تشتت العائلات الفلسطينية يهدد مستقبل الأطفال

سلامة أبو القرايا

رام الله / سوا / رغم مرور ثلاث سنوات على آخر لقاء بين الطفلة الفلسطينية نوارة أبو القرايا ووالدها "سلامة" فإن دموع الفراق مازالت حارة في مقلتيها، تذرفها كل حين، ولاسيما بعد مرض والدتها الخطير.


وتسارع نوارة (13 عاما) -التي تسكن مخيم الفارعة في نابلس شمال الضفة الغربية- بالاتصال بوالدها الموجود في قطاع غزة كلما تعذر على والدتها تلبية طلباتها، وتتوسل له بالرجوع لتحقق أمنياتها. وتشعر الطفلة -التي افترقت عن والدها ولم تبلغ عشرة أعوام- بحرمان شديد، حتى إنها لم تذكر اجتماع العائلة على مائدة واحدة منذ ذلك الحين.


والد سلامة (57 عاما) عاد في أيار(مايو) 2013 إلى قطاع غزة، بعد سماح الاحتلال الإسرائيلي له بذلك، بغرض زيارة زوجته الأولى وأبنائه الذين انقطع عنهم منذ مغادرته القطاع للعمل بالضفة عام 1999.


معاناة متفاقمة


ومع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000، منعت سلطات الاحتلال سلامة من العودة إلى غزة، فتزوج من أخرى بالضفة الغربية، وأنجب ثلاثة من الأبناء.


وبعد أن أنهى الوالد زيارة أسرته بغزة، رفض الاحتلال السماح له بالعودة إلى الضفة بذريعة أمنية، ويقول إنه قدّم أكثر من عشرين طلبا للعودة رُفضت جميعها.


وتعاني آلاف العائلات في غزة والضفة و القدس المحتلة من التشتت جراء منع الاحتلال لمّ شملها، وهو ما يؤثر بشكل سلبي على أفرادها.


ويصف الفتى حسن (15 عاما) النجل الأكبر لسلامة غياب والده بـ"المعاناة الكبيرة" ويقول "هو من كان ينصحني ويحميني، ويحسن التصرف في المواقف".


ويقول حسن للجزيرة نت "يصعب كثيرا أن أتحدث مع والدي عبر الهاتف. هناك الكثير من الأمور التي تحدث معي لا أستطيع الحديث بها عبر الهاتف في بضع دقائق".


وزاد وضع الأسرة تعقيدا إصابة زوجته الثانية "مقبولة" بمرض السرطان أثناء وجود "سلامة" بغزة، فلم تجد من يقف إلى جانبها باستثناء أطفالها.


ويضيف حسن "والدتي مريضة. أنا وأخي نقف معها ونفتقد والدي كثيرا. ما الذنب الذي اقترفناه لتكون عائلتنا مشتتة؟".


وتتهدد أسرة أبو القرايا الكثير من المخاطر، لعل أبرزها خوف زوجته من انحراف ابنها الأصغر في غياب والده.


وتقول للجزيرة نت "ابني الصغير لم يذهب إلى المدرسة منذ بدء العام الدراسي بعد أن كان متفوقًا، وأصبح يدخن السجائر، ولا يستمع إلى نصائحي". وتضيف "أخشى عليه من الانحراف، ورفقاء السوء".


أما ربّ الأسرة "سلامة" فيقول إن الاحتلال يرفض لمّ شمل أسرتيه، ويمنعه من العودة لأطفاله في الضفة بعد اطمئنانه على أبنائه البالغين بغزة.


ولم يدع الوالد سبيلا في محاولته العودة إلى أطفاله وزوجته، فقدّم تقارير زوجته الطبية إلى الاحتلال للسماح له بالمكوث إلى جانبها، لكن الأخير رفض.


وتسيطر حالة من الضيق الشديد على الوالد العاجز عن مساعدة زوجته في تربية أبنائه، ولاسيما مع ما يصله منها بشأن سلوك ولده الأصغر.


ويقول للجزيرة نت "أتواصل معهم عبر الهاتف، لكن في كثير من الأحيان ينفد رصيدي، ولا أستطيع شحنه، فأنا عاطل عن العمل بعد أن كنت أعمل في البناء بالضفة، وأسكن عند أشقائي".


ويُلقي سلامة بالكثير من اللوم على السلطة الفلسطينية لعدم بذلها الجهد المطلوب من أجل الضغط على الاحتلال لإنهاء معاناته وآلاف الأسر الفلسطينية.


ويخلف التشتت الأسري الذي يتسبب به الاحتلال أجواء من العيش غير المستقر داخل العائلات، وهو ما يؤثر على سلوك أطفالها ويهدد مستقبلهم.


ويقول المختص النفسي علاء الربعي إن تشتت الأسرة يُولد إحباطًا قوي التأثير على أفرادها، ويشعرهم بالقلق وفقد الحنان، ويهدم ثقتهم بأنفسهم والمحيطين بهم.
وقد يؤدي التشتت إلى انحراف سلوك بعض أبنائها -وفق الربعي- ولاسيما في مرحلة المراهقة، إذ يسعى الابن لإثبات رجولته وأدواره الاجتماعية، في غياب الضوابط الأسرية التي تمنعه من الوقوع ضحية الإغراءات.


ولا تقتصر التأثيرات على الأطفال بل تتعدى إلى الوالدين، إذ تهبط لديهما عوامل التوافق والصحة النفسية، وقد ينتج عن ذلك الإصابة بـالاكتئاب أو المخاوف المرضية، وربما يؤدي ذلك إلى الانفصال، وفق المختص النفسي.

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد