أزمة المياه تعيد إحياء الحمّامات الشعبية في دمشق
دمشق/ وكالات/ لا يمكن ذكر دمشق القديمة من دون ذكر أحد أبرز معالمها. إنها سلسلة الحمامات الأثرية التي حافظت على نشاطها حتى اليوم، لتتحول إلى طقس اجتماعي أعادت إحياءه ندرة المياه.
على مدخل قلعة دمشق لجهة المدينة القديمة، يتفرع شارع ضيق يقود إلى مقام السيدة رقية وآخر إلى المسجد الأموي.
هناك تقع المكتبة الظاهرية وبجوارها «حمام الملك الظاهر» العائد إلى عصر المماليك. ليس بعيداً منه، وفي قلب «سوق البزورية» التاريخي يقع «حمام نور الدين الشهيد» الذي بني في أيام الدولة الزنكية وما يزال كنظيره ينبض بالزبائن يوميا، شأنه شأن عدد من الحمامات الأصغر حجماً المتوزعة بين «باب توما» و «القيمرية» إلى «الميدان» وصولاً إلى «حي العفيف» على سفح جبل قاسيون. من اللافت أن بعض أصحاب هذه الأبنية التاريخية قد أعادوا ترميمها في السنوات الماضية خلال الحرب.
المشهد في الداخل يتشابه بين الأبنية إلى حد كبير. فالدمشقيون تفننوا بتصميم وتزيين الحمامات بطريقة مبهرة عبر سلسلة قبب عالية مع فتحات صغيرة مغلقة بالزجاج الملون. أما الصالة خارجية فتحتفظ بالطراز الدمشقي التقليدي.
تزداد الحرارة تدريجيًا في الغرف الداخلية من «الوسطاني» إلى «الجواني» حيث تقع سلسلة غرف صغيرة ذات سقف عال. داخل هذه الغرف تتجمع المياه الساخنة في جرن رخامي. بعدها يصل الزبون إلى قسم البخار ذات الحرارة الأشد، قبل أن يتولى «المكيس» إزالة جلده المتقشر بفعل الماء الساخن بواسطة كيس قماشي خشن. وفي الخارج ينتظر الزبون كأس شاي أو مشروب ساخن. كل «طقوس» الاستحمام بقيت على حالها باستثناء غرفة «الأميمين» وهو المسؤول عن إيقاد النار لتسخين المياه.
يقول أصحاب الحمامات الدمشقية انهم ورثوا المهنة أبا عن جد. وفيما تراجع الإقبال عليها في العقود الماضية، عادت للازدهار بقوة في التسعينيات حتى أيامنا هذه. وعلى الرغم من تراجع أعداد السياح، يعتبر أبناء الشام زبائن دائمين، ما منع تحويلها الى مطاعم أو مستودعات في الأسواق العتيقة.
تزامنت عودة الإقبال على الحمامات مع أزمة مياه قاسية في العاصمة تتقاطع مع أزمة كهرباء تصعّب وجود الماء الساخن في البيوت، لا سيما في أشهر الشتاء. لذلك عادت إلى الأذهان فكرة الاستحمام التقليدي في حارات الشام العتيقة وأعادت معها طقوساً عرفها أبناء المنطقة جيداً وشاهدوها في دراما البيئة الشامية قبل أن يعود الجيل الشاب ويحتفي بها.
حتى ان العرسان باتوا يجدون صعوبة في حجز «حمام الملك الظاهر» مساء الخميس تحديداً، حيث يجتمع الأصدقاء مع العريس للاحتفال به. خلال هذا اليوم تحضر إحدى أشهر الوجبات الشعبية «المجدرة» قبل أن يزف العريس إلى صالة العرس التزامًا بالتقليد الدمشقي القديم. ويعلق العاملون في الحمامات أن سهرة الخميس تكون الأكثر صعوبة لناحية الازدحام وهو ما ينسحب على ليلة العيد.
بعيدًا من التقاليد، أصبح الذهاب إلى الحمام بمثابة إجازة أسبوعية، يمضي البعض وقتاً طويلاً كنوع من الاسترخاء. ومع أن التكاليف ارتفعت بحكم صعوبة تأمين الماء والوقود وانقطاع الكهرباء، إلا أن الإقبال على الحمامات التقليدية قد ازداد في الأيام الأخيرة، وقد عمد بعضها إلى تخصيص أوقات أو أيام كاملة للنساء.