استيقظت صباحاً فوجدت 40 ألف مشاركة لتغريدتها..
رام الله /سوا/ نحن لا نعرف أبداً ماذا سيحلّ بأفكارنا إذا أطلقناها حول العالم. لقد تعلّمت هذا من خلال تجربتي. وذلك حين انتشرت تغريدةٌ لي كتبتُها عن داعش والإسلام، بين المغرّدين المسلمين.
لقد كان حجم الاستجابة بين المغرّدين المسلمين من الرجال والنّساء حول العالم، هائلاً جداً، حيث بلغ 35.000 رداً على تغريدتي، وما زالت التغريدة تنتشر. ما يثيرني حقاً، هو ما يقوله هؤلاء الناس العاديّون، وما نستطيع أن نتعلّمه من كلامهم.
مساء الجمعة 1 يوليو/تموز 2016، قبل أن أخلد إلى النوم، وقبل عطلة نهاية الأسبوع، فعلتُ شيئاً أفعله عشرات المرّات في اليوم، لقد قمتُ بكتابة تغريدة عن الأفكار العشوائية التي تخطر ببالي.
كتبتُ التالي: تفجّر داعش المسلمين، في البلاد الإسلامية، خلال شهر رمضان المبارك عند المسلمين؛ كيف لداعش أن يكونوا مسلمين؟! لا، إنّهم مرضى نفسيّون.
لقد قتلت المنظّمات الإرهابية، مئاتٍ من المسلمين، في الهجمات الأخيرة، مع هذا تتكرر الاتّهامات للمسلمين خلال نشرات الأخبار وعلى لسان الرؤساء حول العالم، بأنّ المسلمين خطيرون، ويقولون إنّ على "المسلمين المعتدلين" أن يظهروا ردود فعلٍ قوية ضدّ داعش. إنّها مسؤوليّتهم جميعاً، لأنّهم جميعاً مسلمين.
أين الغضب الغربي؟
تلك الليلة، بينما انتشرت الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعية في الولايات المتّحدة، عن الهجمات التي تشنّها داعش ضدّ المسلمين، لم أرَ حتى تلميحاً عن الغضب الذي تلا تلك الهجمات في أورلاندو، وسان بيرناردينو، أو لندن أو باريس. كما لم أرَ أيّ تعاطفٍ أو ترحّمٍ على ضحايا الهجمات في بغداد أو السعودية، بين المغرّدين الغربيّين.
لم أرَ سوى مزيدٍ من التخويف والعنصرية واللّاإنسانية، ضدّ ملايين من المسلمين العاديّين حول العالم. وهنا في أميركا، لا نشعر بأيّ تعاطفٍ مع المسلمين الذين لا نقبلهم كبشرٍ.
لقد كتبتُ تلك التغريدة العشوائية، ثمّ ذهبتُ إلى السرير. حين استيقظتُ، يوم السبت، ثالث أيّام عطلة عيد الاستقلال، وهو العيد الأكثر وطنيّة وقوميّة في بلدي، كان ثمّة أنباء عن المزيد من التفجيرات الانتحاريّة لداعش. ووجدتُ أنّ تغريدتي قد انتشرت انتشاراً واسعاً جداً. لم يكن انتشارها بين مواطني لوس أنجليس، بل في المملكة العربية السعودية، وباكستان وبنغلاديش وتركيا والعراق. كان المسلمون يموتون، وإخوانهم المسلمون يبثّون أحزانهم على تويتر.
حين ضرب التفجير الانتحاري المدينة المنورة، ثاني أكبر الأماكن الإسلامية المقدسة، انتشرت تغريدتي بسرعةٍ أكبر. وصل عدد إعادة التغريدات إلى 25.000 و35.000، ووصلتني معها أصوات لم أسمعها من قبل، لمسلمين على الجانب الآخر من عالم الإنترنت، يستخدمون التويتر على هواتفهم مثلي تماماً، يضحكون ويغضبون ويتعاطفون، ويفعلون تماماً كما نفعل على وسائل التواصل الاجتماعية. إنّهم يتناقلون أفكارهم فيما بينهم، ولكن هذه المرّة، كانت فكرتي جزءاً من الأفكار التي ينتاقلونها.
رسائل حب
"أودّ أن أشكركِ من أعماق قلبي، شكري لكِ ليس له نهاية." هكذا كتب (قاسم العلي) من لندن.
ويقول (أمان الله تركي) في تغريدةٍ أخرى: شكراً لكِ يا إكسيني على ضمّ صوتك لنا وقتَ الحزن، نحن جميعاً ننتمي لعائلةٍ بشريةٍ كبيرة.
حساب آخر يحمل اسم (جو المنحوس) يقول: هذه أوّل مرة أرى فيها شخصاً غير مسلم، يتحدّث عن الإسلام بإيجابية، أُكنّ لكِ الاحترام.
وحساب باسم (دبي) يقول: شكراً لكِ على إدانة داعش، وتوضيح حقيقتهم.
أمّا صاحبة حساب (هيرا) فتقول: أحببتكِ لأجل ما كتبتِه، أتمنّى لو يفكّر عددٌ أكبر من الناس مثلكِ، وأن يروا الحقيقة.
ويقول (م. بندر السويّد): شكراً لكِ على صراحتكِ، وكلماتكِ المنطقيّة، العقلاء مثلكِ هم من يرسلون رسالة السلام.
وكثيرٌ منهم أشار إلى حساب دونالد ترامب، المرشّح الجمهوري للرئاسة، والمعروف بتصريحاته المعادية للمسلمين، كما في هذه التغريدة:
دونالد ترامب، اقرأ هذا واستخدم عقلك جيداً!
لقد غمرتني رسائل الحب من كل البلاد العربية، من البحرين، مروراً ببيروت وانتهاء ببغداد. أرسلتها نساء محجبات، أو رجال يغطون شعورهم بالغطرسة التقليدية. الكثير من هذه التغريدات كانت تنتهي بقبلات أو قلوب. تغريدات أخرى كانت موقعة في نهايتها بزهور صغيرة.
هذا النوع من الاحتفاء والاحترام لست معتادة على الحصول عليه على الإنترنت، حيث معظم التغريدات سياسية، وخاصة إن كانت صاحبتها امرأة، إذ يتبعها وابل من التغريدات المسيئة التي يرسلها الرجال.
تفاعل مخيف
بدأ حجم التفاعل يصل إلى مستوياتٍ مذهلة ومخيفة. أنا أستخدم الإنترنت منذ فترة طويلة. وأعرف تماماً أن الحالة المصاحبة للحظة انتشار هائل كهذه قد تنقلب في أي لحظة. تواصل معي داعمون لترامب وعنصريون آخرون، رجل أميركي أبيض أرسل لي تغريدات قبيحة ملؤها التهديد.
قمتُ بعمل حظر للأسوأ فيهم، وأوقفتُ تستلم الإشعارات من الباقي منهم، ثم تابعتُ رحلتي مع الحب المهدى لي من حسابات تحمل العربية في عناوينها.
ردود لا تُعد ولا تُحصى تردد أن "الحمد لله، من الرائع أن هناك شخصاً غير مسلم لا يربطنا بهؤلاء القتلة الحمقى" أو "لن تصدقي حجم المعاناة التي علينا أن نتحملها"، أو "شكراً لأنك تريننا متساوين".
مرحبًا CNN وفوكس نيوز. كل السياسيين والخبراء الذين تستضيفونهم يرددون بشكل لا ينتهي "أين هم المسلمون المعتدلون الذين يدينون داعش بشدة؟" إنهم هناك، تحت تغريدتي، بالآلاف. اذهبوا، انظروا، استمعوا وتعلموا شكراً لكم أيها المسلمون في تويتر، سأتذكر دائماً يوم الاستقلال الأميركي مع هذه التجربة.
الكثير من الحب واللطف من أشخاص غرباء، لم يكن هدفي هو السخرية من منظمة إرهابية عالمية، لكنه حدث.