في هذا الصيف الرمضاني ، والسماء قريبة ومفتوحة لدعاء العباد والمؤمنين، مطلة على ارض فلسطين الثكلى والمفجوعة وهي تتكيء على ارواح شهدائها المقتولين والمعدومين على يدقوات الاحتلال، والمتعبدة في رجاء الآيات المبشرات متواصية بالصبر والحق وما بعد العسر يسرا، يغيب سبعة آلاف اسير واسيرة عن موائد الافطار الرمضانية هذا العام، يرزحون في غياهب السجون والزنازين خارج تقويم هذا الشهر الفضيل.

 

موائد الافطار ناقصة وتزداد نقصا بسبب حملات الاعتقال اليومية، ومداهمة المنازل حتى في ساعة الفطور وساعة الصلاة، اطفال وشبان وبنات يقادون صائمين مكبلين مهانين الى مراكز التحقيق والمعسكرات، يداس عليهم خلال نقلهم بالبساطير، ويتعرضون للضرب والركلات والتعذيب ، دماء الصائمين تنزف قبل طلوع الفجر.

 

موائد الافطار ناقصة منذ 35 عاما يقضيها الاسرى كريم يونس وماهر يونس ونائل البرغوثي  خلف القضبان ، لم يجلسوا طوال هذه الفترة مع امهاتهم وعائلاتهم واولادهم امام مائدة الافطار في مساء رحماني تضيء فيه القلوب وتتوحد المشاعر، يسيل الماء والحب في الحلوق، ويجتمع البيت تحت نور السماوات والارض بلا جوع وملاحقة او خوف.

 

سلطات الاحتلال صعدت من قمعها لشعبنا الفلسطيني حتى في شهر رمضان ، حيث وصلت حالات الاعتقال منذ تشرين الاول 2015 الى اكثر من 6 آلاف حالة ثلثهم من الاطفال القاصرين، فأصبحت المنازل خالية، والشوارع فارغة من الاولاد الصغار المبتهجين بشهر رمضان وتقاليده وحلوياته واضوائه، لا شقاوة في البيت، لا سهر حتى الصباح، لا صوت يكسر صمتا مكتوما لتلك الام الصائمة.

 

موائد الافطار ناقصة، شهداء غائبون تحت التراب او في مقابر الارقام او في الثلاجات الباردة، لن يجتمعوا مع الحاضر في ليلة القدر او في صباح يوم عيد، ولن توضع الازهار على قبورهم وتقرأ الفاتحة،ولازال ابو الشهيد بهاء عليان يتحرك من جنازة الى جنازة، دون ان يرى ولده محمولا على اجنحة الملائكة.

 

موائد الافطار في فلسطين ناقصة وحزينة، تزدحم الذكريات والحسرات في الساعات الرحمانية، هناك اسرى مشلولين ومرضى بالسرطان ومعاقين، من يطعمهم ويسقيهم ويناولهم الدواء ويحرك مقاعدهم في البيت او في الحديقة؟ وجع البعيدين يصاب به القريبون وهم يحدقون في ليل يزداد عتمة وصراخا.

 

 

موائد الافطار ناقصة كما هي الاجساد والافكار والتباس المرحلة ، جرحى بترت الرصاصات اياديهم واقدامهم ودمرت بطونهم، لم يسمعوا صوت الآذان هذا المساء، صوت ألم يملأ فضاء الكون واروقة الامم المتحدة ، جروح تنزف حتى مطلع الفجر.

 

موائد الافطار ناقصة، بل دامية، لم يعد الطفل البريء محمود رأفت بدران الى والده الذي انتظره خمسة عشر عاما داخل السجن، عاد جثة مطرزة بالرصاص في ذلك الفجر الرمضاني ، وكان قتلا بالخطأ حسب تصريحات الجيش الاسرائيلي ، فمرحى للجرائم المتتالية التي ترتكب بالخطا على يد دولة اقيمت بالخطأ، وجنود فاسدون منفلتون يرتكبون الخطيئة.

 

موائد الافطار ناقصة، لا طعم ولا لون لهذا الشهر المستعر كالجمر في صدورنا، اطفال في غرفة (4) بالمسكوبية يتعرضون للضرب والركل والتعذيب ، يسحقون ويدعسون تحت بساطير الجنود وسياطهم وبنادقهم، عواء كلاب تفترس اجسادهم منذ لحظة اعتقالهم ، اطفال يصرخون فوق المائدة.

 

سبعة آلاف مائدة افطار ناقصة واكثر، نخرج بعد الآذان نفتش عن اولادنا الذين حملوا الحجارة وخرجوا غاضبين متمردين يلاحقون دبابة هنا ومستوطن متوحش هناك، يسمعون نداء المرابطين في الاقصى واعتقال الصلاة خلال الاقتحامات المستمرة، لتكون القدس فوق المائدة قربانا تذبح في هذا الشهر الذي هو خير من الف شهر، ولا احد يتحرك من المحيط الى الخليج سوى اولادنا وبناتنا .

 

 

على مائدة الافطار تأتيك الاخبار، اقتحام سجن مجدو وريمون، قمع الاسرى وحرمانهم من الزيارات ، وقف صلاة الجمعة ، اوامر جديدة بالاعتقال الاداري، اضراب بلال كايد عن الطعام وعدم الجلوس على المائدة، يطول النهار، الشمس لا تغيب عن الاسرى في شهر رمضان، لا نوم ولا ماء في صحراء النقب المفتوحة على موت ي فتح ذراعيه للرمال.

 

يشتعل الحنين على موائد الافطار، يختلط الالم بالنار وبالانتظار، المئات يحتجزون على الحواجز العسكرية المنتشرة على ارض فلسطين، الحرّ والعطش وعدم اليقين بالوصول، النهاية اخت البداية في شهر رمضان.

 

سبعة آلاف مائدة افطار ناقصة، امين عام الامم المتحدة يصل فلسطين في العشر الاواخر من شهر رمضان، لم يزر سجنا ولا مركز تحقيق، او معسكر توقيف، ولم يتناول الافطار مع العائلات المفجوعة من الاسرى والشهداء، هنا القتل العمد والخوف وغياب الحماية الدولية.

 

الاسرى تجرحهم أفلاك المصادفة، من بقي حيا صعد على موج احمر وأبحر في محيطه، لعل من ينتشله ويتذكره سياسيا وقانونيا وإنسانيا ، كاد ان يغرق لولا الارادة، ومن سقط ميتا ظل يتساءل عن القضبان التي تحيط بقبره، واستمر في الموت يتابع الرحيل الى حياته الباقية.

 

سبعة آلاف مائدة افطار ناقصة، ولم يبق في بيت الشهيد احمد البلبول سوى زوجته، وحيدة في هذ المغيب، اعتقلوا ابنتها وولديها، تبحلق في صورة الشهيد ، دمعة تتدحرج في مضايق الروح.

 

ما هذه القوة الطاغية التي لا ترى العالم الا من فوهة بندقية ومن حلقة قيد؟ تترأس لجنة اممية لمكافحة الارهاب، وتقبض على حق تقرير مصير الشعوب المعذبة، تستوطن الارض والثقافة و العدالة الكونية، ترمي شباكها وتصطاد الشمس.

 

سبعة آلاف مائدة افطار ناقصة، وفي مساء القدس لا تجد ام رأفت العيساوي اولادها الثلاثة في البيت، شيرين وسامر ومدحت، القدس يتيمة ، وعلى الاسوار والمصاطب وفوق صوت الآذان وقرع الاجراس، تشرع اسرائيل ومستوطنوها الجريمة.

 

أنهى ذلك الاسير حكمه الاداري بعد تجديده ثلاث مرات، انتظرته امه على المائدة، وسيصل بعد قليل ، وأعدت الطعام والماء وتفاحا من حديقة البيت، لم يفتحوا بوابة معسكر سجن عوفر في ذلك اليوم، لقد جددوا اعتقاله للمرة الرابعة، رجة رعب على المائدة ، ولم تكتمل الصلاة.

 

سبعة آلاف مائدة افطار ناقصة، وتمضي العائلات حياتها كلها في وطن تقذفه الريح ، يمكن الهبوط الى الجحيم ، ويمكن الهبوط في اللايقين ، الليل لا ينجلي في فلسطين ، لكن الحب يغلب الموت، هذا ما تقوله زلازل الشرايين المتدفقة في صخور المدينة.

 

يطول الزمن جالسا على عرش الوقت

هي آية لبشرٍ يرتطمون بالدائرة

الحياة في تناقص دائم...

وعلى المائدة الكل يتحدث مع الذاكرة

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد