وحّد الشهيد معاذ الكساسبة برحيله الأردنيين في مواجهة تنظيمي داعش والقاعدة وسلوكهما العدواني الفظ غير المتصل بأية مشاعر تحترم إنسانية الإنسان، وقد كان الأردنيون مختلفين حول موقفهم من داعش والقاعدة، بدلالة أن نواب حركة الإخوان المسلمين قدموا واجبات العزاء نحو أسرة أبو مصعب الزرقاوي على إثر اغتياله، ولكنهم توحدوا مع سائر الأردنيين رداً على طريقة داعش في إنهاء حياة الطيار الأردني، ولذلك إذا خسرته أسرته وعائلته، فقد كسب الأردنيون باستشهاده من خلال اندفاعهم نحو الوحدة والتماسك، والالتفاف حول مؤسساتهم المدنية والعسكرية. والشهيد ناهض حتر لم يكن أقل تضحية ووفاء وبسالة في مواجهة الإرهاب ورفض التطرف والتصدي لداعش وللقاعدة وسلوكهما وجرائمهما، ودفع حياته ثمناً لهذه المواجهة، وتمسكاً بمواطنته المدنية، ودعوته الدائمة للتعددية، وانحيازاته للديمقراطية، وحق البشر في التعبير عن أنفسهم وقناعاتهم، وخسرته عائلته وأصدقاؤه ومن يرون فيه المفكر والمبادر والسياسي النشط لكل ما هو أردني قومي تقدمي، ولكن الأردنيين ما زالوا مشدودين ومصدومين لمفاجأة اغتياله، ولم ترتق حركتهم السياسية اليسارية والقومية والليبرالية لمستوى تضحيته، فالشعارات التي رفعها المحتجون على اغتياله لم تحدد بدقة أعداء الديمقراطية والتعددية والمدنية، ومؤيدي التطرف والإرهاب، بل تشتت نحو رفض الدولة الدينية، والدعوة لإسقاط الحكومة، وذهب بعضهم بعيداً نحو المطالبة بالاشتراكية، وغيرها من الشعارات غير الواقعية الدالة على غياب الأولويات وتوسيع دائرة الخصومة مع تيارات سياسية عديدة.
لقد فجر الشهيد التونسي البوعزيزي، ثورة داخل بلده وامتدت إلى مصر وليبيا ومصر وسورية واليمن، ولكنها بدل أن تكون ربيعاً للعرب تُنهي أسباب انفجاراتها الثلاثة وهي: 1- عدم استكمال خطوات الاستقلال السياسي الاقتصادي، 2- غياب العدالة الاجتماعية، 3- فقدان الديمقراطية لدى البلدان العربية كافة الجمهورية منها والملكية، تحولت إلى خريف خرب دمر الإنجازات دون تحقيق مكاسب استفادت منها فقط أحزاب التيار الإسلامي الأربعة : 1- الإخوان المسلمون، 2- أحزاب ولاية الفقيه، 3- القاعدة، 4- داعش الأكثر تفرداً وأحادية وتسلطاً على حياة الناس ومواطنتهم وتعدديتهم، فبات العرب مثل ذاك الذي يهرب من مزراب الديكتاتورية والجوع والمرض وسوء الخدمات، ليقع تحت رحمة الدلف الأكثر وجعاً ورجعية وتخلفاً من النظام العربي السائد. 
رحيل ناهض حتر وتضحيته وتمسكه الصارم بأردنيته وقوميته وتقدميته، يجب أن تتحول إلى شمعة مضيئة، إلى حالة يقظة، إلى تماسك القوى اليسارية والقومية والليبرالية الأكثر ضعفاً وتشتتاً من أحزاب التيار المحافظ والتقليدي، عديمة الجدوى، وعبثية العمل، ومدمرة الوطن كما فعلوا في الصومال وليبيا وسورية واليمن والعراق كما حاولوا في مصر والجزائر ولدى غيرها من الأقطار العربية، ومزقوا الحركة السياسية الفلسطينية ذات الطابع الكفاحي في مواجهة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، العدو الوطني والقومي في فلسطين، بالانقلاب الحمساوي في غزة المحاصرة. 
أسرة الفقيد الراحل ناهض حتر، فقدت ابنها ورمزها ومعيلها ورمز فخارها، وهو خسارة كبيرة لها لن تعوض مهما قبلت الكلام بحقه، والخطابات بشأنه، والتضامن من أجله، وتعوضوا بهذه الشموع، وهذا التضامن، والالتفاف من حولهم لأنهم قدموا تضحية من أعزهم لصالح بلدهم، ولكنه خسارة للأردنيين إن لم يستفيدوا من بسالته وتضحيته ومبادراته الوطنية والقومية نحو الوحدة وبناء المستقبل المشرق، وتحديد الأولويات من أجل أردن وطني ديمقراطي تعددي موحد، ومن أجل حرية فلسطين ودعم شعبها لعودتهم إلى المدن والقرى التي طردوا منها وتشردوا عنها، واستعادة ممتلكاتهم منها وعنها وفيها، ومن أجل العمل نحو : 1- استكمال خطوات الاستقلال السياسي والاقتصادي للبلدان العربية، و2- تحقيق العدالة الاجتماعية، و3- شيوع الديمقراطية وقيمها وتعدديتها في كل بلدان العرب الجمهورية منها والملكية، عندها يكون حقاً ناهض حتر قد رحل وقد قدم نفسه شمعة مضيئة للطريق نحو المستقبل، ويكون قد خدم شعبنا في رحيله، كما عمل في محاولاته المتصلة لخدمته وتوعيته خلال حياته قبل أن يرحل، ونكون قد أوفينا ناهض حقه في ردنا على اغتياله بخطوات بنائه من أجل وحدة الأردنيين وتماسكهم وتقدمهم، ومن أجل عالم عربي خال من الظلم والتبعية، ومن أجل حرية فلسطين كما تمنى. 


h.faraneh@yahoo.com

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد