يقال ان الرئيس السابق حافظ الأسد هو صاحب "نظرية" حافة الهاوية، ويقال ايضا انه كان يمارس هذا النوع من "المغامرة" لكونه على معرفة ودراية بلحظة الهاوية وهو ما مكنه دائما من اللعب في منطقة الحافة.
سياسة حافة الهاوية معروفة في التاريخ السياسي وفي الخبرة الانسانية لادارة الصراعات، وهي معروفة اكثر عن بعض القادة السياسيين والعسكريين في اللحظات الحاسمة والمفاصل المصيرية.
حالة (حافة الهاوية) القائمة في الواقع السوري والعراقي تحولت الى لغز في ظل التداخل شديد التعقيد ما بين العوامل المحلية للصراع في هذين البلدين وما بين العوامل الاقليمية والدولية من جهة، وفي ظل ارتباط الصراع في كل بلد منهما بتطورات الواقع في البلد الآخر.
وصل الصراع في كل من سورية والعراق الى النقطة التي بات الحسم فيهما على الأبواب.
اصبح العراق بعد حشر "داعش" في الموصل وبقايا جيوب في الرمادي وتواجد متحرك في بعض المناطق الحدودية، وبعد ان تفاهمت حكومة العبادي مع البرزاني على شكل "ما" في الحفاظ على كيان الدولة العراقية على ابواب مرحلة جديدة تتسم بالفرصة التاريخية لتفادي التقسيم والخروج من شبح الحرب الاهلية الشاملة.
سورية بالمقابل وبعد ان اصبحت المبادرة العسكرية في يد جيشها النظامي بفعل الدعم الجوي غير المسبوق من الطيران الروسي هي الاخرى بدت قبل انهيار المحادثات الروسية الأميركية وقبل التدخل التركي الاخيرـ وكأنها على اعتاب اعادة فرض الحل السياسي بالمفهوم الروسي لهذا الحل ـ وكأبعد ما يكون عن المفهوم الأميركي له.
وجدت الولايات المتحدة نفسها في ضوء ما آلت اليه الامور في كلا البلدين ان المخرج الوحيد الذي بقي امامها هو الهروب الى الامام وإعادة خلط الاوراق بهدف "منع" تحول اتجاه الأحداث من الوصول الى حالة "اللاعودة".
أي ان الولايات المتحدة ارادت من خلال الانسحاب من المفاوضات مع روسيا ومن خلال تشجيع التدخل في كل من العراق وسورية "اجبار" روسيا على العودة عن معركة حلب قبل "انهيار" جبهة النصرة شرق المدينة، وحيث ان هذا الانهيار سيعني تحجيم كل دور حقيقي لما يسمى بالمعارضة المعتدلة، وبالتالي خسارة الولايات المتحدة وتركيا (ومن خلفهما قطر والسعودية) اهم الاوراق التي تملكانها في معادلة الصراع.
صحيح انه يمكن ملاحظة هوامش من الاختلاف ما بين المصالح المباشرة لتركيا والمصالح الشاملة للولايات المتحدة، وصحيح ان المسألة الكردية لم تحسم بعد، الا ان تركيا تحولت موضوعيا الى الأداة الرئيسية اليوم لفرض الرؤيا الأميركية او عدم تمكين روسيا من فرض رؤيتها وارادتها في هذين البلدين.
حافة الهاوية هي السياسة الأميركية القائمة اليوم في كل من سورية والعراق، وحافة الهاوية هي السياسة الروسية القائمة اليوم في سورية والعراق، وتركيا هي اداة ممارسة هذا الدور من الجانب الأميركي، وايران هي اداة ممارسة هذا الدور من الجانب الروسي، ولهذا فان حافة الهاوية اليوم سيعتمد بقاؤها في منطقة الحافة وعدم انزلاقها الى هاوية. المواجهة الشاملة على درجة استعداد كل من تركيا وايران على حسن او سوء إدارة المناورة في منطقة "الحافة" وهو الامر الذي سيحدد درجة التفاهم او درجة الصدام.
لا تملك الادارة الاميركية وسائل تدخل فعالة اكثر من التدخل التركي، في حين تمتلك روسيا وسائل فعالة للغاية في معركة حلب وربما ان حسم هذه المعركة بات وشيكا للغاية.
دعم المعارضة وتزويدها بالصواريخ المضادة للطائرات لن يغير في مسار المعارك، في حين ان تكثيف الضربات الجوية على شرق حلب سيؤدي الى تدمير البنية العسكرية لهذه المعارضة بغض النظر عن الاهوال المتوقعة جراء الحسم على هذه الجبهة.
محاولات تركيا "لفرض" نفسها ودورها في معركة الموصل سيعني بالنسبة للدولة العراقية التحضير للتقسيم، واستثمار الدور التركي في سورية سيعني بالنسبة للنظام السوري فصل جزء من الشمال السوري وهو من حيث الجوهر التحضير للتقسيم أيضا.
اذن نحن اليوم نعيش لحظة حافة الهاوية بامتياز، ونحن في الواقع امام تطورات خطيرة قد تفضي الى انزلاقات في غاية الخطورة وقد تتطور الأمور الى الانزلاق الكبير.
يحدث كل هذا لأن سورية وإيران وروسيا أفقدت الولايات المتحدة القدرة على البقاء في المنطقة الوسطى ما بين الحل السياسي والحلول العسكرية، ولأن ازاحة الولايات المتحدة من هذه المنطقة بالذات يعني في الواقع العملي فوز روسيا وانتصارها على الولايات المتحدة وإرغامها على التسليم بالهزيمة مع الابقاء على بعض ماء الوجه وليس اكثر.
اين إسرائيل من كل هذا؟ وهل يمكن ان تصل الأمور الى استخدام الورقة الإسرائيلية لتعديل التوازن؟؟
وهل سيكون بمقدور إسرائيل ان تمارس هذا الدور دون ان تعرض نفسها لأخطار كبيرة؟؟؟
وهل ستقبل تركيا الدور الاسرائيلي الى جانبها؟ وهل ستقبل ايران وحزب الله الدخول الإسرائيلي على هذا الخط دون ان تحوله الى معركة شاملة مع إسرائيل في الشمال؟؟؟
لا يملك احد إجابات واضحة على هذه الأسئلة، كما لا يملك احد تصور المشهد فيما لو وصلت الأمور الى هذا الحد وهذه الدرجة، لكن المؤكد ان حافة الهاوية في هذا الإقليم يمكن ان تصل الى ذلك والى ما هو ابعد من ذلك اذا ما تم الانزلاق الى منطقة الهاوية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية