لا شك أن الاهتمام العربي بقضية وحدة حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" له ما يبرره، وهو يحتل درجة كبيرة من الأهمية لأسباب عديدة ليس أقلها تعقيدات المشهدين السياسي والأمني في العالم العربي.
ناهيكم عن التعقيدات على الساحة الفلسطينية في ظل انسداد الأفق السياسي واستمرار سياسة الاستيطان والتهويد التي تنتهجها حكومة إسرائيل بزعامة بنيامين نتنياهو التي تشكل حكومة أقصى اليمين والتطرف.
وتلعب الرباعية العربية: مصر والأردن والسعودية والإمارات دوراً محورياً في الجهود من أجل رأب الصدع داخل "فتح" وداخل الساحة الفلسطينية عموماً، بعد نجاح مهمتها الأولى.
القيادة المصرية ممثلة بالرئيس عبد الفتاح السيسي تنظر إلى قضية وحدة حركة "فتح" باعتبارها مصلحة أمن قومي مصري.
فوحدة "فتح" الداخلية وعودة اللحمة إلى صفوفها بإعادة القائد الفتحاوي محمد دحلان إلى الحركة وإلغاء قرار فصله من شأنه أن يقوي "فتح" والتيار الوطني الفلسطيني الذي تقوده، وي فتح الطريق أمام معالجة ملف الوحدة مع " حماس " وإنهاء الانقسام الفلسطيني الذي يؤثر على مصالح مصر وأمنها.
وقطاع غزة بصورته الحالية في ظل استمرار الانقلاب وسيطرة "حماس" عليه يشكل هماً كبيراً لمصر وخطراً على أمنها القومي.
ولهذا تنظر مصر إلى المصالحة الفتحاوية الداخلية باعتبارها الطريق لفكفكة الكثير من الأزمات، وصولاً لفتح الطريق أمام التسوية السياسية.
نفس الشيء بالنسبة للأردن الذي يشعر بالقلق لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في الضفة الغربية المحتلة فيما لو حصلت فوضى أو تداعيات سلبية لو - لا سمح الله - حصل شيء مفاجئ للرئيس أبو مازن ولم تستطع "فتح" أن تجمع على خليفة متفق عليه، أو حصلت تطورات مفاجئة في العلاقة مع إسرائيل يمكن أن تقود لحالة عدم استقرار أمني أو سياسي. وهذا بالنسبة للأردن يمثل خطراً على أمنها القومي الذي يتأثر مباشرة من أي تطور سلبي في الضفة الفلسطينية.
وهذا يدفع القيادة الأردنية وعلى رأسها الملك عبدالله إلى أن تجند طاقاتها للبدء بمعالجة تفاصيل الملف الفلسطيني بدءاً من إنجاز المصالحة الفتحاوية مروراً بالمصالحة مع "حماس" وانتهاءً بفتح آفاق العملية السياسية.
أما السعودية والإمارات فلديهما هموم ملفات سورية واليمن والعراق وليبيا، وفي إطارها الحرب على الإرهاب، وهما تسعيان لإحداث اختراق في العملية السياسية لإعادة صياغة التحالفات الإقليمية والدولية في مواجهة المخاطر التي تعتبرها أولوية ومن بينها "الخطر الإيراني"، ولا يمكن نسج علاقات إقليمية تشمل جميع أعداء إيران بمن فيهم إسرائيل دون حدوث تقدم في العملية السياسية، وهذا لن يحدث دون أن ينجح الفلسطينيون في لملمة صفوفهم ووضع حد لخلافاتهم وانقساماتهم. ومن هنا تحتل مسألة وحدة "فتح" الداخلية أهميتها الاستثنائية.
الدول العربية الأربع ومعها غالبية العالم العربي إن لم يكن كله يريدون حل القضية الفلسطينية على أساس المبادرة العربية للسلام. وهناك إدراك أن إجبار إسرائيل على الاستجابة للجهود الإقليمية والدولية لإنجاح المبادرة الفرنسية ومبادرة السلام العربية لا يمكن أن يحصل من غير تقوية الواقع الفلسطيني وتهيئة المناخ داخل الساحة الفلسطينية لإقناع المجتمع الدولي بجاهزية الساحة الفلسطينية للحل.
ومرة أخرى كل شيء يبدأ من "فتح" التي تمثل عمود الخيمة للحركة الوطنية الفلسطينية. فوحدتها وقوتها الداخلية كفيلتان بحث "حماس" على المصالحة وإنهاء الانقسام، وإذا ما حصل ذلك سيرى المجتمع الدولي بهذا التطور مقدمة واقعية لنضوج ظروف التسوية، ويمكنه عندها أن يدفع باتجاه إحياء العملية السياسية.
إذاً كما بدأت الثورة المعاصرة بانطلاقة "فتح" يبدأ ترتيب الوضع الفلسطيني بترتيب أوضاع "فتح" الداخلية وهو الضمانة لإعادة الاعتبار للكفاح الوطني والحصول على التأييد العربي والإقليمي والدولي المنشود لكي يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه الوطنية المشروعة التي تكفلها له الشرعية الدولية وينجز برنامجه الوطني بالاستقلال وإقامة دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين.
والسؤال هنا: هل تعي قيادة "فتح" هذه الأهمية الوطنية والقومية العربية والدولية لوحدة "فتح" وتخرج عن قصورها التقليدي في معالجة هذه المسألة لتكون على قدر المسؤولية الوطنية والتاريخية التي تتطلبها، أم أنها ستبقى على حالها السلبية وتضيع الفرصة التي تؤمنها لها الجهود العربية المخلصة والحريصة على وحدة الحركة؟
الجميع يقولون إن هذه المرة مختلفة وتعاطي اللجنة المركزية لحركة "فتح" قد يكون مختلفاً ولا يكتفي فقط بإصدار بيان يرحب بجهود المصالحة.
ومن المؤشرات على التغيير ما حصل خلال عملية التحضير للانتخابات المحلية حيث توحدت "فتح" في غزة ربما لأن الضغط العربي أيضاً كبير ومؤثر لإنجاز هذه المصالحة. وكذلك لأن حجم التحديات التي تواجه الشعب والقضية في ضوء الممارسات الإسرائيلية وتراجع الدعم الدولي للسلطة هو كبير بحيث يشعر الجميع بالمسؤولية التي تقع على عاتق القيادة لإنقاذ الوضع.
"فتح" أمام اختبار جدارة فعلي وقيادتها على المحك فإما أن تتجاوز خلافاتها وإشكالياتها الداخلية التي ليست بهذا التعقيد والصعوبة التي تمنع حلها إذا ما توفرت الإرادة، وإما أن تفشل ونفشل جميعنا ويستمر تدهور أوضاعنا.
وكل الجهات في "فتح" من المفروض أنها تشعر بحالة الاختبار هذه وتعمل على النجاح فيها. ونحن بانتظار الدخان الأبيض.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية