لم تزعجنى كثيراً التصريحات التى وردت على لسان بعض كبار المسئولين الإسرائيليين بأن علاقاتهم تتوطد مع بعض الدول العربية فهذا هدف إستراتيجى ترنو إليه كل حكومات إسرائيل وليس حكومة نيتانياهو فقط وحبذا لو نجحت فى تحقيق هذا الإنجاز دون أى ثمن أو بأقل تكلفة ممكنة, كما لم يزعجنى ما نشر حول تحركات غير رسمية من جانب بعض الدول العربية بهدف تلمس إقامة علاقات ما مع إسرائيل فهذا حق أصيل لكل دولة أن تبحث عن مصالحها بالشكل المناسب, ولكن من الأمانة هنا أن أؤكد أن مصر وهى الرائد والقائد فى عملية السلام لم يغب عنها مطلقاً البعد الفلسطينى وهى تخطو نحو تحقيق السلام مع إسرائيل.

استقراء العلاقات المصرية الإسرائيلية يؤكد أننا أمام معاهدة سلام راسخة سوف تكمل عقدها الرابع بعد أقل من ثلاث سنوات, وهى معاهدة يحرص الطرفان على احترامها والالتزام ببنودها بل تحرص القوى الدولية على دعمها والحفاظ عليها, ولاشك أن هذه المعاهدة صمدت حتى الآن أمام كل التحديات والتهديدات التى واجهتها, ويمكن القول إن العلاقات الثنائية بين الدولتين تسير فى إطار متوافق عليه ومقبول من كلتيهما فى المجالات التى يتم التعامل والتعاون فيها, ولا يوجد أى عامل توتر يدفع أيا من الطرفين إلى إحداث تغيير فى معادلة العلاقات القائمة حاليا مادامت محكومة بإطار من التفاهم والتنسيق .

ولاشك أن إحدى المسائل الشائكة فى هذه العلاقة الثنائية تتمثل فى معضلة تطبيع العلاقات مع إسرائيل وفى هذا المجال لابد أن أشير إلى أن تلك القضية لم تعد مطروحة بالشكل الملح الذى كان قائماً منذ فترة, فمن ناحية حرصت الدولة المصرية على ألا تتعامل مع هذا الموضوع بسياسة مخالفة للإرادة الشعبية التى لا تزال غير متوائمة مع مسألة التطبيع ارتباطاً بسياسة إسرائيل تجاه الفلسطينيين بصفة عامة والمسجد الأقصى بصفة خاصة , ومن ناحية أخرى لم تعد إسرائيل تثير هذا الأمر بنفس أسلوبها القديم باعتبار أن تطور الأوضاع فى المنطقة العربية يصب فى مصلحتها وأن عامل الوقت سيكون كفيلا بأن تحقق أهدافها بصورة تدريجية وأن التطبيع سيأتى حتماً بعد أن تكون قد مهدت له الأرضية المناسبة .

ونأتى إلى السؤال الذى يفرض نفسه هل نحن فى حاجة إلى إعادة تقييم علاقاتنا مع إسرائيل فى هذه المرحلة وماهو الدافع لذلك ؟ وللإجابة على هذا التساؤل أوضح رؤيتى فى النقاط الست التالية : -

1- الوضع الحالى الذى تتسم به العلاقات المصرية الإسرائيلية يعد وضعاً مقبولاً ولا يوجد ما يستدعى أن نغير من شكله أو مضمونه إلا بقدر ما تمليه علينا مصالحنا وفى ظل حسابات دقيقة لكل خطوة نخطوها فى هذا الاتجاه .

2- دعم علاقاتنا مع الولايات المتحدة وهى بالقطع علاقات إستراتيجية نحرص عليها يتطلب ألا تتأثر علاقتنا مع إسرائيل سلبياً أو يحدث ما يمكن أن يهدد استقرار معاهدة السلام مادام الطرف الآخر ملتزما من جانبه.

3- عدم حل القضية الفلسطينية يعد أحد مهددات الأمن القومى المصرى وبالتالى فإن العلاقات مع إسرائيل تمثل إحدى أدواتنا من أجل التوصل إلى حل لهذه القضية المحورية رغم كل المعوقات السابقة والحالية وأهمها استمرار الرفض الإسرائيلى لمبدأ حل الدولتين.

4- بات من الضرورى أن يكون هناك تنسيق مصرى - عربى فيما يتعلق بشكل العلاقة المستقبلية مع إسرائيل , صحيح نحن لا نحجر على أى دولة تتحرك لضمان مصالحها ولكن يجب أن تكون هناك بعض القواسم المشتركة المتوافق عليها ومن أهمها كيفية استثمار أى علاقات مع إسرائيل لمصلحة حل القضية الفلسطينية التى إن لم يحمل العرب مسئولية حلها فلن يحملها عنهم أى طرف آخر .

5- أهمية أن نكون على وعى وتفهم كاملين بأن نيتانياهو سيحاول أن يهدم مبادرة السلام العربية وهى المبادرة الوحيدة المتكاملة المطروحة حتى الآن لحل الصراع العربى الإسرائيلى بل سيحاول أن يفرغ أى تحركات أو مبادرات أخرى من مضمونها كسباً للوقت وإظهاراً لتوجهه نحو السلام ودعماً لوضعيته الداخلية بعيداً عن تقديم أى تنازلات بل سيحاول الحصول على مكاسب من خلال سعيه لإقامة علاقات إسرائيلية - عربية أيا كان شكلها دون مقابل يمكن أن يسهم فى حل القضية الفلسطينية , ولا شك أن تشكيلة واتجاهات الائتلاف الإسرائيلى الحاكم تؤكد استحالة أن يكون له أى توجه سلمى .

6- التطورات المتلاحقة فى كل من سوريا وليبيا والعراق واليمن يجب أن تحظى بأولوية الاهتمامات العربية وليس البحث فى كيفية تطوير العلاقة مع إسرائيل المستفيدة بشكل كامل من تردى الأوضاع العربية , مع الأخذ فى الاعتبار أن النتائج المترتبة على هذه الصراعات وأسلوب حلها سوف تؤثر بالقطع على وضعية باقى دول المنطقة سواء فى حاضرها أو مستقبلة .

الخلاصة كما أراها أن مسألة تطوير العلاقات العربية مع إسرائيل تعد أمراً شديد الحساسية فى الوقت الراهن وتتطلب بعض التنسيق العربى دون أن أغفل حق أى دولة فى أن تقيم علاقاتها مع أى طرف تحقيقاً لمصالحها الإستراتيجية , ولكن يجب أن يكون هذا التوجه العربى دون هرولة ومشفوعاً برؤية متكاملة وبشروط محددة وعلى رأسها حل القضية الفلسطينية التى نتحمل جميعاً مسئوليتها التى علينا بدء التحرك الجاد لدفعها للأمام , أما كل من يحاول أن يزايد بمقولة إن مصر هى أول من أقامت علاقات مع إسرائيل فيجب عليه أن يتمعن فيما قدمت مصر لقضيتها الفلسطينية على مدى تاريخها كما عليه أن يراجع بتجرد وموضوعية جوهر التحرك المصرى منذ مبادرة الرئيس الراحل أنور السادات وتوقيعه فى سبتمبر 1978 ما يسمى إطار السلام الشامل فى الشرق الأوسط الذى تضمن قسمين رئيسيين أولهما مبادئ التسوية فى كل من الضفة الغربية وقطاع غزة التى نصت على ضرورة تنفيذ جميع بنود قرارى مجلس الأمن 242 و338 من أجل التوصل إلى السلام الشامل والعادل , وثانيهما إطار اتفاق سلام بين مصر وإسرائيل كخطوة مهدت لتوقيع معاهدة السلام فى مارس 1979 .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد