شكّلت النقاشات المستمرة والمستجدة على الساحة الفلسطينية حول انتخابات المجالس المحلية، الانشغال الأساسي للحراك الشعبي والحزبي في المحافظات الشمالية والجنوبية، طغت عليها أجواء الانقسام ومؤثّرات الاحتلال، ورغم أن هذه الانتخابات ذات صبغة محلية ـ خدمية أساساً، إلاّ أنها خلافاً لما هو متعارف عليه، سياسية بامتياز، شئنا أم أبينا، لا بدّ من أن يبرز العامل السياسي في ظل هذه الأجواء غير الصحية في الوضع الفلسطيني الداخلي.
ولعلّ ما يلفت النظر في هذه النقاشات، استمرار صياغة الشعارات والمناشدات بالدعوة إلى «وحدة الصف الفلسطيني»، ارتباطاً بقائمة موحدة ـ على سبيل المثال ـ لكافة القوى والأحزاب الفلسطينية، وهي دعوة عاطفية غير منطقية، إضافة إلى أنها غير واقعية، ذلك أن تشكيل مثل هذه القائمة الموحدة، من شأنها الفوز بالتزكية ودون الحاجة إلى انتخابات، في كل مدينة وقرية وبلدة، مثل هذا الأمر، يوفر نفقات العملية الانتخابات، غير أنه لا يوفر ديمقراطية مدنية على الاطلاق.
ثم من قال، ومن حيث المبدأ، أن قائمة موحدة، توفر بالضرورة وحدة عملية بين مختلف الفصائل والأحزاب؟ ثم هل نحن بحاجة إلى مثل هذه الوحدة التي لا توفر تنافساً شريفاً ومعارضة قوية، بل مجرد هيكل شكلي يتآكل من الداخل ويعتريه الضعف والهزال؟ ثم من قال إن التعددية عيب واختلال في المنظومة الوطنية، ذلك أنها ومن دون شك مطلب وطني بامتياز، في اطار الأهداف الوطنية الاستراتيجية.
وأعتقد أن هذه النقاشات والشعارات، تزايدت بعد أن أعلن القطب اليساري المشكّل من خمسة فصائل وأحزاب، تشكيل قائمة موحدة واحدة، منفصلة عن أية قوائم أخرى، خاصة تلك النقاشات التي وصلت إلى حد المناشدات، بالعودة عن هذا القرار، لصالح تشكيل قائمة واحدة باسم منظمة التحرير الفلسطينية تضم حركة فتح وكافة الفصائل والأحزاب الأخرى المنضوية تحت لواء منظمة التحرير، ربما ليس هناك من غضاضة في مثل هذا المطلب وهذه المناشدة، لولا أنها ربما تتجاهل بعض الملاحظات، في طليعتها، تحديد أكثر وضوحاً للانقسام الفلسطيني، حماس في جهة، ومنظمة التحرير في جهة أخرى، مع أن هذا التحديد ليس بحاجة إلى مثل هذه القائمة، كونه يتمثل واقعياً في أكثر من مناسبة، رغم إلحاح إعلام حركة فتح وبعض ساستها على التركيز على أن الانقسام هو بين الفصيلين، إلاّ أن مثل هذه القائمة سترسم هذا التحديد بشكل رسمي أكثر مما هو عليه الآن، وهذا خطر ربما يهدد احتمالات التوجه إلى انتخابات برلمانية ورئاسية وللمجلس الوطني الفلسطيني لاحقاً، مع الاعتراف أن مثل هذه الانتخابات لن تتحقق لأسباب أخرى، خارج اطار مناقشتنا في هذا المقال.
ثم إن حركة فتح، المتأزمة بشكل يضعف من بنيانها وهيكلها التنظيمي إلى درجةٍ تؤثّر على توجه الفتحاويين الانتخابي، من شأنه أن يضعف حماس القطب اليساري في التوجه إلى تشكيل مثل هذه القائمة، مع إدراكنا أن التصريحات العلنية لقادة فتح من كافة الاتجاهات تشدد على الالتزام بقائمة فتح، إلاّ أن التجربة أكدت على أن الميدان يختلف عن تصريحات القادة والزعماء. فحركة فتح حركة واسعة فضفاضة إلى حد أن أعضاءها غير ملزمين بالتصويت حسب رأي زعامتها بالضرورة، وهذا أمر مؤسف مع أن البعض يعتقد أن ذلك شكل من أشكال حرية التعبير والديمقراطية الفضفاضة، يضاف إلى ذلك شعور متزايد لدى أحزاب وقوى اليسار الفلسطيني، نتيجة تجارب سابقة، ان اختيارات حركة فتح، في الغالب هي اختيارات غير مرضية انطلاقاً من حسابات داخلية ضيقة، ما يقحم القائمة بغير المرغوب فيهم، ورغم أن هذا قد ينطبق نسبياً على اختيارات «اليسار» الا ان الأمر أكثر إثارة وخطورة لدى التنظيم الأوسع انتشاراً وعدداً أي حركة فتح.
أعتقد ان القطب اليساري الفلسطيني، لم يتخذ قراره إلاّ بعد دراسة دقيقة شاملة وفي اطار سيناريوهات واحتمالات عديدة وقراءة مستفيضة للواقع ومعطياته، وبعد الوقوف على نبض الشارع ومتطلباته، ومخاطر احتمالات عدم اجتياز نسبة الحسم، لكنه آثر بعد كل ذلك، تشكيل قائمته الموحدة، وهي لا شك تجربة جديدة رغم مخاطرها، إذ هناك «حسنات» لها، علينا أن نرى هذا القطب موحداً بعد خساراته المتلاحقة في التجارب الانتخابية السابقة، الأمر الذي أدى إلى المزيد من الضعف والشعبية، كما أن مثل هذه القائمة، تشكل التوازن المطلوب بين «القوى الكبرى» في الساحة الفلسطينية.
والأهم من ذلك كله، أنها تجربة ديمقراطية لا بد منها، حتى لو كانت في ظل الانقسام وتحت الاحتلال، ولا يجب أن نخشى من أية نتيجة، حتى لو كانت لصالح طرف لا نريد له النجاح، طالما أن هذا رأي الناخبين في ظل انتخابات شفّافة وديمقراطية وفي اطار الالتزام بميثاق الشرف وقواعد الحملات الانتخابية، هنيئاً للمنتصر!!
Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد