من المفترض أن تعقد الانتخابات المحلية في الثامن من تشرين الأول القادم، وفقاً لقانون رقم (10) لسنة 2005، وبالفعل، فقد جرت الانتخابات المحلية وفقاً لهذا القانون، على المرحلتين الثالثة والرابعة في نفس العام، كما جرت، أيضاً، في عام 2012 في الضفة الغربية دون قطاع غزة وفقاً لأحكام هذا القانون.
وهناك ـ باعتقادي ـ ما يجب التوقف عنده إزاء بعض ما جاء في هذا القانون، والمتعلق أساساً بنسبة الحسم، إذ يبدو أن واضعي هذا القانون لم يأخذوا بالاعتبار أية إمكانية لمتغيرات حقيقية على الساحة الفلسطينية، وعلى الأخص، إمكانية فوز حركة حماس في الانتخابات البرلمانية، ما يشير إلى مدى قوة جماهيريتها، ثم وهو الأهم، الانقسام الذي حدث والذي أدى إلى انفصال واقعي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ذلك أن تحديد نسبة الحسم بثمانية بالمئة، هو أمر غير اعتيادي وغير مسبوق ـ حسب علمي ـ في أية انتخابات محلية أو برلمانية، إذ أن هذه النسبة من شأنها أن تخدم الأحزاب والقوى الكبيرة ذات الجماهيرية الواسعة، مع حرمان الأحزاب الأخرى، الأقل جماهيرية وكذلك المستقلين وممثلي المجتمع المدني من تجاوز نسبة الحسم العالية، وباختصار، فإن واضعي هذه النسبة فكروا بالفوز المطلق لحركة فتح دون سواها، إذ أن في تصور هؤلاء، وهو تصور أثبت قصوره، أنها الفصيل الأكبر والأوسع انتشاراً والوحيد القادر على تجاوز نسبة الحسم.
وللتذكير فقط، فإن نسبة الحسم وفقاً لقانون الانتخابات المحلية لدى الدولة العبرية تمت مضاعفتها لتصل إلى 1.5% في  العام 2014، عندها ثارت ثائرة الأحزاب متوسطة الحجم ناهيك عن الصغيرة، باعتبار هذه النسبة تهدف إلى إبعادها عن خريطة الحكم المحلي.
قد تكون النسبة العالية للحسم في الانتخابات البرلمانية مطلوبة في بعض الأحيان، لضمان فوز الأحزاب الكبرى القادرة على استقرار نظام الحكم بعيداً عن مناورات الأحزاب الأقل جماهيرية، ويسهل عملية الائتلاف بين الأحزاب الكبيرة لصالح هذا الاستقرار، لكن ولكون الانتخابات المحلية، ذات طابع خدمي بالدرجة الأولى، فإنه من الأولى أن تتدنّى نسبة الحسم، لتشارك مختلف القوى في المجتمعات المحلية في هذه الانتخابات والمشاركة في صناعة القرار على مستوى البلدية أو المحافظة أو المجلس البلدي، وهو أمر مرغوب ومطلوب في اطار الحكم المحلي.
من شأن نسبة الحسم هذه، ثمانية بالمئة، أن تجبر مختلف القوى على الائتلاف القسري في بعض الأحيان، في سبيل صياغة قائمة يمكن لها أن تجاوز نسبة الحسم، نظرياً هذا الأمر ليس سلبياً، إلاّ أنه بالنظر إلى الواقع الفلسطيني الحالي، وبناءً على تجارب انتخابية سابقة، رأينا أن مثل هذه الائتلافات لا تحقق الهدف المطلوب.
وإذا كان البعض يرى أن مثل هذه الائتلافات قد تشكل خطوة أساسية لفتح الطريق المغلق أمام التسوية الداخلية، أي المصالحة، فإن هناك من يرى أنها قد تؤدي إلى العكس، أي ترسيخ الانقسام والانتقال به إلى مرحلة الانفصال، وعلى سبيل المثال، هناك دعوات لصياغة قائمة موحدة بين كافة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، للوهلة الأولى يبدو أن هذه الدعوة، دعوة نبيلة وتعيد الوحدة لمنظمة التحرير الفلسطينية، غير أن مثل هذه الخطوة من شأنها تعزيز الانقسام بين حركة حماس وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وفي حال خاضت حركة فتح وحدها في قائمة منفصلة ـ مع استحالة ذلك على ضوء واقع الحركة ـ فإن ذلك سيدفع بالتيار الديمقراطي أن يشكل قائمة خاصة به، إلاّ أن مدى نجاح هذه القائمة في تجاوز نسبة الحسم محدودة للغاية، خاصة أن مثل هذه الانتخابات تجري في اطار قبلي عائلي مناطقي، أكثر من كونه اطاراً حزبياً ملزماً.
حركة حماس ربما تكون مهيأة أكثر من غيرها للدخول في تحالفات مع فصائل وأحزاب من منظمة التحرير الفلسطينية، ليس خشية من عدم تجاوز نسبة الحسم، ذلك أن إمكانيات ذلك مضمونة أكثر من غيرها، نظراً لجماهيريتها الواسعة من ناحية، ولقدرتها على إلزام أعضائها بالتصويت لصالح قائمتها، إلاّ أن حركة حماس، ربما تكون معنية بوصول ممثلي الأحزاب والقوى الأخرى لمشاركتها في قيادة هيئات الحكم المحلي، مع الإبقاء على سطوتها على هذه الهيئات، وفي هذه الحالة تقدم حماس نفسها باعتبارها تقبل الشراكة والمشاركة، وأنها لا تنفرد بالسيطرة والسطوة، مع أنها في نهاية الأمر، هي صاحبة القول الفصل بكل مستويات القرار، وبحيث تبقى هذه المشاركة أو الشراكة مجرد وهم خادع، لكون الشريك مجرد تابع ليس لديه من أدوات الشراكة سوى الاسم.
إن نسبة الحسم، شبح يهدد هذه الانتخابات، إلاّ أن ذلك ليس مدعاة للتنصل من هذا الاستحقاق، وعلى كافة الأطراف إعادة النظر بهذه النسبة بعد إجراء الانتخابات الحالية وفقاً لهذا القانون غير العادل والأقل إنصافاً!!


Hanihabib272@hotmail.com

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد