف البناء ، ولدي اخ معاق لا يستطع التكيف والتعايش في ضَل هذه الظروف. تقول أسماء
المعيشة هنا داخل الكرڤان مملة، مضجرة، قاسية للغاية ، لا تصلح للعيش الأدمي ، دائماً أتذمر من هذا الوضع وأتساءل من المسؤول ؟
تتابع بأسى " فقدنا بيتنا وفقدنا انسانيتنا معه"، الكرفانات لا تصلح للعيش الآدمي.. بضجر تستمر بالحديث " نحن مقبلين على فصل الشتاء وليالي صفعات الهواء اللاسعة شديدة البرودة غير أن مياه الأمطار تتسرب إلى الداخل!" باستغراب من يقدر على العيش في مثل هذه الظروف!!.
كان لدينا مَنزل جميل مكون من طابقين أعدنا بناءه عام ٢٠١٣م بعد أن تم قصفهُ في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام ٢٠٠٨م ، وكنا نحظى بعيشة راضية ، نشعر بشيء من الراحة ، لم نفرح عليه كثيراً بل تعرض للقصف مرة أخرى عام ٢٠١٤م بعد عام من اكتمال بنائه.
تقول :" لدي أمل أن نعيد بنائه مرة أخرى ، ومثلما ما كان إن شاء الله ، ونأمل أن تسرع الجهات المعنية بالإسراع في عملية إعادة الإعمار".
تُحدّق أسماء بعينيها وتتساءل كيف من الممكن لإنسان إعتاد على المكوث في منزله أن يعيش هُنَا في هذه المساحة الحديدية الضيقة ؟ أتمنى أن أعود للبيت الذي كُنا فيه ، عندما أذهب للدراسة أشعر بالضيق ، لا أستطيع التركيز في هذا المكان ، نفسيتي أصبحت سيئة .
تضيف:" عندما اشتد علينا القصف نزحنا الي مدرسة " سويلم أبو هميسة " في مخيم البريج، التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين ، الاونروا ، ذهبت وقلت في نفسي لن اصطحب معي سوى كتبي الشعرية، وسنعود بعد أيام قليلة.
تتابع وعيناها ملتهبة كشرارة نار ! لم أكن أتوقع أن يُهدم بيتنا ونحنا آمنين عُزل ! .. لم اصدق ان المنزل قد هدم ، منطقة جحر الديك كان عبارة عن كومة رمل ، كأنه مكب للنفايات ! لم أعلم أين انا ؟ لم أعي ان هذه منطقتي ! لم اعرف شيئاً ولم اعرف معالم بيتي وشوارع حارتي !
تواصل بحسرة " تحول الحى إلى كومات من الحجارة وأخذ كلا منا يتبع حنينه لذكريات مكان طفولته ليعثر على بيته إن صح التعبير"، تبين بأن الدمار حل على المكان وكأنه أصابه زلزال.
تقول :" أحقاً كان هُنَا مَنزلنا الذي سُويَ بالأرض ! لا تعليق لدي في تلك اللحظة فقط انا مذهولة من شدة الدمار هذه.. تعرفت على منزلنا عندما رأيت صورة لأَمي وأبي وكتبي الجامعية فوق ركام منزل ربما كان هو منزلنا الذي اعتدُ أن أراه الأمن والأمان ومكان الاستقرار والراحة أهذه الحجارة المُفتتة منزلي ؟!
تضيف:" شَعرت في تلك اللحظة كأني إنسان حَيٌ وأن روحي قد سُلبت مني ، لم أستطع التعليق ، شريط الذكريات يمر بذاكرتي سريعاً ويَذكُرني بأحلام الطفولة و مواقف وضحكات مُسحت بغبار الدمار ، حتى والدي تأثر كثيراً بفقدان المنزل ، الذي اخد معه كم هائل من الذكريات الجميلة.
باستهجان تقول أسماء :"سلمنا خريطة إعادة الإعمار لمكتب وزير الأشغال مفيد الحساينة في وزارة الأشغال منذ شهر مارس ٢٠١٦ ولم نتلق رداً حتى اللحظة ، غير أن هناك من سلموا خرائط بعدنا وتم بناء منزلهم".
بأمل وإصرار تقول " سنعيد بناء بيتنا من جديد وأفضل مما كان عليه بالسابق"، معولةً بذلك على لجنة إعادة إعمار غزة".
وتضيف" مازلنا نحيا بأمل واقفين على هذه الأرض شامخين كصورة حنظلة صامداً، إلى أن تصبح وعود الإعمار حقيقة على أرض الواقع".