2014/08/19
150-TRIAL-
حسب ما قاله ممثل حركة حماس في الوفد الفلسطيني التفاوضي، موسى أبو مرزوق، فإن الجانب الإسرائيلي، عاد من العطلة الأسبوعية بتعديلات على آخر نسخة من الورقة المصرية، المطروحة بين الجانبين بهدف التوصل الى وقف لإطلاق النار بينهما، الى المربع الأول، وفي التفاصيل، قيل بأن التعديل الإسرائيلي، طالب بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية، بما يرجح عدم قدرة الطرفين على التوصل الى اتفاق خلال الحلقة الثالثة من الهدنة الإنسانية بينهما، وبما يطرح عدداً من التساؤلات، ليس حول مآل هذا الفصل من الاشتباك التفاوضي بين الطرفين فقط، ولكن حول مستقبل حالة الهدوء الحذر أو المؤقت، التي شهدتها غزة خلال الأسبوعين الأخيرين بعد شهر دامٍ، لم تشهد له من قبل مثيلاً.
في الحقيقة، إنه كان واضحاً منذ البداية أن التوصل إلى اتفاق، يبدو أمراً صعباً للغاية، أو حتى مستحيلاً، وهذا ما برر منطق الاتفاق على وقف لإطلاق النار أولاً، ومن ثم التفاوض حول تهدئة، كما جرت العادة من قبل، أو هدنة طويلة الأمد، أو حتى مفاوضات سياسية، تحل كل الملفات العالقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، جملة واحدة، والى الأبد.
وحتى الآن، تدحرجت فكرة الاتفاق على وقف النار، خلال ثلاث حلقات من الهدنة الإنسانية المؤقتة، كانت مدة أول وثاني تهدئة منها ثلاثة أيام ( 72 ) ساعة، والثالثة _ بسبب من يومي الجمعة والسبت، وبسبب الحاجة الى العودة للمرجعيات السياسية _ كانت ( 120 ) ساعة أو خمسة أيام، لم تفض كل هذه المباحثات إلا إلى طرح الأفكار، وعدم قبول أي من نسخ الورقة المصرية، التي ما زالت تعتمد الفكرة الوسيطة، المتمثلة بمحاولة التوصل للاتفاق عبر مرحلتين.
لكن على ما يبدو، أن كلا الطرفين : الجانب الإسرائيلي من جهة، وحركة حماس من جهة الوفد الفلسطيني، كل منهما وجد نفسه في ورطة، وفي حين يدعي كل منهما تحقيق النصر على الأرض، وبالتالي يفترض جدلاً، ان ينعكس ذلك على الطاولة، وفي ورقة الحل، لذا فهما _ ورغم أن الجانب الإسرائيلي، يبدو أنه يوافق على وقف دائم لإطلاق النار _ إلا أن الجانبين، غير جاهزين للاتفاق، فـ "حماس"، لا يمكنها أن تقبل اتفاقا لا يستجيب لكسر الحصار، والذي صار عنوانه: معبر رفح ، المطار، والميناء، حتى تبرر حجم التضحية التي جرّت لها قطاع غزة بأكمله، ولأنها تعلم أن هذه آخر مواجهة، وهي في طريق تسليمها القطاع للسلطة الفلسطينية، حتى تحسّن من وجودها على الأرض، وحتى تضمن مكانة مقررة، حتى بوجود السلطة رسمياً في القطاع. كذلك إسرائيل، لا يمكنها، بعد ان أقدمت على المغامرة العسكرية، ودفعت عشرات القتلى، ان تتوقف عن متابعة تحقيق الهدوء والأمن لبلداتها الجنوبية، بعد ان أعلنت بأن العملية العسكرية قد حققت أهدافها، لذا فإن الاتفاق سيكشف حقيقة هذا الادعاء.
بشكل صريح، أعلن كل طرف عما في جعبته لمواجهة استحقاق عدم التوصل لاتفاق وقف النار، وإن كان المرجح ان تنجح مصر مجدداً في التمديد للوقف المؤقت، فـ "حماس" هددت بحرب استنزاف، ويعني ذلك مواصلة إطلاق الصواريخ بشكل متواتر، بما يفرض على إسرائيل أن تظل في حالة استنفار أمني، بما يعطل عملياً كثيراً من مجالاتها الاقتصادية الحيوية ( مثل مطار بن غوريون )، فيما إسرائيل تهدد بعدة إجراءات، منها إصدار قرار من مجلس الأمن يفرض وقف النار، إعلان أحادي الجانب لوقف النار، و / أو مواصلة القصف الجوي، وحتى التوغل البري، وربما توسيع العملية بالدخول على خط الاغتيالات.
وبالطبع، فإن ذلك يعني استمرار الحصار، وعدم البدء في إعادة الإعمار، كذلك التراجع عن جزرة تخفيف حالة الحصار، بما في ذلك إعلان إسرائيل أول من أمس بالسماح، في المناطق الهادئة، بالصيد لمسافة ثلاثة أميال بحرية.
في الحقيقة، تبدو إسرائيل، التي تعاني من إدانة عالمية غير مسبوقة، على المستوى الشعبي خاصة في أميركا وأوروبا، والتي تقع تحت طائلة التهديد بالمقاضاة في المحاكم الدولية، موحدة داخلياً، مقابل مظاهر عدم التوحد الداخلي الفلسطيني، على الأقل فيما يتعلق بجوهر المبادرة المصرية، ثم فيما يتعلق بالمطالب الفلسطينية ذاتها، فمطالب "حماس" رغم أن الحركة تحاول ان تظهرها على أنها نهائية ووطنية، إلا انه يؤخذ عليها أنها مطالب خاصة بغزة، فهي لا تذهب إلى أكثر من كسر الحصار عن غزة، وتنسى احتلال الضفة و القدس ، وهي بذلك تعيد مجددا الخشية الفلسطينية من فصل غزة عن الضفة في المصير، ولأن أبو مازن يرفض فعلياً أن يمر هذا الفصل من تحت عباءته، بادعاء أنه مرجعية الوفد، وأنه المسؤول عن غزة، وفي الواقع، الأمر غير ذلك، لذا سارع للمطالبة بإنهاء الاحتلال، وليس فقط كسر حصار غزة، وللدعوة لمؤتمر دولي (من عشرين دولة، منها خمس دول دائمة العضوية في مجلس الأمن وخمس دول عربية) يتوصل بضمانة دولية الى تحديد موعد لإنهاء الاحتلال.
ان عدم التوصل لاتفاق يعكس أن المواجهة ميدانياً لم تكن حاسمة، ولم تكن أكثر من فصل من فصول الاشتباك بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لذا فإنه ما لم يتم تعديل إستراتيجية المواجهة، نعني بذلك فتح جبهة المواجهة في الضفة، والإعمار والتنمية في غزة، فلن يحقق الفلسطينيون مجتمعين _ فضلا عنهم منفردين _ شيئاً مهماً أو حاسماً، فيما يبقى الصمود التفاوضي، أضعف الإيمان، ولذا فإن بقاء الحال، على حاله _ الهدوء مقابل الهدوء، أو القصف مقابل القصف _ سيكون أرجح الاحتمالات، ومن شبه المستحيل أن يظهر فجأة اتفاق اللحظة الأخيرة!
Rajab22@hotmail.com 19
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية