1-TRIAL- هل بدأنا رحلة التيه من جديد؟ وكيف تمكن هذا الإسرائيلي من إعادتنا خمسة قرون للوراء ليعود معه النقاش والتفاوض على معابر وميناء ومطار؟ قال أحدهم ساخراً، أتدري أن قصتنا مع إسرائيل كالذي يطلب منه أن يعد حتى المائة وعندما يصل للتسعة والتسعين يطلب منه أن يبدأ العد من جديد وها نحن نعود فلماذا؟ هناك احتمالان:
الأول: أن هناك خللاً كبيراً في إدارة المشروع برمته وأن قيادات الفصائل لم يستوقفها كل هذا التاريخ الطويل والمرير مع الإسرائيلي وأن التفاصيل استهلكتها إلى درجة عدم قدرتها على رؤية المشهد العام، والاحتمال الثاني أن الإسرائيلي على درجة من الدهاء إلى الدرجة التي تعيدنا إلى مربع الصفر وكلما تقدمنا نبدأ العدد من جديد.
وأغلب الظن أن الاثنين معاً ويبدو أن قدرنا في قطاع غزة أن ندفع ثمن ذلك نجوع ونحاصر ونخوض معارك الدم والدموع دون أن نعرف إلى أين وصلنا ودون أن نعرف إلى أين سينتهي بنا الأمر مع نذر خلافات بدأت تطل من جديد لحظة أن وضعت الحرب أوزارها.
كيف يمكن أن نفهم هذا التناقض الصارخ في خطاب النظام السياسي فالرئيس عباس يتحدث عن آخر الحروب على غزة وكيف يجنبها حربا جديدة، بينما الخطاب الصادر من غزة يطلب الاستعداد للحرب القادمة، ما الذي يحدث وكيف يمكن تركيب المعادلة وما هو مستقبل غزة وإعمارها، إذن لا زال لدينا مشروعان متناقضان وكل واحد لا يلتقي بنقيضه.
ليس هذا هو الأسوأ بل أن ما فعلته إسرائيل هذا العام هو الأخطر على القضية الفلسطينية وكأنها تريد أن تسدل الستار على أدوات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته حتى على تضاربهما.
فالضغط العسكري المجنون الذي مارسته آلة القتل في الأيام الأخيرة للعدوان وقبيل قبولها للتهدئة وتدمير الأبراج السكنية الضخمة كأنه أراد أن يوصل رسالة للفلسطينيين مفادها أن العمل العسكري ضد إسرائيل بلا جدوى وأن تكلفته عالية جدا وبالنهاية لا يحقق إنجازات وهكذا انتهت المعركة أو قدر لها أن تنتهي بسبب مجازر اللحظات الأخيرة بتهدئة مقابل تهدئة.
أما قبل أربعة أشهر فقد كانت نهاية المفاوضات ليست أفضل حالا فقد مارس الإسرائيلي قدرا من الصلف والغرور ضد القيادة الفلسطينية والوفد المفاوض مسدلا الستار على رحلة مفاوضات طويلة وكأنه أراد أن يقول للفلسطينيين لن تحصلوا بالمفاوضات على أي شيء.
إذن في هذا العام إسرائيل أرسلت كل رسائلها لمن يهمه الأمر من الفلسطينيين أي لكل فلسطيني، مضمونها لن تأخذوا أي من حقوقكم لا بالمفاوضات ولا بالمقاومة ولا جدوى من برامجكم ومشاريعكم، وبات واضحا أن أزمة المشروع الفلسطيني أكثر اختناقاً من ترف الفصائل وخياراتها فالمشهد قاتماً حين نلقي نظرتنا بدقة فنرى أن غزة تنزف دماً والضفة تنزف أرضاً ولا سبيل لوقف النزيف ولا أياً من الخيارين قادر على وقفه.
لقد جرب مشروع المفاوضات نفسه لعقدين وبرغم ما أنتجه من علاقات دولية إلا أنه لم يتقدم نحو الدولة وأن مراهنته على العالم بدت أقل من أن ترغم إسرائيل على قبول حل الدولتين وعدنا بعد عقدين بخفي حنين ،وها هو مشروع العمل المسلح يجرب نفسه مستعيدا تجربة ياسر عرفات في بيروت حين خاض معركته الشرسة والتي كلفت إسرائيل مقتل 650 من جنودها إلا أنه لم يتقدم نحو الحدود ومعركة 2014 تشبه تلك المعركة وقد كان السلاح في غزة يجهز نفسه للتقدم نحو الحدود وبرغم ما أنجزه هذه المرة من فعل مدهش وبطولة نادرة حين وضع كل مدن إسرائيل تحت مرمى النيران وكسر أقدام نخبة الجيش إلا أن النهاية تشبه نهاية معركة بيروت والتي غير عرفات بعدها وجهته نحو السياسة وكأنه أدرك أن لا جدوى من العمل المسلح أو كأن إسرائيل أفقدته في تلك المعركة جدوى السلاح.
إذن نحن في مأزق أبعد كثيراً من النوايا الطيبة لمشروع المفاوضات وأبعد كثيرا من طهرانية المقاومة واستعدادها للتضحية ونزف الدم نحن أمام دولة تستنفر كل أدمغتها في مواجهتنا لنفقد جدوى مواجهتها، ودائما تضعنا أمام ثنائية خاسرة لتشل قدرتنا على العمل وعلى التقدم ونحن كأننا نمارس السياسة بلا احتراف وبلا دهاء تتطلبه الحاجة في مواجهة عدو مدجج ليس فقط بالأسلحة بل بمراكز الفكر والدراسات والتكنولوجيا وبمؤسسة موحدة ومتكاملة وبرامج استراتيجية يجري تنفيذها بغض النظر عن تغيير الأحزاب والحكومات في حين أننا مشتتون وببرامج متعارضة حد العظم.
في النصف الثاني للتسعينيات كنت قد تعرفت على الصديق الكاتب الكبير فيصل حوراني وهو أحد العقول السياسية النادرة التي كان يستشيرها الزعيم السابق ياسر عرفات، كانت السلطة في بداياتها وقد بدأ يتضح أن المفاوضات لا تذهب لسياقاتها المرسومة لها، سألته حينها عن مستقبل الحالة الفلسطينية قال: "إن إسرائيل جعلتنا في وضع يصعب علينا التحرك لن تستطيع التقدم ولن تستطيع التراجع ولن نستطيع الاستمرار بالتوقف سألته فما العمل إذن؟ قال أخشى ألا نجد من خيار سوى القفز للمجهول.
لا نستطيع أن نفاوض ولا نستطيع أن نتوقف ولا نستطيع أن نحارب ولا نستطيع التوقف فكل الخيارات الفلسطينية كأنها كما قال ذلك الكاتب يوما والذي يحدث أننا مختلفون حتى اللحظة على الحرب والسلام ولم نتفق بعد على أي منهما ولكنا أخيراً اتفقنا على وفد موحد يعيد التفاوض على ما كان قيد التفاوض قبل خمسة قرون، ألا يدعو ذلك لإعادة تفكير أو للتأمل للبحث عن خياراتنا من جديد أو لمحاولة شق طريق ثالث.
ممنوع أن نيأس وممنوع أن نقف في خيارات يحددها الإسرائيلي وممنوع أن نسلم بما يريده المحتل، وممنوع أيضا أن نظل نجرب خياراتنا دون أن نعرف إلى أين سنصل، فإذا كان الوقت بالنسبة للعالم من ذهب فهو بالنسبة للفلسطيني من دم وأرض علينا أن نرسم خياراتنا التي نعرف أنها قادرة على إنهاء الاحتلال ببرنامج محدد وموحد وليس ببرامج متضاربة وإلى حين الاتفاق على ذلك الحلم المداس تحت أقدام صراع البرامج والصراع على السلطة فكروا قليلا كيف يمكن أن تعطى غزة قليلا من الحياة .. قليلا من الحرية..قليلاً من الهدوء والحركة وما دمتم عاجزين عن تحرير الوطن ضمدوا جرحها النازف، لقد فقدت كثيراً من الدم وهي لا تحتمل كل هذا العبث، أعطوها فترة تهدئة ..!.
Atallah.akram@hotmail.com 33

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد