الباحثون عن الذهب في مناجم جبال الأنديز
لندن/سوا/ يتدفق كثير من الرجال إلى تلك الأرض القاحلة التي ينعدم فيها القانون، وأحيانا يصطحبون معهم جميع أفراد عائلاتهم، بحثا عن ثروة قد تغير حياتهم إلى الأفضل.
عالم الرجال
تقع بلدة "لارينكونادا" جنوبي جبال الإنديز في بيرو بالقرب من مناجم الذهب، وعلى ارتفاع يصل لأكثر من 5.000 متر عن سطح البحر، وبذلك تعد أعلى منطقة يسكنها البشر على كوكب الأرض.
وتجتذب تلك البلدة التي تعرف باسم "أرض الذكور" - بسبب قسوة ظروف العمل التي يواجهها الرجال هناك- العمال من جميع أرجاء منطقة الأنديز من السكان الذين يبحثون عن الثروة.
لكن عدد قليل من الناس يمكنه أن يتحمل البرد القارس، وظروف العيش الصعبة في ذلك المكان المرتفع للغاية، بالإضافة إلى صعوبة الظروف التي يصعب تحملها داخل أنفاق التعدين، وخاصة درجة الحرارة ونسبة الرطوبة.
البحث عن الثروات
خلال العقود القليلة الماضية، تدفق آلاف الرجال إلى تلك المنطقة الجبلية من جميع بلدات بيرو ممن أرادوا أن يجربوا حظهم. وبعضهم أقام هنا لمدة تصل إلى عشرين عاما.
ويُستخرج أكثر من 100 طن من المعادن من تلك المناجم سنويا، وقد أدى ارتفاع ثمن الذهب إلى مضاعفة عدد سكان تلك البلدة خلال الخمس سنوات الماضية، ليصل إجمالي عدد سكانها إلى 50 ألف نسمة.
حياة قاسية
هناك القليل جدا من وسائل الراحة المتوفرة في بلدة "لارينكونادا". والشوارع دائما ما يغطيها الطين جراء الأمطار وذوبان الثلوج، وليست هناك مياه شرب جارية، أو أنظمة صرف صحي، أو مراحيض عامة.
وحتى البحيرات القريبة التي يجلب العديد من السكان منها الماء أصبحت ملوثة، وخاصة ببقايا مادة الزئبق الذي يستخدم لفصل الذهب عن الحجارة.
في المرض والصحة
يخرج عمال المناجم كل يوم إلى عملهم عبر طريق ضيق يبلغ طوله واحد كيلو متر، والذي يربط البلدة بالمناجم في المناطق الجبلية القريبة.
وتتناثر القمامة على طول ذلك الطريق، حيث لا توجد خدمات عامة مثل جمع القمامة.
وبسبب سوء حالة الصحة والنظافة العامة، وسوء الظروف الجوية، تنتشر الإصابة بحالات التهاب الجهاز التنفسي الحادة، وكذلك حالات الإسهال الحادة.
العمل بالمجان
يعمل عمال المناجم وفقا لنظام عمل تقليدي يعرف باسم "كاتشوريو"، والذي يعملون من خلاله لمدة 30 يوما متواصلة وغير مدفوعة الأجر لصالح شركة التعدين، ثم يعملون بعدها ليوم واحد أو يومين بحثا عن الذهب لمصلحتهم الخاصة، وليس لصالح الشركة.
وغالبا ما يخرج عمال المناجم من ذلك اليوم أو اليومين بلا فائدة تذكر. وحتى مع مثل هذه المخاطر الكبيرة التي يواجهها العمال، إلا أنهم عارضوا بشدة جهودا حديثة لإصلاح نظام العمل ذلك، وتبني نظام آخر يعتمد على دفع رواتب شهرية لهم.
ذلك لأن نظام العمل التقليدي "كاتشوريو" يعرض لهم فرصة أكبر لكسب المال من وجهة نظرهم، وذلك إذا تمكنوا من استخرج قدر كاف من الذهب، بالإضافة إلى توافر الفرصة لتهريب الذهب من المناجم خلال أيام العمل العادية.
عالم يغيب عنه القانون
تتمتع بلدة لارينكونادا باقتصاد يعتمد على النقود السائلة، مع وجود فرص قليلة للإنفاق على أمور أخرى غير الحانات والنوادي الليلة التي تنتشر بكثرة في البلدة، مع انتشار الراقصات العاريات، وفتيات الليل.
وللأسف، ليس هناك تطبيق للقانون، ما يؤدي إلى انتشار حالات السُكر في الأماكن العامة، وحتى حالات الطعن بسبب الشجار من أجل النساء.
نساء المناجم
هناك أيضا مجتمع نسائي يعمل في فرز مخلفات الصخور غير المرغوبة، ومخلفات المناجم. وتبحث النساء عن أي قطع صغيرة جدا من الذهب ربما يكون عمال المناجم قد أغفلوها أو لم يلاحظوها.
البحث عن الفتات
وتعمل النساء في هذا المجتمع النسوي الصغير، الذي يبلغ عدد نسائه نحو 700 امرأة، وأغلبهن من الأمهات العازبات، والأرامل، وزوجات عمال المناجم، لنحو ثماني ساعات في اليوم في تكسير الصخور بحثا عن أي قطعة صغيرة من الذهب، وذلك وفقا لقوتهن.
ولا يسمح للنساء بدخول المناجم بسبب الاعتقاد السائد بأنهن يجلبن سوء الحظ.
كرة قدم في الصقيع
ولأن الحشائش لا تنمو في تلك البلدة المرتفعة جدا عن سطح البحر، يلعب عمال المناجم كرة القدم على ملعب يكسوه النجيل الصناعي.
كما أن الظروف البيئية قاسية جدا، ومن يأتون إلى هنا يواجهون أشكالا متنوعة مما يعرف بأعراض المناطق المرتفعة، مثل الشعور بالإرهاق، والصداع، والدوخة، والغثيان، والأرق.
ويقال إن مناجم البلدة تقتل العمال سريعا من خلال بعض الحواث، وحالات انغلاق بعض الكهوف عليهم، كما تقتلهم ببطء من خلال إصابتهم باعتلالات صحية مزمنة، بسبب سوء الأحوال المعيشية في البلدة.
لكن مع ذلك، لايزال الرجال يتوافدون إلى تلك البلدة، وأحيانا يحضرون معهم كل أفراد عائلاتهم بحثا عن الثروة التي سوف توفر لهم حياة أفضل.