يعيش الشعب الفلسطيني حالة من الترقب لما سيكون عليه المشهد الداخلي الفلسطيني في أكتوبر القادم بعد إجراء انتخابات البلديات المحلية، وما سيترتب على نتائج هذه الانتخابات. يتطلع الجميع إلى انتخابات محلية نزيهة وقوية قادرة على إحداث التغيير حسب رغبات الجماهير، وبالتالي تصبح مشاركة الجميع في الانتخابات مطلباً وطنياً.

يعتبر إجراء الانتخابات أحد جوانب التنمية السياسية التي تتضمن تنمية روح المواطنة والولاء والمشاركة السياسية في المجتمع ولاسيما عند الشباب الذي يعتبر أساس المجتمع وتمثيله الأكبر.

إن العمليات الديمقراطية التي تجري على أسس سليمة وبشكل دوري من عدمه هي مؤشر على مدى تطور أو تخلف فكر المجتمع وما ينطوي عليه من أزمات متلاحقة تواجه عمليات صنع القرار السياسي، ومناحي تنمية المجتمع بأوجهها وأشكالها المختلفة. ولا يختلف أحد على أن غياب الديمقراطية، أو بقاء صورها ونتائجها البالية لفترات طويلة من الزمن هو أحد صور التفرد بالقرار على غير وجه حق، وسلطة غير معبرة عن الرأي العام وتهميش لأجيال جديدة من حقها المشاركة في التغيير.

إن عملية اجراء الانتخابات هي ذات دلالات في تنمية وتحسين الفرد والمجتمع والدولة من خلال التنمية الاجتماعية والسياسية والثقافية. لذا كانت الأزمات السياسية مستعصية في الدول النامية عموماً نظراً للغياب الواضح لمؤسسات المجتمع المدني، وغياب أسس تدعيم الديمقراطية والتي لها انعكاساتها على أوجه التنمية في المجتمع.

يتسم إشراك الشباب في العملية السياسية أهمية كبيرة، لا سيما أن قدرته على إجراء الحراك كبيرة وهو ما كان واضحاً في ثورات الدول العربية التي جرت على مدار الأعوام الأخيرة معتمدين على تأثير الأدوات المساعدة كمواقع التواصل الاجتماعي من أجل نشر أفكارهم ورؤيتهم السياسية. ومن المعروف أن الشباب استطاع بحراكه الإطاحة بأنظمة استبدادية في بلاده.

يمثل الشباب ما نسبته 30% من المجتمع الفلسطيني حسب احصاءات التقارير الرسمية الصادرة عن جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني. ويعتبر الشباب الفلسطيني مسيس بطبيعته نظراً لظروف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والظلم الذي عاشه أبناء الشعب الفلسطيني وهي ظروف ساهمت في إكساب الشباب الفلسطيني الوعي السياسي اللازم تجاه قضيته باعتباره عماد المجتمع، ومحرك الثورة والعمل النضالي ضد الاحتلال، والذي تم ممارسته من خلال الكتل والاتحادات والمجالس الطلابية، والتنظيميات السياسية والأطر الجماهيرية والعسكرية خلال زمن الانتفاضات والتي أدت إلى تعميق التسيس داخل المجتمع الفلسطيني عامة، وبين صفوف الشباب خاصة.

انطلاقاً من أهمية المشاركة السياسية للشباب في الانتخابات المحلية، وما يترتب على هذه المشاركة من حقوق وواجبات؛ يطالب شباب غزة بتشكيل قوائم انتخابية شبابية، من أجل مشاركة فاعلة وناجحة نحو تعزيز حقوقهم في الترشح والاقتراع في انتخابات الهيئات المحلية المزمع عقدها في أكتوبر القادم، وحقهم في تمثيل شريحتهم في المجتمع وتوصيل صوتهم.  

إن شباب غزة بحاجة إلى جهود توعية وتثقيف مكثفة تستهدف شريحة الشباب حول السن القانوني للترشح، وآلية الترشح والأنظمة ذات العلاقة وأن يكون بناء على برامج انتخابية لأصحاب الكفاءة، من أجل تعزيز دور وقدرات الشباب في الوصول إلى مراكز صنع القرار والانغماس الحقيقي في هذا المجال.

زاد العدد الحالي للناخبين في غزة عنه في انتخابات المجلس التشريعي التي جرت سنة 2006، وهو ما يعني وجود شباب يحق له الانتخاب والتصويت باعتباره جزءاً أساسياً من النظام السياسي الديمقراطي الفلسطيني وتدعيم أسس الديمقراطية في المجتمع وعملية صنع القرار، ومصدر قوة للشعب.  

إن المشاركة السياسية بشكل عام، ومشاركة الشباب بشكل خاص أحد المبادئ الأساسية لبناء مجتمع راشد قادر على تحقيق التنمية الاجتماعية، وتدعيم أسس الديمقراطية والحكم الرشيد تحقيقاً لبناء الوطن وتعزيز سيادته وأمنه واستقراره ووحدة أراضيه، وإعمالاً بتحقيق أهداف التنمية الشاملة، على أن تتاح الفرصة أمام الجميع للقيام بالمسئولية الاجتماعية تجاه مجتمعهم، والمشكلات المشتركة التي تواجههم، والرغبة في تحويل أهدافهم إلى واقع ملموس.

يؤمن الجميع بأهمية دور الشباب في العملية التغيير وصنع القرار إلا أن أخرين يرون أن الشباب وتحديداً صغير السن لا يمتلك المقومات الحقيقية المطلوبة، بحيث لا يحق له الترشح في الانتخابات، وهو ما يعد تغيباً لدور الشباب الفاعل في هذه العملية الحيوية. ويعتبر غياب دور الشباب في المشاركة السياسية الفاعلة والحقيقية الجادة هو استبعاد واضح لدورهم الفعال في عمليات التغيير وصنع القرار السياسي.

إن المشاركة السياسية بحد ذاتها عدة مستويات، أعلاها تلك التي تمتاز بشروط توفر الكفاءة المطلوبة من أجل الترشح للمنصب العام، أما المستوى الثاني فيكون من خلال حق الانتخاب والتصويت في الانتخابات المحلية والعامة من أجل فرد أو حزب تحقيقاً لما فيه المصلحة. في حين أن أسوء أنواع المشاركات هي التهميش في العمل السياسي والمقصود به ممارسة اللامبالاة وتهميش الجانب السياسي في الحياة إلا حين وجود تهديد على المصالح، أما النوع الأخير من صور المشاركات السياسية هي التي يختص بها المتطرفون السياسيين الذين يعكفون عن الحياة السياسية ويلجئون إلى العنف والتطرف عوضاً عن المبادئ الديمقراطية.

مارس الشباب الفلسطيني خلال فترات الانتفاضة وضمن الأطر التنظيمية والسياسية المتاحة وقتها العمل السياسي تجاه تحقيق أهدافه في النضال والتحرير، إلا أن تهاوت أمال الشباب بعد اتفاق أوسلو، حيث بنيت السلطة والوطنية الفلسطينية على أكتاف الشباب الفلسطيني في غزة والضفة.

إن الانتخابات ليست نهاية مطاف، إنما بداية لإحداث التغيير على مستوى القرار
من خلال عملية ديمقراطية تنافسية حرة ونزيهة، لذا وجب علينا احترام الانتخابات وقبول نتائجها  مهما كانت، والعمل على أن تجرى الانتخابات بشكل دوري.

إن تطوير رؤية واستراتيجية سياسية واضحة تؤمن بأهمية المشاركة السياسية للشباب في العمل المحلي لضمان وصول عدد أكبر من الأشخاص المؤهلين لعضوية المجالس هو مطلب جماهيري من التنظيمات والأحزاب القائمة من خلال تخطيط تنموي شامل مع تقديم الدعم المتنوع والكافي. 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد