أساطير وحقائق حول إمكانية "السفر بين النجوم"
لندن/سوا/ هل من الممكن بالفعل الوصول إلى كواكب خارج مجموعتنا الشمسية للإقامة على سطحها؟ وكيف سيتحقق ذلك؟
عرض لنا مؤلفو قصص الخيال العلمي وصانعو الأفلام تصورات لا حصر لها عن انتشار البشر في مختلف أرجاء الكون، (مثل فيلم "انترستيلر"، بين النجوم) إلى حد دفع البعض للاعتقاد بأننا سننجح لا محالة في السفر والعيش في الفضاء.
ولكن مع الأسف، لا تزال أمامنا عقبات فنية لا يستهان بها، مثل قوانين الفيزياء، كما نفهمها، وهذه العقبات علينا أن نتغلب عليها أولًا قبل أن نبدأ في استعمار عوالم جديدة خارج مجموعتنا الشمسية والمجرة التي تنتمي إليها.
ومع ذلك، لاحت في الأفق، في السنوات القليلة الماضية، مبادرات تطوعية أو ذات تمويل خاص، مثل تلك التي طرحتها مؤسسة "تو زيرو فاونديشن"، و"بروجيكت إيكاروس"، و"بريكثرو ستارشوت"، والتي تأمل جميعها في أن تقربنا بضع خطوات من استكشاف الكون.
ولعل اكتشاف كوكب في حجم كوكب الأرض يدور حول أقرب نجم من الأرض (وهو كوكب بروكسيما سنتوري) قد أحيا الآمال المتعلقة بإمكانية وجود حياة على كوكب آخر غير كوكبنا.
وسيُطرح موضوع المركبة الفضائية المعدة للسفر بين النجوم في المؤتمر الذي سينظمه موقع "بي بي سي فيوتشر" تحت عنوان "أفكار ستغير العالم" الذي سيعقد في مدينة سيدني في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني القادم.
فهل من الممكن بالفعل السفر إلى مجرات أخرى؟ وما نوع المركبات التي سنحتاجها للوصول إلى هناك؟
أين سنذهب؟
وبالأحرى، أي مكان لن نذهب إليه؟ إذ يتجاوز عدد النجوم في الكون ذرات الرمل على الأرض، وتشير التقديرات إلى أن مليارات ومليارات من هذه النجوم لها ما بين كوكب واحد إلى ثلاثة كواكب لكل واحد منها، وذلك في المنطقة التي تسمى "منطقة غولديلوكس"، التي يسمح الطقس فيها بوجود ماء سائل على سطحها، أي أنها كواكب ليست شديدة البرودة ولا شديدة الحرارة.
وبما أننا لازلنا نخطو أولى خطواتنا نحو استكشاف الكون، فإن المرشح الأفضل هو أقرب نظام نجمي لنظامنا الشمسي، وهو "ألفا سنتوري" الذي يتكون من ثلاثة نجوم، ويبعد 4.37 سنة ضوئية عن الأرض.
وقد اكتشف علماء الفلك في المرصد الأوروبي الجنوبي هذا العام، كوكبًا في حجم كوكب الأرض يدور حول نجم "بروكسيما سنتوري"، أو ما يعرف باسم النجم القزم الأحمر، وهو أحد نجوم النظام النجمي "ألفا سنتوري".
ويسمى الكوكب المكتشف "بروكسيما بي"، وتعادل كتلة هذا الكوكب 1.3 مرة على الأقل كتلة كوكب الأرض، ولكنه يدور في مدار قريب للغاية من نجم بروكسيما سنتوري، إذ لا تزيد الرحلة بينهما عن 11 يومًا أرضيًا.
إلا أن الأمر الذي أثار حماس ة علماء الفلك والباحثين عن كواكب خارج مجموعتنا الشمسية، هو أن درجة حرارة هذا الكوكب في المعدل المناسب الذي يصلح لوجود ماء سائل على سطحه، ما يدل على صلاحية الكوكب للسكنى.
إلا أن المشكلة أننا لا نعرف بعد ما إن كان يحتوي على غلاف جوي أم لا، وربما يكون الكوكب عرضة للإشعاعات والتوهجات الشمسية ذات الحرارة الهائلة، فبسبب قربه من بروكسيما سنتوري، فهو أقرب من مدار كوكب عطارد حول الشمس في نظامنا الشمسي.
كما أن هذا الكوكب مقيد المد والجزر، بمعنى أن النصف المواجه للنجم من الكوكب لا يتغير أبدًا، الأمر الذي قد يغير مفهومنا تمامًا عن الليل والنهار هناك.
كيف سنصل إلى هناك؟
هذا هو السؤال الذي ستكلفنا الإجابة عنه 64 تريليون دولار أمريكي. إذا ذهبنا في رحلة سريعة إلى كوكب بروكسيما بي، بالسرعات القصوى التي توفرها الوسائل التكنولوجية الحالية، سنصل بعد نحو 18 ألف سنة، وهذا يعني أن أحفادنا، الذين لم يخرجوا من كوكب الأرض، سيسبقونا إلى هناك، لينسب لهم الفضل في الاستكشاف.
إلا أن الكثير من أصحاب العقول النيّرة والأموال الوفيرة، قد بدأوا يوجهون جهودهم نحو سبل التوصل إلى وسيلة أسرع لقطع مسافات شاسعة في الفضاء.
وتركز مبادرة "بريكثرو ستارشوت"، التي خصص لها الروسيان صاحبا المليارات، يوري وجوليا ميلنر، 100 مليون دولار، على دفع مسبار صغير الحجم، بلا قائد، من خلال تسليط أشعة الليزر القوية التي تُطلق من كوكب الأرض على شراعه خفيف الوزن للغاية.
وتقوم تلك الفكرة على أنه كلما كانت السفينة الفضائية صغيرة، لا يتجاوز وزنها جرامًا واحدًا، والشراع خفيفًا، سيكون أثر ضوء الليزر كافيًا لتتسارع المركبة الفضائية الصغيرة تدريجيًا حتى تصل سرعتها إلى نحو خمسة أضعاف سرعة الضوء، لتستغرق الرحلة لبلوغ ألفا سنتوري نحو 20 عامًا.
ويعتمد كل من يوري وجوليا ميلنر على تقنيات تصنيع نماذج مصغرة والتي ستمكنهم من وضع كاميرا ومحرك صاروخي صغير ومورد للطاقة ومعدات اتصال وملاحة على متن هذه المركبة الصغيرة، حتى تنقل لهم السفينة معلومات عن الأشياء التي ستراها عندما تمرّ سريعًا بجانب كوكب بروكسيما بي.
ونأمل أن تنقل لنا أخبارًا مبشرة، لأن ذلك سيكون بمثابة اللبنة الأساسية التي ستمهّد للمرحلة القادمة الأكثر صعوبة للسفر بين النجوم، والتي تتمثل في نقل البشر.
هل من الممكن أن تسافر المركبة الفضائية بسرعة أسرع من سرعة الضوء؟
على الرغم من أن سلسلة "ستار تريك" التليفزيونية الشهيرة، جعلت "محرك الانحناء"، (وهو نظام دفع للمركبات الفضائية يمكنّها من السفر بسرعات أسرع من الضوء)، يبدو سهل المنال، فإن كل ما نعرفة في الوقت الحالي عن قوانين الفيزياء يدحض فكرة السفر بسرعات أسرع من الضوء، أو حتى بسرعات تماثل سرعة الضوء.
وهذا لا يعني أن العلم سيعلن انهزامه أمام الخيال العلمي. إذ يهدف "مشروع محرك زينون المتطور" (نيكست) التابع لوكالة ناسا، إلى أن يطور محركًا أيونيًا، مستلهمًا الفكرة من نظام دفع آخر ظل يداعب خيال مؤلفي قصص الخيال العلمي.
ومن المنتظر أن يساعد المحرك الأيوني في زيادة سرعة المركبة الفضائية لتصل إلى 90 ألف ميل في الساعة، ما يعادل 145 ألف كيلومتر في الساعة، باستخدام كميات ضئيلة من الوقود مقارنة بالصاروخ التقليدي.
ولكن حتى بهذه السرعات لن نستطيع أن نصل إلى مسافات بعيدة خارج مجموعتنا الشمسية في عمر جيل واحد من المسافرين عبر الفضاء. وسيظل السفر بين النجوم يسير بخطى بطيئة للغاية نحو المستقبل، ما لم نحاول أن نتوصل لطريقة لتغيير مسار الزمن، كي ينتقل الناس من حقبة زمنية إلى أخرى.
وربما يكون من الأجدى أن نعدّ زمن السفر هو الغاية وليس مجرد وسيلة لبلوغ الغاية. لكن كيف نظل على قيد الحياة حتى نكمل رحلة واحدة بين النجوم؟
قد تبدو أفكار "محركات الانحناء" والدفع الأيوني مغرية، ولكنها لن تعود بالكثير من النفع، ما دام المسافرون بين النجوم سيموتون جوعًا، أو عطشًا، أو اختناقًا، قبل الخروج من نظامنا الشمسي بفترة طويلة.
ترى راتشيل أرمسترونغ، الباحثة التي من المقرر أن تلقي كلمة في مؤتمر "أفكار ستغير العالم" في سيدني، أننا يجب أن نضع في الاعتبار النظام البيئي الذي سيعيش فيه البشر بين النجوم.
وتقول أرمسترونغ: "إن رؤيتنا البيئية للواقع ستحل محل رؤيتنا الصناعية للواقع".
وتقول أرمسترونغ، أستاذة الهندسة المعمارية التجريبية بجامعة نيوكاسل، بالمملكة المتحدة، متحدثة عن فكرة "العيش في عالم جديد": "إن المشكلة الرئيسية تكمن في استيطان الفضاء، وليس في كيفية تصميم مركبة تجذب أنظار العالم فحسب".
وترى آرمسترونغ أن المركبات الفضائية أو محطة الفضاء اليوم صناعية وخالية من كل المقومات البيئية، ولهذا تعتقد أننا يجب أن نفكر في المركبات الفضائية بطريقة بيئية. فينبغي أن نضع في الاعتبار النباتات التي سنزرعها وأنواع التربة التي يجب أن نأخذها على متن المركبات الفضائية.
وتتوقع أرمسترونغ، في المستقبل أن تكون المحطات الفضائية عبارة عن أقاليم حيوية ضخمة، تزخر بالحياة العضوية، لا تشبه تلك الصناديق المعدنية الباردة، كما هو الحال اليوم.
هل يمكن أن ندخل في سبات عميق طيلة الرحلة حتى نصل إلى هناك؟
من بين الحلول المطروحة لمواجهة إشكالية إبقاء رواد الفضاء على قيد الحياة طيلة زمن الرحلة، التي ربما تمتد لفترات أطول من عمر الإنسان، هناك اقتراح يتمثل في تجميد رائد الفضاء ليدخل في سبات عميق، أو دخوله في حالة من البيات الشتوي، أو شكل آخر من أشكال التوقف المؤقت للحياة، (وهو موضوع يبحث في تبعاته فيلم المسافران "باسنجرز"، الذي سيعرض قريبًا).
وقد تشهد تلك الأجساد والرؤوس المحفوظة بالتجميد التي تملأ ثلاجات مؤسسة "ألكور لحياة أطول"، على مدى تفاؤل البشر، الذين تعدهم المؤسسة بإمكانية التوصل يومًا ما إلى طريقة آمنة لتجميد أجسادهم بعد الموت، وإعادتهم للحياة عندما تتوفر الوسيلة التقنية المناسبة في المستقبل.
ولكن حتى الآن لم يتوصل أحد إلى هذه الوسيلة التقنية بعد.
وتكشف بعض الأفلام، مثل فيلم "انترستيلر" (بين النجوم)، والكتب مثل "سفن إيفز" لنيل ستيفنسون، عن اقتراح آخر، يتمثل في إرسال أجنة مجمدة في رحلات الفضاء تلك لتبقى على قيد الحياة رغم المصاعب التي ستواجهها، كونها لن تحتاج إلى طعام أو شراب أو حتى إلى التنفس.
ولكن هذا سيوقعنا في معضلة "البيضة والدجاجة"، فمن سيرعى هؤلاء الصغار عندما يصلوا إلى وجهتهم؟
وبالنظر إلى ما سبق، هل من الممكن أن نسافر حقًا بين النجوم؟
ربما هذا لن يحدث في حياة كل من بلغ السن المناسب ليقرأ هذا المقال، ولكن ثمة أسبابًا تدعونا للتفاؤل بإمكانية السفر عبر النجوم على المدى البعيد.
تقول أرمسترونغ: "منذ بداية وجود البشر على الأرض، كنا ننظر دومًا إلى النجوم، ونعلق بها آمالنا ومخاوفنا وهمومنا وأحلامنا".
ولكن مع بداية إنطلاق مشروعات تتناول الجوانب الهندسية للسفر إلى النجوم، مثل مبادرة "بريكثرو ستارشوت"، تقول آرمسترونغ: "لم يعد الأمر مجرد أحلام، بل دخل طور التجارب".