مجزرة حي الشجاعية حكاية لا يرويها إلا من عاشها

108-TRIAL- غزة / إنصاف حبيب  / سوا /  نام أطفال حي الشجاعية بسلام على أمل استيقاظهم بمداعبة خيوط الشمس الذهبية لأعينهم البريئة , لكن الواقع كان ضد أحلامهم كالعادة ، بل إن أعينهم لم تغف ليلة إلقاء الآليات الحربية الإسرائيلية لقذائفها العشوائية على أهالي الحي الآمنين ببيوتهم  ، ليلة العشرين من يونيو السوداء التي لن ينساها من عاشها و انتظر الموت بكل لحظة فيها . 
عائلة السرساوي التي كان يزيد عدد أفرادها عن مائة شخص كأحد العائلات التي كانت  تجلس في بيتها كباقي أهالي الحي ، فهي أيضا ممن تعرض للقذائف العشوائية ، والتي فقدت شهيدتين من بناتها ، الشهيدة ميساء ذات ال43 عاما و الطفلة الشهيدة مروة ذات ال13عاما ، حيث تقول الطفلة نور ابنة الثلاثة عشر عام " كنا نجلس في منزلنا بالطابق العلوي برفقة أمي و إخواني التسعة ، وسمعنا صوت قذيفة ترتطم بغرفة من منزلنا وبدأ الخوف يسيطر علينا كثيرا ، فنزلنا بسرعة إلى الطابق السفلي ، وتوالي عدد القذائف بشكل كثيف ، فأشار علينا عمي الأكبر لأن نذهب جميعا إلى منزل أحد أقاربنا وهو مقابل لنا ،  لكن الوضع لم يكن أمن لأن نتحرك ، و كأننا بقينا بانتظار الموت المحتم  ، و ما إن جلسنا في غرفة ملتفين حول أمي التي ترتجف خوفاً  علينا ، نسرق منها شيئا من الأمان ، ومع أصوات القذائف التي تشتد أكثر فأكثر ، و الأصوات الغريبة التي لم نسمعها من قبل ، ذهبت أمي لتعد لنا وجبة السحور و تعد نفسها للصلاة ، تأخرت أمي قليلا  فذهبت ابنة خالتي مروة لتساعدها ، فاصطدمتا عند باب الغرفة المقابلة ، لكن القدر كان أسرع من خوف أمي علينا ومن تناول طعام السحور ، فإذا بقذيفة تعلن غدرها وتدخل من نافذة الغرفة ، حينها فزع الجميع ولم نرى سوى دخان يعم لهيبه في كل أرجاء المنزل ، صرخت بأعلى صوتي  أمي  أمي أنا وإخوتي الصغار ، لكنها لم تسمعنا أردنا أن نسمع صوتها لنشعر بالأمان فقط ، لكن حكايتنا مع أمي انتهت هنا بين صرخة و آه لن ننساها أبدا .
أمي لم تكن تطلق صواريخ ، أمي فقط احتضنتنا جميعا ، أكثير على الأم أن تغلف أبنائها بشيء من الأمان ؟؟؟هنا " دمعت عينا نور ولم تستطع أن تكمل حكايتها الحزينة ،  أتذكرت أمها الشهيدة التي سقطت بحضنها أثناء احتضارها للموت؟! أم إنها ما زالت تنتظر إجابة أمها على ندائها اللا منتهي ؟! 
أما والدة الطفلة الشهيدة مروة التي ترتدي ثوبها الأسود حداد على فراق ابنتها و أختها تقول " حينما سمعت صوت تلك القذيفة الغادرة بدأت اصرخ ، لملمت حولي أطفالي ، فلم أجد مروة ازداد صوت صراخي ، فاتجهت نحو باب الغرفة فمسكت ابنتي لأنقذها من الموت لكن الموت كان أقوى من دموعي ، أردت أن أقبلها قبلة الوداع وفجأة دخلت يدي برأس ابنتي المشقوق نصفين ، دم نعم إنه دم ابنتي التي تأكدت  حينها أنها شهيدة ، الجميع بدأ يصرخ ويبكي من ستختار القذيفة المرة القادمة ، وجدنا أن هذا المكان ليس أمناً ، فعدنا إلى منزلنا ليحمل الرجال جثة الشهيدتين ، وليكونوا في مأمن من قذائف الحقد الاسرائيلية  فوضعناهما تحت شجرة الزيتون ، و ألقينا عليهما غطاء " هنا تلعثمت والدة مروة و رأيت القصة تروى بعينها قبل أن ينعقد لسانها عن الحديث فربما قد اشتاقت لطفلتها ، وبصعوبة بالغة استكملت حديثها " بدأت الشمس تحتل سماء ليلتنا السوداء فدقت الساعة الخامسة فجرا ، ليس كأي فجر بل كان فجر الوداع ، فسمعنا صوت الجيران يكبرون ويخرجون من منازلهم على حالهم لم يحملوا معهم سوى قسوة هذه الليلة ومرارتها ، فاستعد الجميع للرحيل إلى المجهول ، حمل زوجي طفلتنا الشهيدة بين يداه الضعيفتين لكنه لم يتحمل رؤية فلذة كبده هكذا ، اعتاد عليها وهي تضحك و تنادي عليه بشغب ، تسيل دماء ابنته على ملابسه البيضاء لتعلن رحيلها عنهم وتصعد روحها إلى السماء ، لكن جثة أختي ميساء لم نستطع نقلها معنا فناشدنا الصليب الأحمر فلم يستجيب لصراخنا ودموعنا أحد منهم  " فجأة سمعت إحدى أطفال الشهيدة ميساء تقول " هذا الصليب الأسود " ، فركضنا مسرعين لا نعلم أين نذهب رأينا جثث على حافة الطريق ، جرحى  أبرياء يناشدون ولكن لا من مستجيب ، حتى أن أقدامنا تمزقت من الزجاج المنثور علي الطرقات كأنه حبات رمل ساخنة ، نظرت بعيدا كأنه طوفان حل بالمنطقة ولم يترك فيها أي شيء على حاله . وبعد ان سرقت القذيفة روح طفلتي وتشردنا من بيوتنا لم يعد يهمني أي شيء في هذه الحياة " و ها نحن الآن في مركز النور للمكفوفين حيث هذا المكان العاشر الذي  نلجأ إليه ، لمن نشكو همنا سوى لله رب العالمين .
168
اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد