لست من الذين يعطون أهمية كبيرة لتغير وزراء الحرب الإسرائيليين، أو لتعاقب رؤساء الحكومات الإسرائيلية ، أو لتبدل أسماء القادة الصهاينة . فالكيان الصهيوني منذ إنشائه تحكمه أيديولوجية صهيونية واضحة ، ويتبع استراتيجية سياسية محددة ، ويسير وفق طريقة تفكير وعمل ثابتة . لا تتأثر كثيراً بتغير الوزراء وتعاقب الحكومات وتبدل القادة ، وهذا ما اثبته الواقع العملي طوال عمر هذا الكيان الحافلة بالعنف وإدامة العنف ، ذلك بأنه ابناً شرعياً للمشروع الاستعماري الغربي الذي قام على العنف وإدامة العنف ضد الشعوب الأخرى خارج القارة البيضاء ، التي تأخذ نصيبها من الموت والإبادة أو الطمس والإذابة ، أو تأخذه طرداً وتهجيراً أو عبوديةً وتمييزا . وكان نصيبنا أسوأ هذه المشاريع التي التقى فيها المشروعان الغربي والصهيوني لينتجا دولة (إسرائيل ) لتمارس علينا كل تلك الجرائم الموروثة من الاستعمار الغربي ومن عقيدتهم العنصرية الاستعلائية المزوّرة.

وفي هذا الإطار يأتي تعيين ( أفيجدور ليبرمان ) وزيراً للحرب الإسرائيلي المحسوب على اليمين القومي العلماني المتطرف في الخريطة السياسية الإسرائيلية ورئيس حزب ( إسرائيل بيتنا ) حيث رافق هذا التعيين ضجة إعلامية تتوقع الأسوأ فيما يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين أو مع المقاومة اللبنانية ، وكأن الأسوأ لم يأتِ بعد ، أو كأن الوزراء السابقين له كانوا حمائم سلام ، معتمدين في ذلك على تصنيفه الحزبي وما كان يطلقه من تصريحات رنّانة عندما كان خارج الحكومة . والحقيقة أن وجوده الآن في الحكومة سيجعله أكثر واقعية وأكثر حرصاً في تصريحاته وكلامه ، وأن دخوله في ماكينة اتخاذ القرارات سيجعله يدرك مدى تعقيد وتشابك تلك المنظومة التي تخضع لاعتبارات كثيرة عسكرية وأمنية وسياسية وواقعية ، والأهم من كل ذلك أنه سيدرك عمق المأزق الإسرائيلي كدولة احتلال مزروعة في المكان الخطأ مع كل عملية فدائية تضرب الأمن الإسرائيلي .

والمأزق الإسرائيلي عبّر عنه دافيد بن جوريون أول رئيس وزراء إسرائيلي بقوله " إن جوهر مشكلتنا الأمنية هو وجودنا بالذات " أي أن هناك ارتباطاً عضوياً بين الأمن والوجود في الكيان الصهيوني الذي يرتبط وجوداً أو عدماً بالأمن ، بخلاف  معظم دول العالم التي يُعتبر غياب الأمن فيها يهدد استقرارها أو نظامها السياسي وليس وجودها نفسه . كما أن الأمن هو ركيزة المشروع الصهيوني كونه يرتبط بعنصري الهجرة والاستيطان، فبدون أمن لا يوجد هجرة ولا استيطان، بل وقد تحدث هجرة معاكسة تضرب جوهر المشروع الصهيوني القائم على ركائز الأمن والهجرة والاستيطان . . . ويتعمق هذا المأزق عندما تصبح (إسرائيل ) المكان الأكثر خطراً على اليهود في العالم وليس الأكثر أمناً لهم في العالم ، ومن هنا تأتي أهمية العمليات الفدائية وضربات المقاومة في فلسطين لاسيما في الضفة الغربية التي يُمكن أن يكون تحريرها هو الهدف المرحلي للمشروع الوطني الفلسطيني .

وباستطاعتنا أن نعمّق المأزق الأمني الإسرائيلي ليتحوّل إلى مأزق وجودي من خلال امتلاكنا لمشروع وطني فلسطيني يجمع الكل الفلسطيني يركز على عنصري الصمود والمقاومة، فالصمود فوق أرض فلسطين التاريخية سيقلب الميزان الديموغرافي السكاني لصالح الشعب الفلسطيني، وهو في حد ذاته تهديد استراتيجي للكيان الصهيوني وإبطال لأهم ركائز المشروع الصهيوني الذي قام على كذبة أن فلسطين أرض بلا شعب واليهود شعب بلا أرض. أما المقاومة من خلال ضربها للاحتلال والاستيطان في الضفة الغربية ستجعله احتلالاً باهظ الثمن واستيطاناً عظيم التكلفة وصولاً إلى وضع (إسرائيل) في مأزق وجودي عميق تضطر فيه أن تختار بين الاحتفاظ بالضفة مع تهديد وجودها ككل ، أو الانسحاب منها للمحافظة على وجودها الذي سينكمش داخل الخط الأخضر في فلسطين المحتلة عام 1948 ، بعد انسحابه من سيناء وجنوب لبنان وقطاع غزة لتكون هذه مرحلة أخرى نحو تراجع المشروع الصهيوني وانكماش الدولة العبرية تمهيداً لاستكمال مشروع التحرير الكامل .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد