تقرير إسرائيلي: دولة الاردن في مهب الريح
القدس / سوا / قال موقع "ميدا" الإسرائيلي إن ثورات الربيع العربي باتت تلقي بظلالها على الأردن، التي تتمتع باستقرار نسبي، فالأحداث الأخيرة التي شهدتها المملكة الهاشمية تطرح علامات استفهام حول استمرار الهدوء.
وقبل أسبوعين في 22 يونيو اندلعت مواجهات عنيفة بين قوات الشرطة ومتظاهرين غاضبين في ذيبان إحدى أفقر المدن الأردنية، بعدما خرج آلاف الشبان للشوارع مطالبين بتقليص معدلات البطالة المتزايدة وتحسين أوضاعهم المالية. أصيب خلال المواجهات عدد من رجال الأمن، وألقت السلطات القبض على عشرات المتظاهرين.
كانت احتجاجات مماثلة اندلعت قبل خمس سنوات ونصف في تونس، لتشعل الشرارة الأولى في أحداث الربيع العربي بالشرق الأوسط. وشهدت ذيبان احتجاجات اجتماعية هي الأخرى في 2011، وحقيقة عودة الاحتجاجات الآن، تنذر حكام الدول العربية أن أصداء الربيع العربي لا تزال موجودة.
بدأت تظاهرات هؤلاء الشباب قبلنحو شهرين، وارتفعت حدتها أواخر يونيو مصحوبة بأعمال عنف. ويقدر عدد سكان ذيبان بنحو 39 ألف نسمة، يعيش معظمهم على مكاتب الإعانات أو يحصلون من الدولة على بدل بطالة ضعيف لا يكفي لتوفير حياة كريمة لهم.
وتعيش الأردن أزمة اقتصادية كبيرة، متأثرة في ذلك بانعدام الأمن الإقليمي الناتج تحديدًا عن الحرب الأهلية في سوريا. وأوجدت البطالة والأزمة الاقتصادية المتزايدة موجات احتجاج اجتماعية مصحوبة بمطالب بإحلال الديمقراطية وتغيير النظام.
كانت البطالة وغياب التمثيل السياسي، وضعف منظمات المجتمع المدني، والتحديات التي تواجه المملكة، بما فيها العمليات الإرهابية في خروج الحشود للشوارع مطالبين بالتغيير.
وحتى الآن لم تتجاوز الانتقادات الشعبية في الأردن السقف الذي أدى لاندلاع ثورات مدنية عامة في مصر وسوريا، لكن لا يمكن التكهن باستمرار هذه الأوضاع في قادم الأيام.
تشير معطيات البنك الدولي، إلى وصول معدلات البطالة في الأردن بين عامي 2014- 2015 إلى ما لا يقل عن 29%. يشار إلى أن الأردن شهدت فترات أسوأ فيما يتعلق بمعدلات البطالة. فبين الأعوام 2006-2010 وصلت النسبة إلى 33%. لكن وقتها وقبل اندلاع الربيع العربي، لم يخرج المتظاهرون في المملكة قد عرفوا طريقهم للشارع.
ومنذ نحو عقد من الزمن تضرب البلاد أزمة اقتصادية حادة، ووصلت نسبة عجز الموازنة العام الجاري إلى ذروتها. ويلزم الاتفاق الجديد الذي وقع بين السلطات الأردنية وصندوق النقد الدولي الحكومة بتقليص المدفوعات التحويلية في إطار سياسة الرعايا الاجتماعية ورفع الضرائب، وهي الخطوة التي لاقت انتقادات واسعة في البلاد.
وتعجز الأردن عن تجاوز الأزمة الاقتصادية، وشهدت تراجعا في النمو (2.4% فقط في عام 2015) رغم الجهود المضنية للملك عبد الله التي تضمنت إقالة رئيس الوزراء السابق عبد الله نسور، وحل البرلمان، والمضي نحو انتخابات عامة للبرلمان، ونقل صلاحيات تشكيل الحكومة للدكتور هاني الملقي.
يسعى الملك عبد الله لمواجهة عدد من الأزمات، في مقدمتها أزمة المياه. فالماء سلعة نادرة في المملكة التي تشكل الأراضي الصحراوية نحو 92% من مساحتها. وفي مطلع يونيو الماضي أعلنت الحكومة الأردنية عن سعي 17 شركة دولية لتقديم اقتراح لبناء "قناة البحرين" التي ستربط بين البحر الأحمر والمتوسط وتوفر فرص عمل.
ويرى معلقون أن الأزمة الاقتصادية الحالية هي السبب الرئيس في خروج الشباب للشوارع، إضافة إلى فشل الحكومة في التصدي للتيارات الإسلامية المتشددة المتسللة من سوريا والتي باتت تمثل تحديا أمنيا كبيرا.
حظي الأردنيون خلال العقود الماضية باستقرار نسبي. وهو الاستقرار الذي تأتى بشكل كبير بفضل هيكل الحكم الملكي البرلماني، الذي سمح باستبعاد أحزاب المعارضة، وقمع المعارضة على يد المجتمع المدني، ووقف قوانين من شأنها الإضرار بالبيت الملكي.
على ما يبدو فإن الملك عبد الله، الذي أظهر في بداية حكمه إشارات على التحديث المتسارع، بات مؤخرا يفضل الاصلاحات التدريجية والبطيئة التي لا تجعله يسارع في فتح أروقة النظام لقوى المعارضة.
وتحظى الأردن التي بادرت منذ استقلالها عام 1946 بتطوير علاقات وطيدة مع الغرب، بمساعدات أمريكية هائلة. ويساعدها استقرارها النسبي في الحصول على هذه المساعدات السخية. وتجدر الإشارة إلى أن الأردن تشارك في التحالف الغربي بقيادة الولايات المتحدة للحرب على داعش، وأن مقاتلي التنظيم أسروا طيارا أردنيا وأضرموا النار فيه حيا.
ونقل التقرير عن البروفيسور الإسرائيلي "إيال زيسر" أن هناك عدة أسباب تقف وراء الاستقرار المستمر للأردن وطول عمر السلالة الهاشمية الحاكمة. يكمن السبب الأول في الموقع الاستراتيجي للمملكة كـ"دولة عازلة" تفصل بين سوريا والعراق والسعودية وإسرائيل.حرص كل جيران الأردن عبر السنين على الحفاظ عليها كدولة عازلة وكجزيرة منيعة، ما منحها ميزة واضحة.
ويكمن السبب الثاني في المؤسسة الملكية بالأردن، "التي تنهل من التقاليد المحلية والعربية ولا تعارضها"، على عكس النظام الرئاسي الجمهوري الاشتراكي في سوريا أو العراق.
ويعزي "زيسر" السبب الثالث إلى "ضبط النفس والاعتدال الذي دائمًا ما ميز سلوك المملكة وحكامها".
وتتألف المعارضة الأردنية من مجموعتين رئيسيتين- العلمانيين والإسلاميين. وتتكون المعارضة العلمانية من مجموعات قومية عروبية ومجموعات اشتراكية. تزايدت فوى هذه المجموعات في الخمسينيات، لدرجة تعيين الملك حسين الاشتراكي سليمان ال نابلس ي لرئاسة الحكومة عام 1956.
حظي النابلسي بشعبية جارفة وفي مرحلة معينة بدأ يشكل تهديدا على الملك حسين، وهو ما انتهى بإقالته وتقليص تمثيل المؤسسات الاشتراكية في المملكة. في عام 1989، وبشكل مواز لمحاولة إجراء انتخابات ديمقراطية وحرة للبرلمان عادت المعارضة العلمانية للحياة، إذ حصل الحزب الشيوعي وحزب الوسط القومي على عدد من المقاعد في البرلمان.
اليوم، ليس هناك ذكر على الإطلاق لقوى تلك المعارضة في البرلمان الأردني، وغيابها عن المشهد السياسي هو ما يثير الإحساس بالغضب والإحباط بين الشباب الذين خرجوا للاحتجاج في ذيبان. الإحباط العميق في المجتمع المدني جاء نتيجة سياسة الاقصاء المستمرة لكل ممثلي المعارضة بالمملكة.
وبشكل مواز للحركات العلمانية هناك التنظيمات الإسلامية. في شهر مارس- أبريل 2016 أغلقت السلطات الأردنية المقار الرئيسية لتنظيم "الإخوان المسلمين" بالعاصمة عمان وفي مدن جرش بشمال البلاد، ومادبا غربا وغيرها.
وفقا لتقارير إعلامية فإن "تنظيم الإخوان المسلمين بشكله القديم لم يحصل على تصريح للعمل بما يتسق مع قانون الأحزاب والجمعيات الذي صدر عام 2014. لعدم انطباق مطالب السلطات عليه". مع ذلك تتعامل الحكومة في الأردن بسعة صدر مع "جبهة العمل الإسلامي"، الفرع السياسي المعتدل لـ"الإخوان المسلمين" الأدرني، وبعدما صار معتدلا تمكن من التفاهم مع القصر الملكي.
وبشكل مختلف عن الإخوان المسلمين "جبهة العمل الإسلامي" تنظيم مسموح بنشاطه وفقا للقانون الأردني. علاوة على ذلك، أعلن التنظيم قبل نحو شهر أنه ينوي خوض الانتخابات البرلمانية.
يرفع الإسلام الجهادي رأسه بمنتهى السرعة خلال الفترة الأخيرة. فمنذ عدة أيام تبنى تنظيم داعش المسئولية عن هجوم نفذه قبل أسبوعين، وقتل فيه 6 جنود أردنيين في تفجير سيارة مفخخة بمخيم للاجئين بالقرب من الحدود السورية.
وتحدثت وسائل إعلام في سوريا وقطر أنه للمرة الأولى هاجم الجيش الأدرني من داخل المملكة أهدافا تابعة للتنظيم في الجولان السوري. وصرح مصدر أردني مسئول أن "قواعد اللعبة على الحدود الأردنية السورية تغيرت. وسوف تكون الأردن أكثر حساسية لأية حركة عسكرية أو مدنية بالقرب من حدودها وستعمل ضدها بقوة".
رغم أن الأردن تضم مئات آلاف اللاجئين السوريين، فإنها إحدى الدول التي ظلت مستقرة نسبيا منذ 2011. وتقدر قوات الأمن في البلاد أن هناك "خلايا نائمة" لداعش داخل المخيمات، وأنها بدأت الآن في الاستيقاظ.
ويقدر محللون أجانب أن الحرب السورية على وشك التمدد داخل الأردن. وأن عدد اللاجئين المتزايد من الأردن والعراق، بما في ذلك أولئك الذين ليسوا مسجلين على قوائم السلطات، يزيد عن مليون ونصف مليون.
ويقول البروفيسور الإسرائيلي "زيسر":”هؤلاء اللاجئون يشكلون عبئا ثقيلا على البنية الاقتصادية للدولة، لكنهم في نفس الوقت يذكرون كل أردني إلى أين يمكن أن تؤدي الحرب الأهلية والمخاطر الكامنة في الاحتجاجات السياسية التي يمكن أن تخرج عن أية سيطرة".
وبشكل غير مفاجئ، وفي أعقاب التفجيرات الأخيرة دعا وزير الخارجية الأردني ناصر جودة، المجتمع الدولي للكف عن الضغط على الأردن لاستيعاب مزيد من اللاجئين السوريين".
وخلص تقرير موقع "ميدا" للقول :”على ما يبدو ستستمر الأدرن في التأثر بانعدام الاستقرار في المنطقة، في وقت زادت الحرب الأهلية في سوريا من حدة التهديدات على المملكة، والشعور العام بانعدام الاستقرار، وسوف يواصل الشباب الخروج للشوارع".