لا يزال السؤال مطروحاً حتى الآن... كثيرون يودون الاحتفاظ بطقوس شهادة الثانوية العامة ، وليس من المبالغة القول، إن هؤلاء ليسوا سوى بقايا المتمسكين بالتقاليد السلفية، وهم من رافضي التجديد، على الرغم مِن أنهم جدَّدوا حياتهم مئات المرات، واستبدلوا السيارات بالحمير، والبغال، منذ زمنٍ بعيد، واستبدلوا الجينز، ومنسوجات الترغال، بالعباءات الوبرية، وانتقلوا من الخيام إلى مرابع الإسمنت، ومجالس ديكورات الجبس، وجلسوا على الكنب الفاخر، بدلا من النوم على حصير وبر الماعز والجِمال.
مجتمعنا غريبُ الأطوار، فالناس يطربون، ويُطلقون الرصاص عشوائيا، ويقتلون الأبرياء بادِّعاء الفرحة، ويصنعون الولائم لنجاح الأبناء في شهادة الثانوية العامة، والغريب، أنهم أنفسهم لا يقيمون اعتبارا للحاصلين على شهادة الماجستير، والدكتوراه، ولا يحتفلون بالشهادتين!
إنها طقوس (التقاليد)، تقاليد القبيلة العربية التقليدية، هذه التقاليد تنتعش اليوم في ظل أحدث حضارة تكنولوجية رقمية متقدمة، ما يحدثُ نقيضُ الواقع، غير أن التفسيرَ السهل والواضح يقول: إن المُحبَطين، وغير القادرين على ركوب موجة الحضارة الجديدة، ينتكسون، ويُحبطون، فيعودون إلى شرانقهم القبلية، ويشرعون في إحياء طقوسهم القبلية الخاصة، كدفاعٍ عن النفس.
وما أخشاه أن تعود لنا مرة أخرى طقوس القبلية، بإشهار الأفراح بمناسبة ختان المواليد الذكور، وأن نستأجر البكَّائين، والبكَّاءات، وندفع لهم نظير بكائهم الزائف على موتانا ليبكوا بالنيابة عنا في الجنازات، كما في بعض البلدان تعبيرا عن العِزَّة القبلية!!
ومن أخطر مظاهر هذه الانتكاسة، أن كثيرا من رافضي العولمة، ومشوِّهي الأديانَ بالتُرَّهات يتحولون إلى متطرفين، يحاربون العولمة الجديدة، ثم يُصبحون إرهابيين!!
نجح معظم دول العالم في إشفاء شعوبها من مرض القبلية بالحضارة والتقدم، وما التوجيهي سوى مرحلة عادية، تشبه مراحل التعليم الأخرى، لذا فإنهم قرروا التخلص من الضغط النفسي الأسري، فجعلوا هذا التعليم شاملا كالجامعة، فالمتفوقون لا يُضارون في هذا النظام، كما أن التفوق في النظام الجديد سيكون له طعمٌ خاص، حين يفلح الطالب في تقصير روتين المدة في النظام التقليدي، وينضم إلى الجامعة في غير الموعد الرسمي المحدد، وسيتخلص نهائيا من كوابيس غرف العزل، والمراقبة، وشرطة متابعة الأعين، وسهو المصححين، في اللجان التقليدية.
إن نجاحنا في تصميم نظام جديد للتعليم، له فلسفة مستمدة من روح النضال الوطني الفلسطيني، الممزوج بالتاريخ، والمُحلَّى بعبق التقدم التكنولوجي، هو كفاحٌ نضاليٌ بطولي يُعزِّز صورتنا الفلسطينية عند دول العالم، باعتبارنا شعبا يستحق الحرية، فقد احتفل العالمُ بفلسطين في شهر آذار الماضي 2016، حينما فازت المعلمة الفلسطينية، حنان الحروب بصفتها أفضل معلمة في العالم لمادة العلوم، فازتْ على ثمانية آلاف معلم ومعلمة من كل أنحاء العالم، كانوا مرشحين لجائزة، جيمس فاركي العالمية، وكان هذا الفوز فوزا وطنيا فلسطينيا رائعا!
واحتفل بنا العالم قبل ست سنوات، لأننا ابتدعنا أفضل الطرق في التدريس عن بعد باستخدام شبكة الإنترنت، ردا على الإغلاقات والحواجز، ومنع الطلاب من قبل سلطات الاحتلال من الوصول إلى مدارسهم، ولكننا، للأسف، لم نقم بتطوير هذه الثورة.
تذكروا أن تطوير التعليم ليس إجراءً إداريا تربويا في فلسطين، بل هو عمل نضالي بطولي، يُعزز كفاحنا في مواجهة الاحتلال، ويدحض شائعة الاحتلال المشهورة: [نربي أبناءنا ليُقتلوا] لنُظهر الحقيقة الصادقة للعالم:
نحنُ نربي أبناءنا للنبوغ، والنجاح، ولا نربيهم للهجرة، أو الانتحار!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية