217-TRIAL- لقد باتت غزة تشكل نموذجا لكل النظريات والتفسيرات الدولية التي تحاول إن تقدم نموذجا للعلاقات الدولية بكل تعقيداتها ، وسيادة منطق القوة ، وعدم الثقة ، وتراجع القيم والمبادئ الأخلاقية لتفسح المجال أمام القوة والحرب تحت غطاء من الحق في الدفاع عن النفس ، أو ما يمكن تسميته بالحرب العادلة ،غزة اليوم تجسد كل التناقضات الدولية ، وكل التحولات في موازين القوى الإقليمية والدولية ، وتقدم نموذجا للدور المتزايد للفاعلين من غير الدول ك حماس وحزب الله ، ودورهم في تحديد مصير ومستقبل المنطقة . 
وغزة اليوم تقدم وتختزل فيها القضية الفلسطينية لدرجة لم نعد نسمع معها عن القضية الفلسطينية ، وكل ما نسمع العلاقة بين إسرائيل وحماس والمقاومة . وغزة باتت تشكل أيضا مستقبل المشروع الإسلامى وعلاقته بمشاريع التحرر العربى ، ومشاريع القومية العربية ، وغزة تقدم نموذج وخيار المقاومة بإعتباره الخيار الوحيد للتحرر رغم أن طريق التحرر الكامل طويل ومعقد ولا يغنى عن خيار التفاوض كما نري اليوم في مفاوضات التهدئة. وغزة تقدم التفسير التاريخى لتراجع القضية الفلسطينية في سلم ألأولويات وألأجندات السياسية والإقليمية والدولية ، فلم تعد القضية الأساس لكل القضايا والأولويات التي تحكم سياسات الدول. 
وغزة تقدم النموذج كيف أن الدول الساعية والباحثة عن دور صغيرة أو كبيره توظف حرب غزة لمصالحها ولدعم دورها ، بعيدا عن إعتبار أن القضية الفلسطينية أولوية عليا لهذه الدول. وتقدم غزة نموذجا لكل التداعيات التي ترتبت علي ثورات التحول العربية ، والصراع على الحكم بين ألأخوان الساعين لإحياء المشروع ألإسلامى ، والساعين للمشروع العروبى والقطرى فهناك من يرى في غزة مشروعا إسلاميا وليس فلسطينيا، وانها قاعدة صلبة للمشروع الإسلامى ينبغى الحفاظ عليه. ، ولهذا تقدم غزة نموذجا لنجاح وفشل لهذه الثورات ، وهى ما تبقى من قوة للحفاظ على المشروع الإسلامى ، ولذا غزة دخلت في دائرة جديدة من الصراع على مستوى المنطقة بصرف النظر عن فلسطينية شعبها ، وقضيتهم الوطنية .
وغزة وبرغم من صغر مساحتها ، وكبر شعبها الذي يقارب المليونين تشكل جوهر الصراع الفلسطينى الإسرائيلى ، فهى تقدم ركيزتى معادلة الصراع والحرب، وهما إسرائيل ، وحماس والمقاومة ، والعلاقة هنا تقوم علي النفى والرفض وعدم الإعتراف والقبول ، وتقوم على خيار الحرب لأن كل طرف يسعى للتخلص من الطرف الآخر ، المقاومة تتحدث عن التحرر الكامل ، ونهاية إسرائيل، وإسرائيل تتحدث عن نزع كامل لسلاح المقاومة ، وتحويلها إلى مجرد هيكل تنظيمى بلا مضمون تابع ، وكل هذا وكأن السلطة الفلسطينية التي تجسد شرعية العمل الفلسطينى من خلال منظمة التحرير على إعتبار انها مازالت وستبقى الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى . وغزة تقدم النموذج والمدخل لخيارات التفتيت والإنقسام التي تجتاح المنطقة العربية ، وبفصل غزة يسهل تقسيم الدول العربية إلى وحدات وكينونات سياسية علي أساس من المذهبية والطائفية .
وفى غزة توجد كل القوى الإقليمية والدولية ، كلها تتصارع وتتنازع وتتحارب، ووقودها الشعب الفلسطينى في غزة الذي دفع حتى كتابة هذه المقالة ما يقارب الألفين شهيد جلهم من ألأطفال والمسنيين والنساء، وتدمير أكثر من ألفى منزل بالكامل، واكثر من عشرين الف منزلا ما بين تدمير جزئى وكامل، وتدمير للبنية الإقتصادية والإجتماعية والبشرية والتعليمية والصحية ،والمقابل بضعا من الملايين التي قد تدفعها كمنحة وزكاة أو سكوت عن موقف، ويبقى السؤال هل هذا هو قدر غزة أن تعيش في دورة كاملة من الحروب والحصار التى تلتهم أطفالها كلما كبروا ؟ هل نحن نربى أولادنا من اجل الحرب؟ وهل من غزة ستتحرر فلسطين بالكامل ، وتقام الدولة الفلسطينية ؟ لا أحد يشكك في شرعية المقاومة الفلسطينية بإعتبارها وسيلة من وسائل التحرر والإستقلال، ولكن في الوقت ذاته علينا إن نعيد ألإعتبار لقضيتنا ، التي كانت في يوم من ألأيام قضية العالم كله، وهى الشهادة لمنح الوطنية العربية . 
لا يعقل وليس من المقبول إن يكون قدر غزة فقط هو الحرب والحصار، وفى كل مرة نتحدث عن إعادة إعمار ، هذه معادلة غير صحية ،لأنه لا إعمار مع الحرب والحصار، ومن شأن هذا أن يفكر اهل غزة وشبابها في البحث عن ملاذات آمنه بحثا عن حياة لأطفالهم، وهذا قد يكون أخطر نتائج وتداعيات هذه الحرب. الحرب ليست هدفا ولا غاية في حد ذاتها ، وغزة لم تخلق من أجل الحرب والحصار حتى يعيش غيرها غزة خلقت ليعيش أبنائها كما الشعوب الأخرى، في غزة شباب وعقول قادرة على صنع الحياة، الحرب دائما تتبعها مراجعة ومحاسبة لكل مجرياتها ، وما حققته من إنجازات، او من عدم قدرة على تحقيق الأهداف، قد يكون ذلك صعبا في النموذج الفلسطينى والعربى ، لغياب مؤسسات الشرعية الحقيقية ، وبعيدا عن العاطفية التي تعودنا وتربينا عليها ، وهذا حق مشروع أن نعيد مراجعة ومحاسبة كل خياراتنا ، وأن نضع أيدينا على نقاط الضعف ، والسلبيات حتى نتفادها في المستقبل فطريق التحرير طويل، وغزة لا بد أن تعود للكل الفلسطينى ، نحن في حاجة لمحاسبة أنفسنا ، ومحاسبة قادتنا ، ويبقى السؤال هل نحن في حاجة لقيادة فلسطينية جديده؟ غزة اليوم في حاجة لجهد وصدق وإخلاص في العمل من أجل البناء، وقد يكون التحرير لقيام الدولة الفلسطينة من غزة ، ولكن عبر سلطة وشرعية ورؤية فلسطينية واحده من خلال نظام سياسى أكثر ديموقراطية ومشاركة وتوافقيا، وتبقى غزة ملك كل شعبها ،في الداخل والخارج، في الضفة وغزة ،لدينا أوراق عمل كثيرة ، ولا شك إن الحرب الأخيرة قد حققت إنجازات سياسية ، وخلقت واقعا سياسيا جديدا يعمل لصالح القضية الفلسطينية . 
ولعل ابرز هذه الإنجازات فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها ألإستراتيجية التي منها ترسيخ الإنقسام والفصل، فهل يملك الفلسطينيون الإرادة والقرار الفلسطينى للإستفادة من هذه الإنجازات الإستراتيجية أم أننا وكالمعتاد سنهدرها بخلافاتنا وإنقساماتنا من جديد. وأخيرا غزة في حاجة لمراجعة خياراتها في إطار الخيار الفلسطينى المن فتح على كل الخيارات والعلاقات الإقليمية والدولية ، وبقدر نجاحنا في البعد عن سياسات المحاور والإستقطاب، وبقدر أن تكون لدينا رؤية فلسطينية خالصه ، وبقدر مراجعة مواقفنا وخياراتنا بما يتوافق ونتائج هذه الحرب، بقدر تحقيق إنجاز إستراتيجى فلسطينى يقربنا كثيرا من تحقيق أهدافنا الوطنية ، وعندها يمكن أن نترحم على شهادائنا ، ويكون الثمن الذي دفعه هؤلاء الشهداء ، وألأسرى القابعين في سجون إسرائيل ومحرومون من تنفس نسيم الحرية جديرا بذلك ، وعندها أيضا يمكن إن نخرج غزة من دورة الحرب والحصار القاتلة ولمدمرة للحياة والتفاؤل والسلام ، ولو لم يكن هناك حصار ما أندلعت الحرب وقتل من قتل ودمر ما دمر ونزح من نزح وتشرد من تشرد، ولهذا مسؤولية الحرب تقع على من حاصر وساهم وتسبب بحصار غزة .وخطأ الإعتقاد أن الحرب حتمية في علاقة غزة بإسرائيل، ولنتذكر جميعا إن لغزة خياراتها الفلسطينية . 271

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد