مع تسارع وتيرة الأحداث وتوالد العديد من القضايا والملفات التي نشاهدها بعين المترقب والمتشكك بذات الوقت بفعاليتها او بجديتها، فقد اصبح من الصعب التركيز على قضية واحدة  لأسباب كثيرة، من ضمنها  تجربتنا المسبقة بمعرفة الحلول التي تكمن في سياسة تنويم المشكلة وعدم حلها، وسياسة الاستبعاد والإقصاء في مختلف القطاعات وليس فقط السياسية، وسياسة عدم إشراك مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني، هذه القضايا أدت الى تكلس القضية الفلسطينة وبالنهاية وبالعامية دخلنا جميعاً بالحيط.
لقد أدى ذلك بدوره إلى ان نعيش  كشعب وقيادات في حالة من التيه، وكأننا نمشي في نفق انعدمت منه المخارج، فازداد تخبطنا  وتشتتنا في العديد من الدوامات والمتاهات؛  كلٌ يسعى للبحث الى سبيل يختلف عن الاخر،  ناهيك عما نواجه  في كل يوم من قضايا تؤدي الى ولادة العديد من القضايا الاخرى وكأنها قنابل انشطارية يصعب ايضا التركيز والتعامل معها لأسباب كثيرة بالإضافة لما سبق بالفقرة الأولى؛ هو انها تترابط وتتشابك مع بعضها البعض، وارتباط القيادات بتحالفات سواء أكان أفقيا أم عموديا أو/و دولياً.. إقليمياً، والأهم من ذلك التيه في صياغة أجندة وطنية شاملة بقدر ما يتم البحث عن مساحات لتعزيز النفوذ الذاتي.
وبنهاية المطاف، أدت تلك القنابل الإنشطارية الى انفجارات في تعدد مفاهيم الهويات والانتماءات، ما جعل قضيتنا الفلسطينية محصورة في مجتمعات متخاصمة_ وفي بعض الأحيان متناحرة_لا تمتلك إطارا وطنيا واحدا على الرغم من وجود هدف واضح أمام أعيننا منذ عام 1948م، لذلك نجد حالنا وحال الوطن في تحديات ومشكلات مستمرة لا يمكن معالجتها، لأن هذه التحديات تتغذى باستمرار من حالة الشعور العميق للانتماء لهذه الجماعات والتعبير عن ذاتها بشكل صريح .. جماعة أبو فلان... الشيخ علان... أحمر.. أخضر.. مدينة.. المخيم.. ضفة .. غزة .. وهي امتداد لذات الحالة من الماضي التي تمثلت في جماعة الجبل أم جماعة البحر!! 
هذه الحالة خلقت توترا دائما في العلاقات بيننا كشعب واحد مما أدى الى تفاقم حالات غياب الثقة ببين جميع الأطياف. حينما يغيب المشروع الوطني الجامع والمحتضن لكل حقائق التنوع والتعدد، تبرز الانتماءات الفرعية بنزعتها الاستقلالية والانفصالية. 
إن تسارع الأمور والاكتفاء بإعطاء الإسعافات الأولية فقط لهذه الجروح  اليومية  التي نسببها جراء الاذى الذي نلحقه لانفسنا بايدينا؛ جعل  الجرح يتفاقم و يتقرح وأنهك جسدنا الوطني وزاد علته ، وما يزيد الطين بلةً هو ان من يقوم بأي محاولة للعلاج توجه اليه أصابع الإتهام،  ما بين خائن وعميل الى صاحب أجندات خارجية!!
والآن ... يبقى السؤال ما العمل؟ وما هو المخرج؟ وكيف علينا علاج ما يمكن علاجه؟ وهل نستطيع وقف النزيف الدائم ضمن هذا الواقع والإمكانيات؟ وبكل سخرية، فإن هذا أفضل وقت للإحتلال الإسرائيلي لينظر إلينا ونحن نذبح ذاتنا بشكل مستمر، اما هو فمستمرٌ بأجنداته المختلفة التي تصب في مصلحة الكولونيالية الصهيونية. 
نعم يمكن العلاج؛ وكي نتمكن من مواجهته ان نوقفَ الجرح والنزيف اليومي الذي نسببه بأيدينا، فلا يعقل لمؤسسات النظام السياسي الفلسطيني أن تكون منتهية الصلاحية وغير قابلة للإستخدام، وعليه علينا تجديد الدماء والشرعيات في كل المجالات، لأننا لن نستطيع مواجهة إسرائيل بأدواتنا التي إهترأت، ولن نستطيع مخاطبة العالم المتجدد ونحن مازلنا نستخدم خطابات وشعارات لا تمت للواقع!!  لقد آن الاوان لإستنهاض الذات الفلسطينية من العملاق الفلسطيني الكامن في شبابنا وقدراتنا التي تحتاج الى فرصة لإطلاق هذه الإمكانيات.

للتواصل:
 mehdawi78@yahoo.com 
فيسبوك RamiMehdawiPage

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد