2014/09/01
255-TRIAL-
ربما انتهت معركة، لكن المعركة الاهم لم تبدأ، حيث تنتظرنا مهام جسام في طريق لن يكون سهلاً . إن بشاعة العدوان يجب أن لا تكون عائقاً امام القيام بهذه المهام بالكثير من الإحساس بالمسؤولية وبالتجرد من النظرات الحزبية الضيقة والمصالح الفئوية الخالصة. خمدت فوهات المدافع وتوقف القتال، صحيح أن الزنانة لم تتوقف، وصحيح ان التهدئة في انتظار ما تتمخض عنه المفاوضات التي ستجري في القاهرة لاحقاً، لكن ثمة برهة طويلة من الوقت تكفي للتفكير في المستقبل. إن الشعوب التي لا تعمل معاولها للحفر في المستقبل لا تعرف كيف تستفيد من فرص الحاضر. وعليه فإن المعركة الاهم التي يجب علينا أن نضطلع بها لم تبدأ بعد، وتقع علينا مسؤولية دفع العجلة إلى الامام.
ثمة مهام كبري تنتظرنا فيما نحن ننظر إلى هذا الركام الهائل الذي خلفته آلة الدمار. مهام تنبع من طبيعة المعركة التي تمت كما من جملة الاستحقاقات الوطنية الكبرى وكما من الملفات غير الناجزة التي تركت عالقة في العلاقات الوطنية.
اولى هذه المهام هي إعادة الأعمار. لقد خلف العدوان الكثير من الدمار والاضرار في المباني والبنية التحتية والمنشئات العامة والاقتصاد والصناعة، كلها بحاجة للكثير من الجهود حتى تعود الحياة إلى سابق عهدها. وعملية إعادة الإعمار لن تكون عملية سهلة لأنها ستقتضي جملة من الجهود منها توفير الامكانيات اللازمة سواء المادية او على صعيد المعدات اللازمة لرفع الركام الهائل. هذا يتطلب خططاً وطنية سليمة تعتمد على العدالة في توزيع عمليات الإعمار بما يكفل المساواة الاجتماعية على قاعدة الضرر. وحتى يكون هذا سليماً يجب أن تكون كل عمليات إعادة الإعمار تحت إشراف مؤسسات رسمية وليست حزبية أو ضمن محليات ضيقة حتى تتم عملية التكامل ولا تتفتت الجهود. إننا مطالبون بإنجاز ذلك بأسرع وقت ممكن وتقديم الخطط السليمة وإدارة العملية بشكل مهني لأن أعين المجتمع الدولي والمانحين لن تغمض وهي تراقبنا سيما مع اشتراطات إسرائيل الباطلة. وهذا يتطلب إدارة جيدة للملف وليس صراعاً حزبياً عليه.
ثاني هذه المهام، وهي ربما أولها في الاهمية، هي تعزيز الوحدة الوطنية. سمة الحروب أنها توحد الطاقات، وربما كان أقوى سلاح لدي الشعب الفلسطيني خلال فترة العدوان هو جبهته الداخلية التي عكست تماسكاً ووحدة منقطعتي النظير، كانت سبباً كبيراً في استبسال الشعب وفصائله في الدفاع عن الأرض والإنسان رغم بشاعة المعركة وقسوة العدو. إن الصورة المتكاملة التي خرجت عن شعبنا خلال العدوان يجب أن تكون حافزاً لنا من أجل تثبت هذا الفهم العميق للتضامن الداخلي وللوحدة والهدف المشترك. الوحدة الوطنية ليست شعاراً ولا خطبة ولا كلمة أو جملة تقال في المناسبات حين يلتقي قادة الاحزاب والفصائل، بل هي ممارسة عملية تكتشفها في كل شارع وحارة كما في كل مؤسسة كما في الخطاب الإعلامي الحزبي إلى جانب الخطاب الإعلامي الوطني. للأسف نجن لم نتعلم كثيراً من ذلك. فثمة ممارسات لم تكن سليمة طوال الفترة الماضية بعد توقيع اتفاق المصالحة وتشكيل حكومة الوفاق وخلال الحرب اشتملت على تصرفات حزبية ضيقة وقمع للآخرين أظن انه يمكن تجاوزها إذا اعتبرناها ارتجالات فردية وقمنا بالإقرار بخطاها وربما محاسبة من تصرف من رأسه. لأنه لا يمكن ان تتدمر وحدة شعب وتعود عجلة المصالحة التاريخية إلى الوراء بسبب تصرفات واهواء شخصية. مرة اخرى ما يجب أن يحذونا في ذلك هو الوحدة الكبيرة التي جسدها شعبنا خلال أيام العدوان الواحدة والخمسين كما المصلحة الوطنية العليا.
ثالث هذه المهام هي بناء مجتمع سليم ومعافي. المجتمعات السليمة اساس الدول السليمة والمجتمعات التي تعاني من فرقة وتمزق واختلال التوجهات حد التعارض لن تنجح في إقامة دولتها بل ستظل تصارع نفسها. إن وضع خطط وطنية لمعالجة الآثار النفسية والمجتمعية للعدوان ولتعزيز القيم الإيجابية ومحاربة الظواهر السلبية يجب أن تكون في صلب الاهتمامات الوطنية في المرحلة المقبلة. يعاني مجتمعنا خلال فترة الإنقسام من التفسخ والشقاق الداخلي وتهتك نسيجه بسبب حالة الاحتراب المقبت، كما أن بعض القضايا المجتمعية الاخرى بحاجة لمعالجات وتصويبات فيما يتعلق بعلاقة المواطن بمؤسسات السلطة والدولة وتجنيب المواطنين هيمنة سلاح الفصائل الذي يجب أن يكون فقط لقتال العدو وتعطي اليد العليا للدولة ولقضائها ومؤسساتها. يمكن لنقاش مجتمعي مفتوح وغير متكلف ولا ملفوف بالتوريات والبلاغة ان يكشف لنا عن عميق الأزمة المجتمعية التي يمكن لها أن نواجهها إذا لم يتم ذلك.
رابع هذه المهام هو تعزيز الحريات والحياة الديمقراطية في المجتمع وفي العلاقات السياسية. إن مجتمعاً لا يمارس الحرية بين أفراده لا يمكن له أن ينتزعها من الاحتلال. وأظن ان النقاش السابق حول المهمتين الثانية والثالثة أضاء الكثير مما يمكن قوله في هذه النقطة. أساس الحياة السياسية هو حريات الأفراد وفي اللحظة التي تنتهك حرية الفرد في التعبير وفي ممارسة حقوقه السياسي تنتفي صفة السياسة عن الممارسة المجتمعية وتتحول إلى قوالب من علاقات الغاب. نحن بحاجة لاعادة الاعتبار للكثير من القيم والممارسات الايجابية. وربما أول نبضات الدم في هذا الموضوع هو الديمقراطية السياسية التي تهدد في حالة عدم ممارستها بتهتك الوحدة الوطنية حيث لا يستأثر حزب دون غيره على تقرير مصير الناس. واظن الخلاف الذي نسمعه الآن بين فتح و حماس يدور حول هذه النقطة.
ويجوز ان نضيف على كل السابق وجهة نظر صغيرة تقول إن اتفاق المصالحة لم يعد صالحاً حتى يحمي كل هذا. نحن بحاجة لاتفاق مصالحة يحل كل الأزمات العالقة ولا يترك شيئاً للتفسيرات والممارسات.
على صفحات "الأيام" وبعد أسبوعين من تشكيل حكومة الوفاق قلت إن ثمة حكومة اخرى تدير الحياة في غزة ،وهي نقطة صارت موضع نقاش الآن، وقلت" الحكومة لا تحكم ووزير الداخلية لا علاقة له بالأمن ووزراء الضفة لا يعرفون شيئاً عن وزارتهم في غزة "ووووو والكثير من الأشياء. إذا نحن ومن اجل انجاح عملية الاعمار وديمقراطيتها وعدالتها ومن اجل تعميق الوحدة الوطنية وبناء المجتمع السليم والمعافي ومن اجل التضحيات الكبيرة التي دفعناها حتى نقول إننا نستحق هذا الأرض العظيمة بحاجة لاتفاق مصالحة على بياض وواضح وينهي كل شيء ويخلق منا مجتمعاً موحداً متماسكاً صلباً قادر في كل مرة على مواجهة التحديات. اتفاق مرة واحدة وللابد. 251
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية