فلسطين .... خاصرة الوجع الذي لا ينسي في نفوس ابنائه

16-TRIAL- غزة – طارق حمدية  من الواضح انه لا شيء يوقف فلسطين عن أن تبقى فلسطين. ولا شيء يمكن أن يمنع صغارها من النموّ في حديقة أحلامهم الملونة ، حتى لو كان صاروخاً يحمل في رأسه أيّ مادة قاتلة. الصاروخ الذي يخترق الجسد الصغير، وكل الأجساد تبدو صغيرة بالنسبة لصاروخ قادر على أن يفتّت هذا الجسد، و أن يُسيل دمه، وعلى أن يُعجِز الطبيب المكلّف بالإنقاذ. لكن هذا الصاروخ الجبار لا يبدو قادراً على قتل الحلم في قلب طفل صغير انتقل  إلى رحمة الله، مشيّعاً بدموع الطبيب العاجز، ولا على مصادرة فكرة الوطن، من رأس هذه المرأة التي حَملت لقب الخنساء ، وحُملت ملفوفةً بألوان العلم ومزيد من الدماء. وابتسامةٌ تصرّ عدسات الكاميرا على سرقتها، أو اختلاقها، من بين ملامح الرعب الأخير. من أين يأتي الفلسطينيون بكل هذا الجبروت الدامي، لكي يستمروا في الصلاة في مساجدهم وكنائسهم، باليقين نفسه، بعد كل أزمة تمرّ بهم، أو يمرون بها؟ أتساءل، وأنا أتعايش معهم  ، وهم يعودون إلى حياتهم في غزة، بعد الحرب، يبحثون بين الأنقاض عن جثث لشهداء، وعن حيواتٍ مضت لأصداءٍ وأبناء، وعن كتبٍ وصورٍ وذكريات. يزيحون الركام، ويعيدون ترتيب الحجر، ويمسحون الدموع، ويبدأون من جديد. يمشون على درب جلجلتهم بآياتهم القرآنية، وعجائب صبرهم. فمن أين لهم كل هذا الصبر الذي صار يقتات عليهم، بدلاً من أن يقتاتوا عليه، ويتخذونه زاداً تجاه الغد والآخرين؟ من أين لهم قدرة المشي على الجمر، من دون أن يحترقوا ؟ من أين لهم هذه الطاقة العجيبة على البناء بعد كل هدم، وعلى الحياة بعد كل موت، وعلى الصلاة، بعد كل ما يؤدي بالبشر إلى الكفر؟ من أين للفلسطينيين كل هذه القدرة المتصاعدة على الحلم، في عتمة الليالي العربية كلها ً؟ كيف يستمرون في السير على طريق الانتظار لسنين طويلة، وهم يغنّون للأرض والشهداء، كيف لعيونهم أن ترى ما لا يراه الآخرون، حيث تلوح لهم قبّة الأقصى الشريف، عند كل نظرة للبعيد في ظروف الانكسار والوجع، كسدرة منتهى، فيمضون في الصلاة على نيّة العودة والبقاء، على الرغم من أنهار الدماء التي سالت ، والمعابر التي يغلقها الأشقاء، قبل الأعداء، في وجوههم، والخنوع الدولي المحيط بهم لمبدأ الهيمنة والجبروت وحدهما؟ حتى كادت أن تختفي فلسطين، اسماً ومعنى من وجدانهم في السنوات الأخيرةً، وينسى هؤلاء أن فلسطين لم تذهب أبداً حتى في ظل احتلال الاحتلال الصهيوني الذي راهن على ابتلاعها، أرضاً وتاريخاً وشعباً ووجوداً حضارياً وبشرياً. لكنه، بعد سبعة عقود، لم يحتل سوى الجغرافيا، وبقي في وجوده طارئاً، على الرغم من كل محاولاته على مدى تاريخها، صعوداً وهبوطاً، و نضالات الفلسطينيين لم تكن  عابرة، ولن ينسوا  أرقام الشهداء والجرحى واللاجئين المتراكمة . القضية الفلسطينية أبعد من هذا بكثير، ولكنها أبسط أيضاً. هي قضية وطن حقيقي اسمه فلسطين، يحتله عدو حقيقي اسمه إسرائيل، ولا بدّ للاحتلال من أن ينجلي، ولا بد لفلسطين من أن تعود حرّة مستقلة، ووطناً لكل فلسطيني. هذا جوهر القضية التي يحاول بعضهم أن يفتّتها، لتختفي بين اتفاقات ومعاهدات ووفود ووعود وتواقيع وأوراق وخرائط واجتماعات ولا شيء حقيقياً على الأرض سوى المزيد من الاحتلال .
180
اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد