لا أريدُ أن أجزمَ بأنَّ المخرجَ السوريَّ بسام الملا وكاتبَ سيناريو المسلسلِ متعددِ الأجزاءِ مروان قاووق يعلمون أن بابَ حارتِهم سيمتدُّ إلي ثمانيةِ أجزاءٍ وربما أكثر ، شأنُ ذلك البابِ شأنُ المصالحةِ الفلسطينيةِ فكلاهما شقّا طريقَهُما إلي العالميةِ مع بعضِهما ، مع اختلافِ درجاتِ الحرارةِ ما بين الغوطةِ و غزة َ ومعَ مراعاةِ ثلاثِ حروبٍ على غزةَ وأحداثٍ داميةٍ في سوريا ، إلا أنني أجدُّ أن هناك قواسمَ مشتركةً ما بين مسلسلِ بابِ الحارةِ ومسلسلِ المصالحةِ الفلسطينيةِ التي لو كانتْ طفلا ولدَ قبلَ تسعِ سنواتٍ لأصبحَ اليوم في الصفِ الرابعِ الابتدائي أي أنه على أبوابِ مرحلةِ المراهقةِ المبكرةِ ، وهذا يعني أن النضوجِ بات أقربَ إلي فكرةِ ووعيِه السياسي .
ما الفرقُ ؟ لا يوجدُ فرقٌ فبسام الملا يُدفعُ له لِيُنتجَ مسلسلا كلَّ عامٍ وإن تغيرَ الأبطالُ ولكنْ لن يتغيرَ الاسمُ " بابُ الحارة " خالدا في صناعةِ التلفزيون من وجهةِ نظرِه ، وكذلك الانقسامُ فهو باقٍ ولن يتغيرَ على جدولِه شيءٌ منذُ السنواتِ الماضيةِ بل تطورَ الانقسامُ وأصبحَ كبيرا أكثرَ من الانقسامِ الذي حصل في عامِ 2007م ، وهذا ما دفع المخرجين العربَ والأجانبَ إلي صناعةِ مسلسلٍ فلسطينيٍّ اسمُهُ " المصالحةُ الفلسطينية " أبطالُهُ فتح و حماس يتمّ تصويرُ المشاهدِ في أكثرَ من مكانٍ حسب الظروفِ السياسيةِ أو الجغرافيةِ أو الأمنيةِ ، مَشاهدٌ اعتاد عليها المشاهدُ الفلسطينيُ تبدأُ بالقبلاتِ الحارةِ والمصافحات ِوتنتهي بالمشاجراتِ والمناكفاتِ عبر شاشاتِ الفضائيات .
في بابِ الحارةِ نستمتعُ بالجمالِ السوريِ وتنوعِه ، وفي المصالحةِ الفلسطينية ِلم تتغيرْ الوجوه ، لقد فشلوا حتى في إدارةِ الانقسامِ ، فتصلبُ المواقفِ والتشبث بالأفكارِ والآراءِ الحزبيةِ الضيقةِ هو من جعلَ من الانقسامِ شيخا كبيرا طاعنا لا يموتُ ولا يفنى لأنة تعمقَ في نفوسِ المواطنين أكثرَ من المسئولين عنه ، وأصبحنا نبحثُ عن جيلٍ وطنيٍّ جديدٍ يصنعُ الوحدةَ الوطنيةَ بعيدا عن أفكارِ المنقسمين .
بعد تسعِ سنواتٍ من دفعِ ثمنِ الانقسامِ ؟ العديدُ من الأسرِ الفقيرةِ دفعتْ ثمنَ الانقسامِ من خلالِ عدمِ السماحِ لأطفالِها من السفرِ عبر معبرِ رفح المغلقِ بشكلٍ شبهِ دائم ، لطالبٍ توقفتْ مسيرةُ أحلامِه على بوابةِ المعبرِ ولم يستطعْ الخروجَ لإكمالِ تعليمِه ، لأطفالٍ عاشوا حروباً طاحنةً وهم في عمرِ الزهور ، لعائلاتٍ مُسحتْ من السجلِ المدني في حربِ غزة الأخيرة ، لمستقبلِ آلافِ الخريجين والباحثين عن فرصِ عملِ ، أهؤلاءِ فقط هم مَنْ دفع ثمنَ الانقسامِ ؟ أعتقدُ أن الوطنَ هو من دفعَ الثمنَ الأكبرَ مشروعٌ في غزةَ وآخرُ في الضفةِ وثالثٌ في القدس ، غزةُ تعيشُ الحصارَ وانقطاعَ الكهرباءِ وتعاني من مياهٍ لا تصلحُ للاستخدامِ الآدمي ، والضفةُ الغربيةُ تعيشُ بين حواجزِ الموتِ وجدرانِ المستوطنات ، أما القدسُ فلها حكايةٌ أخرى مع التهويدِ والاستيطانِ وعربدةِ المستوطنين وتنغيصِ حياةِ السكان ، أهذا هو الوطنُ الذي كنا نحلمُ به .
ماذا في جعبتِنا نحن - الفلسطينين ؟ في جعبتِنا منظمةُ التحريرِ الفلسطينية والمجلسُ الوطنيُ الفلسطينيُ والرئاسةُ الفلسطينيةُ والحكومةُ الفلسطينيةُ والمجلسُ الثوريُّ لحركةِ فتح والمجلسُ السياسي لحركةِ حماس وعدةُ جبهاتٍ فلسطينيةٍ تَحرّريةٍ وأحزابٌ سياسيةٌ وأخرى شيوعيةٌ ، ولدينا قياداتٌ متنوعةٌ ومتعددةٌ وبمواصفاتٍ دوليةٍ ولدينا عضويةٌ في الأممِ المتحدةِ وعلمٌ يرفرفٌ في سماءِ الأمم المتحدة ولدينا معبرٌ مغلقٌ وبحرٌ بلا ميناءٍ وطائرةٌ بلا مطارٍ وكورنيش بلا كهرباءٍ ، لدينا إنسانٌ في غزةَ يبحثُ عن متعةِ الحياةِ في بحرٍ غارقٍ بمياهِ الصرفِ الصحي.
سبعون عاما من النضالِ والجهادِ والكفاحِ والقتالِ وجميع مفرداتِ الحروبِ والنتيجةُ التي وصلنا إليها تقسيمُ المقسمِ وتجزئةُ المجزأ ، وحواراتٌ فاشلةٌ ومعاهداتٌ وأوراقٌ واتفاقاتٌ ومشاوراتٌ ولقاءاتٌ في مكة والقاهرةِ وصنعاء والخرطوم والشاطئ ومن ثَمّ الدوحةُ والنتيجةُ صفرٌ كبير ، إنّ الانقسامَ يا سادة لن ينتهي إلا إذا رأيتم شحمةَ أذانكم .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية