جاءت الانتخابات المحلية الفلسطينية لكي تحرك المياه الراكضة، في بحر الانقسام السياسي الفلسطيني، حيث يعتبر تكرار العملية الانتخابية دليل قوة وتماسك الأنظمة السياسية، لأن مبدأ الانتخابات المتكررة أحد أهم مظاهر النظام الديمقراطي وفق النموذج الليبرالي الغربي، والذي يستند إلى مبدأ تداول السلطة بشكل سلمي عبر صندوق الاقتراع في كل ما يتعلق بإدارة الشأن العام المحلي والساسي، الأمر الذي يعطي للعملية الانتخابية وإجراءاتها أهمية كبيرة في قياس مدى ديمقراطية أي نظام سياسي من عدمه.
وتعتبر المشاركة السياسية أحد أهم مبادئ الدولة الوطنية الحديثة؛ مبدأ يمكننا أن نميز في ضوئه الأنظمة الوطنية الديمقراطية، التي تقوم على المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات، من الأنظمة الاستبدادية، الشمولية أو التسلطية التي تقوم على احتكار السلطة في يد فئة صغيرة.
وقياساً على هذا الأمر تأتي الانتخابات المحلية الفلسطينية التي قد تساهم في تعزيز المشاركة السياسية الفلسطينية، في فترة غاية في الصعوبة والتعقيد، خاصة مع وصول المصالحة والمفاوضات لطريق مسدود، مع تردي للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في قطاع غزة ، وتوتر للأوضاع الأمنية والسياسية في الضفة الغربية، لكي تطرح مجموعة تساؤلات مشروعة، التي تتمحور حول: لماذا هذه الانتخابات الآن؟ وهل هذه الانتخابات قد تقود لمخرج لأزمة النظام السياسي الفلسطيني؟، أم سوف تساهم في تعقيد المشهد الفلسطيني والمعقد أصلاً؟
فقد تحمل الانتخابات المحلية الفلسطينية القادمة الداء والدواء معاً، وقد تكون المخرج من الأزمة، وقد تساعد على تعميق أزمة النظام السياسي الفلسطيني، وتساهم في الرجوع إلى المربع الأول، وإلى نقطة الصفر من جديد، فهذه الانتخابات تحمل الشيء ونقيضه، في نفس الوقت، ولكن كل ذلك يتوقف على طريقة تعاطي القوى السياسية الفلسطينية مع هذه الانتخابات، وما بعدها، وما يترتب عليها من نتائج.
فالخطورة تمكن من هذه الانتخابات، قد تعيد فترة الدعاية الانتخابية وما قبلها وما بعدها خطاب الكراهية والتكفير والتخوين مرة أخرى للساحة الفلسطينية، بعد فترة غياب، وتعود الأمور في الحالة الفلسطينية للمربع الأول، مربع النكاف السياسي بين أطياف العمل السياسي الفلسطيني، الذي أنتج الانقسام والاقتتال الداخلي بين الأخوة وأبناء الشعب الواحد، وهنا الخطورة في موضوع الانتخابات المحلية، خاصة في ظل تصاعد حدة التصريحات السياسية حول السجل الانتخابي، وظهور بعض الرسومات المسيئة لبعض القوى السياسي، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فهذه أول انتخابات فلسطينية تجرى في ظل الفيس بوك ووسائل التواصل الاجتماعي الأخرى التي سوف تعلب دوراً محورياً في الدعاية الإيجابية والسلبية معاً، فهذه الوسائل لا تخضع لمراقبة أو إشراف لجنة الانتخابات المركزية، وبالتالي، تكمن خطورة هذه الانتخابات أن تعيد انتاج خطاب الكراهية مرة أخرى.
ولكن ورغم كل تلك التحفظات وعلامات الاستفهام التي تحيط بالعملية الانتخابية، يعتبر مجرد إجراء الانتخابات المحلية خطوة في الاتجاه الصحيح، ومقدمة مهمة للخروج من الأزمة، ولكن هذا الأمر يتوقف على قدرة القوى السياسية الفلسطينية، ورغبتها بالخروج من المأزق الداخلي من جهة، وطبيعة النتائج التي سوف تتمخض عنها الانتخابات المحلية من جهة أخرى.
بمعني أخر أذا تمخضت الانتخابات المحلية عن نتائج ترضى عنها كل القوى السياسية الفلسطينية، بما يضمن تمثيل كل القوى السياسية حسب قوتها بالشارع الفلسطيني، قد يشكل ذلك مقدمة مهمة للذهاب للانتخابات التشريعية والرئاسية، وتكون الحالة الفلسطينية عند آذن أقرب للتوافق من استمرار الانقسام، ولكن إذا تمخضت نتائج الانتخابات المحلية عن واقع لا يرضى عنه أحد أطراف الانقسام، بسبب الفارق الكبير في نتائج الانتخابات المحلية، فنحن أقرب إلى استمرار الانقسام من التوافق، باعتبار أن الطرف الخاسر للانتخابات لن يحاول تكرار التجربة في المنظور القريب.
وعليه يمكن القول أن الانتخابات المحلية تعتبر بلون اختبار، ومقياس حقيقي لقوة وجماهيرية القوى السياسية الفلسطينية في الشارع الفلسطينية، فرغم أنها انتخابات محلية، إلا أنها تأخذ البعد السياسي والتنظيمي والأيديولوجي والعائلي في كثير من المناطق، الأمر الذي يعني أن الحالة الفلسطينية مقبلة على منحى خطير، قد يشكل مخرجاً من حالة الانقسام الفلسطيني، وقد تؤدي لتعميق المأزق الداخلي الفلسطيني، ولكن كل ذلك يتوقف على مدى وعي الجمهور الفلسطيني، والقوى السياسية الفلسطينية، بضرورة عدم تكرار تجارب الماضي، مرة أخرى، وإلا نعتبر أمةً وشعباً لا يتعلم من أخطائه.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية