المطالبة بتشريع القوانين الفلسطينية بما يتلاءم مع الاتفاقيات والمواثيق الدولية
غزة / سوا/ أوصى قانونيون ومشاركون بضرورة العمل من أجل إنهاء الانقسام، وإعادة تفعيل المجلس التشريعي الفلسطيني، من أجل تغيير وتطوير منظومة القوانين الفلسطينية، لإنصاف المرأة ووقف كافة أشكال الظلم والتمييز ضدها.
جاء ذلك خلال، مداخلات ونقاشات ضمن فعاليات مؤتمر بعنوان " حقوق المرأة في التشريعات ومدى اتساقها مع الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان "، الذي نظمته الجمعية الوطنية للديمقراطية والقانون، ضمن فعاليات مشروع تقوية دور المحاميات في الدفاع عن قضايا المرأة في جنوب قطاع غزة، بدعم ممن البرنامج المشترك لبرنامج الأمم الإنمائي وهيئة الأمم المتحدة للمرأة، تعزيز سيادة القانون: العدالة والأمن للشعب الفلسطيني.
وانقسمت فعاليات المؤتمر الذي نظم في إحدى القاعات وسط محافظة رفح، الخميس الماضي، إلى جلستين، شارك فيهما كل من د. رامي عبده، رئيس المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، وريم الفرينة المدير التنفيذي لجمعية عايشة لحماية المرأة والطفل، وسعاد المشني محامية العيادة القانونية بالجمعية الوطنية للديمقراطية والقانون، ورنا الحداد عضو مجلس إدارة نقابة المحامين، وفاطمة عاشور محامية وناشطة في حقوق الإنسان.
الإفتتاح
وفى بداية المؤتمر ألقى د. إبراهيم معمر رئيس مجلس إدارة الجمعية الوطنية للديمقراطية والقانون، كلمة تحدث من خلالها عن أهمية المؤتمر والغاية من تنظيمه، فهو يأتي تتويجاً لاختتام مشروع تقوية دور المحاميات في الدفاع عن قضايا المرأة، الذي قدم العديد من الاستشارات القانونية والتوعية القانونية والتمثيل القضائي، للعديد من النساء من الفئات الهشة في المناطق المهمشة.
ونوه معمر إلى أن هذا المؤتمر جاء ليناقش وضع المرأة في التشريعات والقوانين الفلسطينية، ومدى اتساقها مع القوانين الدولية التي نظمت حقوق المرأة في كافة المجالات، حيث أن حقوق المرأة الفلسطينية في التشريعات الفلسطينية عبارة عن منظومة قوانين قديمة منذ عهد الانتداب البريطاني، لم تواكب التطور الحاصل على صعيد حياة المرأة.
كما ألقت آنّا لوكاتيلا مختصة الحماية في برنامج سواسية – هيئة الأمم المتحدة كلمة خلال المؤتمر، تحدثت فيها عن الدور الذي قامت به الجمعية الوطنية خلال فترة المشروع، شاكرة جهودها خلال السنوات الأخيرة، قائلة: " تلك ليست النهاية ولكنها بداية لمرحلة جديدة من خلال المشروع والتعاون الكبير مع الجمعية الوطنية".
وقالت لوكاتيلا نحن ندعم باتجاه السلطة الفلسطينية في أن تضع القوانين تحت أجندتها من أجل تسهيل وصول الفئات الهشة إلي العدالة، وعند الحديث عن العدالة نتحدث عن قوانين ومحاكم ونيابة، تلك المؤسسات التي يقع عليها الدور الأكبر في مساعدة النساء في الوصول إلي العدالة.
وأوضحت لوكاتيلا ومن خلال مشاورات مع الشركاء خلصنا إلى ضرورة وجود إطار قانوني من أجل تعديل قانون الأحوال الشخصية، وقانون العقوبات، لجعلها ملائمة لحقوق المرأة الطبيعية، التي يجب أن تتمتع بها، وفى ظل غياب دور المجلس التشريعي في قطاع غزة، كان لا بد من التدخل عبر مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة في دعم المجال القانوني في غزة.
ومن جانبها ألقت ضيفة المؤتمر د. هيفاء الأغا وزيرة شؤون المرأة كلمتها، متحدثة عن ظاهرة العنف ضد المرأة، التي أصبحت ظاهرة عالمية تعاني منها الكثير من النساء، والمرأة الفلسطينية تعتبر من ضمن النساء التي تعاني من العنف، بالإضافة إلي مواجهتها إلي نوع آخر بجانب العنف الأسرى وهو العنف من قبل الاحتلال الإسرائيلي الذي يمارسه بكافة أشكاله.
وأكدت الأغا أنه وبالرغم من تعرض المرأة للعنف، إلاّ أن ذلك لم يمنعها من أن تكون فاعلة في الحركة النسوية الفلسطينية، حيث شهدت فترة العشرينات من القرن الماضي تقلد المرأة الفلسطينية مناصب مرموقة في مركز صنع القرار، الأمر الذي يدل على الوعي الثقافي التي وصلت إليه، ولكن تبقى مشاركتها السياسية في إطار ضيق، نأمل أن يتحسن من خلال تعديل القوانين والتشريعات الفلسطينية، التي تضمن حق المرأة في المشاركة السياسية بنصيب أكبر.
الجلسة الأولى
وبدأت فعاليات المؤتمر بالجلسة الأولى التي أدارها المحامي بلال النجار، مرحباً بالحضور، ثم قدم د. رامي عبده ورقة عمل بعنوان " تطور حقوق المرأة في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان "، موضحاً أن من ينظر إلي التشريعات الفلسطينية قد يصاب البعض بالإحباط، بسبب جهلها بالتطور الحاصل في القوانين الدولية التي تؤكد على أهمية حقوق المرأة.
وقال عبده وعند الحديث عن حقوق الإنسان، أو المعاهدات والمواثيق الدولية نتحدث عن إتجاهين الأول: يتحدث عن الصكوك الدولية التي تتعلق بالجرائم، والاتجاه الثاني يتحدث عن حقوق المرأة والطفل، وكان من أبرز المحطات التي شهدت حقوق المرأة في التشريعات الدولية اتفاقية "سيداو"، التي عملت على إلغاء التمييز ضد المرأة، وتحقيق مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ومناهضة كافة أشكال التمييز.
وأكمل عبده، بأن من أهم الاتفاقيات الدولية التي كفلت حق الإنسان بالتمتع بحقه هي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، وجاء بعد ذلك العهديين الدوليين لحقوق الإنسان 1966 التي نصت على المساواة بين الرجل والمرأة، فيما جاء اعلان القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة عام 1967 لتشكل الخطوة الأولى لتشريع اتفاقية دولية تخص المرأة.
كما قدمت ريم الفرينة ورقة عمل ثانية ضمن الجلسة الأولى كانت بعنوان: الحقوق السياسية للمرأة الفلسطينية من منظور القانون الدولي لحقوق الإنسان (الإختلافات والتحديات)، قدمت خلالها موجز الحقوق السياسية للمرأة، وحقها في المواثيق الدولية التي كفلت لها الحماية القانونية، وقسمت الاتفاقيات إلى شقين: اتفاقيات عامة، لا تنظر بشكل مباشر لحقوق المرأة، واتفاقيات خصصت للمرأة كاتفاقية سيداو، منذ أن أصبحت فلسطين عضو في الأمم المتحدة عام 2015، أصبحت ملزمة لتقديم تقاريرها حول مدى التزامها بالتطبيق.
وأشارت فرينة إلي الحقوق السياسية للمرأة في التشريعات الفلسطينية، حيث أن المادة 26 من القانون الفلسطيني تضمن الحق في المشاركة السياسية، وتشكيل الأحزاب والنقابات والجمعيات والاتحادات والأندية، والتصويت، وتقليد المناصب وعقد الاجتماعات الخاصة بدون حضور الشرطة.
وفى نهاية كلمتها قالت الفرينة بأننا بحاجة إلي آليات تضمن تنفيذ حقوق المرأة في المشاركة السياسية، وسن قوانين عصرية للمرأة تمارس حياتها السياسية والعمل على إنهاء الانقسام الذي شكل عثرة حقيقية أمام تطور المرأة.
واختتمت الجلسة الأولى بورقة عمل لسعاد المشني والتي كانت بعنوان " نحو آليات جديدة لحماية حقوق المرأة الفلسطينية ( تجربة NSDL ) والتي تحدثت خلالها عن دور العيادة القانونية منذ تأسيسها في تبنيها قضايا النساء والدفاع عنهن، من خلال تقديم العون القانوني، والتمثيل القضائي في المحاكم الشرعية، ومساعدتهن في معرفة حقوقهن والحصول عليها بقوة القانون.
وسردت المشني القيود التي تقف أمام المرأة في تحقيق العدالة والحصول على حقها كالتعليم والصحة واتخاذ القرار، تلك القوانين والتشريعات الموروثة عبر حقب زمنية عفا عليها الزمن، لم تأتي لتناصر المرأة، لذلك كان لمؤسسات المجتمع المدني دور كبير في دعم قضايا المرأة، التي وجدت كملجأ للسيدات.
وقالت: " لذلك جاء دور العيادة القانونية لتتيح للنساء الدفاع عن حقوقهن التي فقدنها بسبب جهلهن بالقوانين، وسوء الأوضاع الاقتصادية، وعدم مقدرتهن على دفع رسوم المحاكم، لذلك وُجدت العيادة كملاذ آمن لتلك النساء، من خلال ما تقدمه من خدمات قانونية مجانية" موضحة أنه لن يقف دور العيادة عند هذا الحد، بل اتسع ليشمل التشبيك مع المؤسسات الرسمية لتقديم الخدمات الأساسية، وشكلت العيادة لجنة مكونة من أربعة مخاتير مهمتهم تحقيق الود بين الأسر المتنازعة، وتحقيق المصالحة المجتمعية.
الجلسة الثانية
وأدارت فعاليات الجلسة الثانية من المؤتمر رباب الشاعر، محامية الجمعية الوطنية للديمقراطية والقانون، وقدمت أولى أوراقها رنا الحداد، عضو مجلس إدارة نقابة المحامين، وكانت بعنوان: " حقوق المرأة في التشريعات الفلسطينية (منظومة قوانين الأحوال الشخصية).
وقالت الحداد بأن تمثيل المرأة في المجلس التشريعي تشكل نسبة قليلة جداً مقارنةً بالرجل، أما فيما يتعلق بحق المرأة في العمل لا يوجد قانون يحمي المرأة كاملاً، وفيما يتعلق بقانون الاستثمار الفلسطيني لم ينظم عملية مشاركة المرأة في الاستثمار، لذلك لا زال وضع المرأة على صعيد التعليم والعمل والاستثمار ضعيف.
وطالبت الحداد في نهاية عرض ورقتها، وفى ظل عدم وجود قانون أحوال شخصية فلسطيني، بضرورة الاجتهاد على تطوير القوانين والتشريعات الفلسطينية، بما يكفل حق المرأة في الوصول للخدمات الصحية واحترام خصوصيتها كامرأة على تنفيذ السياسات الصحية والرعاية الصحية، والعمل على توسيع حصول المرأة لكافة حقوقها، وتقييم النظام القضائي والتشريعي في مجال العنف ضد النساء في ظل ازدياد الجريمة، ومراجعة التشريعات المتعلقة بالجرائم الخاصة بالأسرة.
أما المحامية فاطمة عاشور ، فقدمت ورقة عمل بعنوان " حقوق المرأة في القوانين الفلسطينية ومدى اتساقها مع الاتفاقيات الدولية ( قانون العمل وقانون العقوبات )، حيث قالت خلالها بأن قانون العمل الفلسطيني من أفضل القوانين العربية للمرأة، ولكن يُعاب على القانون عدة مواد تخالف اتفاقية سيداو والقوانين الدولية، فقد اغفل قانون العمل حق خادمات المنازل وحقهن في الحصول على أجورهن في حال الاستغناء عنهن من قبل مشغليهن، فلا يوجد نص قانوني واضح وصريح يحمي خادمات المنازل، كذلك الأمر بالنسبة لمعلمات رياض الأطفال، اللواتي يعملن بأجور منخفضة جداً رغم مستواهن التعليمي العالي، قانون العمل كفل الحد الأدنى من الأجور ما قيمته حوالي 45 شيكل يومياً ولكن ما يحدث مختلف تماماً، فالعاملات في رياض الأطفال لا يحققن عشرة شواكل في اليوم الواحد.
ووضحت عاشور ما جاء في قانون العقوبات الفلسطيني الذي يجيز تعنيف النساء وقتلهن في حال ما يسمى الدفاع عن الشرف، والقاتل يتمتع بحكم مخفف، لذلك وجب العمل على تطوير هذه القوانين بما يلاءم حق المرأة والمساواة بينها وبين الرجل.
وتخلل المؤتمر العديد من النقاشات الهادفة الي تقديم الحماية القانونية للمرأة، حيث اجمع الحضور على ضرورة العمل على إنهاء الانقسام وإعادة تفعيل المجلس التشريعي الفلسطيني من أجل تغيير وتطوير منظومة القوانين الفلسطينية لإنصاف المرأة ووقف كافة أشكال الظلم والتمييز ضدها، والعمل على تطبيق ما جاء في الإتفاقيات والمواثيق الدولية.