مجلة امريكية: ما الذي يجري داخل حركة فتح في نابلس؟

حركة فتح

واشنطن / سوا / في الساعات الأولى من صباح 23 أغسطس، اعتقلت  السلطة الفلسطينية أحمد حلاوة. وأثناء احتجازه، تعرض حلاوة ، البالغ من العمر 50 عاما للضرب حتى الموت.

وأثار الحادث ضجة في شمال مدينة نابلس بالضفة الغربية، مسقط رأسه. فخرج الآلاف إلى الشوارع في جنازته، مرددين هتافات ضد السلطة الفلسطينية، وأطلقت عليهم قوات الأمن الغاز المسيل للدموع . وطبقا لرواية الحكومة، كان حلاوة مجرما مسئولا عن سلسلة من الجرائم، بما في ذلك أنه كان وراء إطلاق النار على أربعة ضباط في الأشهر الأخيرة. أما بالنسبة للآلاف الذين كانوا يبكونه، فهو رجل مسالم، كان يتوسط، بهدف جمع الأسلحة في محاولة لتجنب حرب أهلية.

 

وينقل نيري زيلبر في مقال نشرته مجلة فورين أفيرز عن أحد المصادر قوله "إذا سألت عشرة أشخاص عن تلك الواقعة ستحصل على عشرة إجابات مختلفة". وهو يؤكد حقيقتين عن حلاوة: حتى يوم وفاته، كان ضابطا لفترة طويلة في نفس أجهزة أمن السلطة الفلسطينية المسئولة عن وفاته، وكان عضوا بارزا في كتائب شهداء الأقصى، الجناح العسكري لحركة فتح التي تسيطر على السلطة الفلسطينية. وبالتالي، يبقى السؤال الرئيسي لماذا شعرت فتح بضرورة ملاحقة أحد أبنائها البارزين.

 

وللحصول على إجابات، يذكرنا الكاتب ببعض المعلومات: حيث تعرف نابلس بلقب "جبل النار". وكان الجيش الإسرائيلي يسميها "عاصمة الإرهاب" في الضفة الغربية، بسبب الحجم الهائل من الهجمات التي انطلقت من المدينة خلال الانتفاضة الثانية (2000-2005). ويكاد يكون من المؤكد أن حلاوة، باعتباره قائد كتائب شهداء الاقصى، شارك في هذه العمليات؛ التي جعلت منه أحد المطلوبين في إسرائيل، على الأقل حتى أصدرت عفوا عاما عن مقاتلي فتح في نهاية الانتفاضة. وتم حل كتائب شهداء الاقصى اسميا، مع إدراج العديد من المقاتلين بعد ذلك في قوات أمن السلطة الفلسطينية، وغيرها من المؤسسات الرسمية الفلسطينية.
 

غير أن سلاح المجموعة لم ينزع بالكامل، وأقامت جيوبا لها في مخيمات مختلفة للاجئين في الضفة الغربية، بما في ذلك في مخيم بلاطة في ضواحي نابلس، وفي مدينة نابلس القديمة، حيث كان حلاوة يعتبر الرجل القوي المقيم هناك.

وظلت قوات الأمن الفلسطينية لسنوات، تنظر إلى هذه المناطق باعتبارها خارج الإقليم، بسبب إمكاناتها العسكرية المتواضعة. ويقول مسئول أمريكي عمل في القدس سابقا، إن البعض داخل السلطة الفلسطينية يعتبر مقاتلي فتح السابقين "احتياطيا إستراتيجيا" لأي صراع مستقبلي مع إسرائيل.
 

وأفادت  تقارير صحفية، أن الاشتباكات بدأت منذ أوائل 2015، في مدينة نابلس. ويواجه الحزم الأمني المتزايد، مقاومة خلال عمليات اعتقال المطلوبين، لا سيما داخل مخيم بلاطة. وعلى الرغم من الرصاص المتبادل بين الطرفين، كانت الخسائر الفعلية نادرة. وفي كثير من الأحيان، تم حل هذه الخلافات عند طريق الوساطة، وهو ما يشير إلى انها كانت خلافات داخل صفوف فتح. غير أن شيئا ما تغير في الصيف الماضي.
 

ففي أواخر يونيو، فتح مسلحون النار خارج منزل أحد ضباط أمن السلطة الفلسطينية في نابلس مما أدى إلى إصابة زوجته وابنته وقتل ضابطين آخرين تبادلا النيران مع المهاجمين. وتقول الشائعات أن هذا الحادث كان من تداعيات نزاع محلي بين العائلات بشأن كشك في سوق البلدة القديمة.

وردت القوات على ما اعتبرته مصدر إطلاق النار، بمداهمة الأزقة المكتظة بالسكان في أغسطس، حيث تعرضت لكمين وخسرت ضابطين أخرين. وفي الليلة التالية، قتلت غارة أخرى اثنين من المطلوبين، من بينهم ابن شقيق حلاوة. واسفرت عملية المتابعة بعد أيام عن القبض على حلاوة نفسه، الذي اقتيد إلى الحجز على قيد الحياة وقتل في وقت لاحق.
 

وسرعان ما انتشرت صور جثمان حلاوة وعليه أثار الضرب المبرح على وسائل الاعلام الاجتماعي، مما أثار غضبا شعبيا عارما. وردت السلطة الفلسطينية بالإعلان عن تشكيل لجنة حكومية للتحقيق في الحادث. وقال حافظ أكرم الرجوب، محافظ نابلس، أن حلاوة كان مجرما لكنه اعترف لصحيفة نيويورك تايمز أن  قتله كان خطأ بالطبع "بالطبع.

وبعد مقتل حلاوة بوقت قصير قال تيسير نصر الله، وهو قائد محلي في مخيم بلاطة : "قد يكون لدينا عصابات، لكننا لا نقبل أن تتصرف السلطة الفلسطينية بطريقة تشبه العصابات." ويؤيد نصر الله، وكذلك العديد من الآخرين في نابلس، دعوة محمود عباس ، رئيس السلطة الفلسطينية " الاستقرار الأمني"، بالمفهوم الفلسطيني " سلطة واحدة وسلاح واحد "- ولكن أيضا مع العدالة والإجراءات القانونية الواجبة.

 

ويتمتع مقاتلو كتائب شهداء الاقصى السابقين، بتسليح يفوق ـ في كثير من الحالات ـ قوات الأمن الفلسطينية الرسمية، وفقا لما يقول زيلبر. وتعتقد الحكومة أنهم متورطون أيضا في تهريب الأسلحة وتهريب المخدرات والابتزاز، وغيرها من الأنشطة الإجرامية. وأكد الرجوب ـ الذي شغل ايضا منصب رئيس المخابرات السابق في السلطة الفلسطينيةـ تصميمه على فرض القانون والنظام وتخليص الشوارع من الأسلحة غير المشروعة.
 

ولا شك أن الضفة الغربية زاخرة بالأسلحة، وكثير منها مصنوع محليا. و استخدم بعضها في هجمات ضد الإسرائيليين، مما أدى إلى تجريد الجيش الإسرائيلي حملة كبيرة في الأشهر الأخيرة، للقضاء على ورش عمل يتم فيها إنتاج هذه الأسلحة. غير أن الفلسطينيين يحتفظون بالكثير من الأسلحة لأسباب شخصية: احتفالات الزفاف، أو الولادة، والتخرج، أو الحماية في حالة نشوب نزاع عائلي أو لمواجهة الإجرام بشكل عام. ولم يعد المسلحون التابعون لفتح، يوجهون أسلحتهم ضد إسرائيل، على الرغم من زيادة الاضطرابات في العام الماضي في القدس والضفة الغربية.
 

وعلى الرغم من أن الرجوب أشار إلى أن الوفاء "بالالتزامات الإقليمية" ـ كناية عن التنسيق الأمني ​​بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل ـ كان أحد أسباب إطلاق عملية أغسطس الأمنية، لا يبدو أن يكون ذلك السبب الرئيسي وراء تجدد التركيز على الأسلحة غير المشروعة أو قتل حلاوة. بل أن استهداف ضباط الأمن الفلسطينيين وقتلهم في الشوارع، كما قال الرجوب، مثل تحديا لـ"قوة وصورة السلطة في أعين الناس." ومن ثم كان على السلطة الفلسطينية أن ترد على التحدي.

 

وكانت السلطة الفلسطينية تغض البصر وتمارس ضبط النفس بشأن الأسلحة التي بحوزة مقاتلين تابعين لفتح. غير أن الرجوب ومصادر أخرى في نابلس، عند المقارنة بين الجماعات المسلحة في نابلس، وبين حماس ، اعداء السلطة الفلسطينية وحركة فتح، اعترف فعليا أن جزءا من السبب في رد الفعل القوي ضد حلاوة ربما كان سياسيا.

ويوضح الرجوب أنه في حالة حماس "كانت هذه الأسلحة سياسية، وكانت تستخدم بشراسة ضد فتح" وعندما طردت حماس السلطة الفلسطينية من قطاع غزة ، في 2007. شنت السلطة الفلسطينية، بمساعدة الإسرائيليين، حملة كبيرة ضد حماس في الضفة الغربية، استمرت سنة على الأقل، وكانت النتائج إيجابية من وجهة نظر السلطة الفلسطينية. غير أن تهديدا سياسيا إضافيا بدأ يلوح في الأفق على ما يبدو ، ينبثق هذه المرة من داخل حركة فتح.
 

ويقول نصر الله في مخيم بلاطة أن" السلطة الفلسطينية تخشى الوحش المسمى دحلان. والمعروف أن محمد دحلان مسئول كبير سابق في السلطة الفلسطينية وقائد قوات الامن في غزة، يعيش منذ سنوات في المنفى في دولة الإمارات العربية المتحدة بعد خلافه العلني مع عباس.

ومع ذلك، يواصل دحلان التخطيط لعودته بالاستعانة بالمال العربي الخليجي والصلات الدولية رفيعة المستوى؛ بالأمريكيين والإسرائيليين. في الأشهر الأخيرة، ذكرت عدة تقارير أن "الرباعية العربية" (مصر، الأردن، المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة) قد تضغط على عباس للمصالحة مع دحلان. وقد رفض عباس حتى الآن، حتى أنه هاجم علنا أوائل ​​الشهر الماضي ما وصفه بالتدخل الأجنبي في الشئون الداخلية الفلسطينية.
 

وعرف عن دحلان أنه يقوم بتحويل الاموال الى مخيمات اللاجئين وغيرها من الأماكن المحرومة، كوسيلة لزيادة نفوذه على الأرض. وبدورها، تحركت السلطة الفلسطينية ضد الأفراد الذين اعتبرتهم مقربين من دحلان، ومن ضمنهم رفاق حلاوة المعروفون، فطردتهم من فتح وأجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطيني. ولعل تصور أن حلاوة، أحد قادة فتح المحليين، يقوم بتكديس الأسلحة بينما تتشكل ضغوط دولية على عباس للسماح بعودة دحلان، يفسر الفتك به في نهاية المطاف في نابلس. لقد اعتقد شخص ما في السلطة الفلسطينية ان هناك تهديدا سياسيا يتشكل في البلدة القديمة، سواء كان هذا الاعتقاد مبنيا على حقائق، أو مجرد نوع من أنواع الخيال.

 

وتراجع التوتر في نابلس على نحو كبير منذ جنازة حلاوة الصاخبة. حتى أن الحياة في وسط المدينة عادت إلى وضعها الطبيعي بعد أسبوع واحد، بفضل دفع رواتب السلطة الفلسطينية قبل عطلة عيد الفطر المبارك . ولم يبد العدد القليل من ضباط السلطة الفلسطينية المتمركز في البلدة القديمة وفي المجمع الحكومي متوترا اكثر من اللازم. بل أن منزل عائلة حلاوة، في عمق المدينة القديمة، أعيد بنائه بمساعدة السلطة الفلسطينية.

 

ويبدو أن كلا من السلطة الفلسطينية والمسلحين السابقين في كتائب شهداء الاقصى قرروا في الوقت الراهن اتخاذ خطوة إلى الوراء بعد اشتباك كبير. وكما قال أحد مسلحي فتح السابقين كان على صلة وثيقة بحلاوة: "عندما تكون حركة فتح تحت الضغط، يكون أداؤها أفضل." ويرى زيلبر أن مستقبل الاستقرار في الضفة الغربية، فضلا عن مستقبل الحركة الوطنية الفلسطينية بأكملها، يعتمد على كيفية معالجة فتح لهذه الحرب الاهلية الوشيكة .

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد