الاتفاق الذي أعاد العلاقات بين تركيا وإسرائيل إلى سابق عهدها من قوة ومتانة مع تطبيع كامل ، لا يخرج عن منطق وحقيقة السياسة الواقعية للدول وهي سياسة تحكمها المصالح وليس الايدولوجيا ، والاتفاق يؤكد أن الدول مستعدة للتضحية بالأيديولوجيا والشعارات الكبرى ، حتى وإن كانت دينية ، في سبيل مصالحها القومية.
صحيح أن تركيا بذلت أقصى جهدها الدبلوماسي وما بيدها من أوراق ضغط ، وهي محدودة ، لانتزاع أفضل ما يمكن فيما يتعلق بالحصار على غزة ، حيث تحدث الاتفاق ، وحسب البنود التي تم نشرها ، عن موافقة إسرائيلية من حيث المبدأ على بناء محطة كهرباء ومستشفى وتسهيل دخول البضائع التركية للقطاع ، إلا أن القضايا السياسية والإستراتيجية والأمنية بين تركيا وإسرائيل كانت هي الأساس والقضية الفلسطينية وقضية غزة مجرد جزئية . كان الاتفاق دون المأمول من طرف الجهات التي كانت تراهن أن تركيا ستقلب المعادلة مع إسرائيل وخصوصا بعد التصعيد الكبير بالتوتر بين الطرفين بعد حادث سفينة مرمرة ، إلا أن كل ملم بطبيعة العلاقات الدولية وبطبيعة علاقة تركيا بإسرائيل من جانب وبالحلف الاطلسي من جانب آخر يعلم أن الأمور لن تصل لمرحلة القطيعة أو الصدام ، وتركيا تعلم جيدا أن قطاع غزة يخضع للاحتلال الإسرائيلي وتعتبره إسرائيل جزءا من أمنها القومي ، و فصل قطاع غزة عن الضفة وما ترتب عليه من حصار مرفوض وجائر يدخل ضمن معادلة إقليمية ودولية لا تستطيع تركيا لوحدها تغييرها .
جاء اتفاق المصالحة بين تركيا وإسرائيل نتيجة تطورات إقليمية وتركية داخلية ولا علاقة له بتطورات خاصة بالقضية الفلسطينية مباشرة . فتركيا وبعد تدخلها في سوريا أخذت تواجه تحديات غير مسبوقة وربما غير متوقعة ، توتر علاقاتها مع روسيا الاتحادية ، مشاكل داخلية مع حزب العمال الكردستاني ومع تنظيم الدولة الإسلامية ومع أحزاب المعارضة القومية ، بالإضافة إلى تراجع النمو الاقتصادي وأزمة الطاقة نتيجة خلافاتها مع روسيا الخ . هذه الأمور دفعت تركيا لإعادة النظر في علاقاتها مع إسرائيل ، ولكن من منطلق الضعف و الحاجة .
لذا نتمنى أن تتعلم حركة حماس درسا من توقيع اتفاق المصالحة بين تركيا وإسرائيل ، فالاتفاق الذي بدد مراهنات البعض من قيادة حماس على دور تركي في رفع الحصار عن غزة وبناء ميناء وتثبيت كيان دولة غزة ، هذا الاتفاق كانت له سوابق شبيهة مع حلفاء آخرين كانت تراهن عليهم حركة حماس وانحازوا أخيرا لمصالح دولهم القومية ، سوريا وإيران وحزب الله ، كما أن ذلك سيتكرر مع من تبقى من حلفاء تراهن عليهم حركة حماس كقطر ، كبديل عن المراهنة على الشعب والمصالحة الوطنية.
نعتقد أنه بعد ما جرى منذ (انقلاب) حماس وسيطرتها على قطاع غزة داخليا من أمور في غير مصلحة حركة حماس ومشروعها السياسي الديني وفي غير مصلحة حركة فتح و مشروع السلطة الوطنية ، وبعد فوضى الربيع العربي التي كشفت المستور دوليا وإقليما ، وفقدان حركة حماس لحلفائها واحدا بعد الآخر ، إما بسبب سوء تصرفها مع هؤلاء الحلفاء أو بسبب تخليهم عنها وتفضيل مصالحهم القومية على أي اعتبارات أخرى كما جرى مع تركيا أخيرا ، بعد كل ذلك على حماس أن تتخلى عن غرورها وإدعائها امتلاك الحقيقة المطلقة وأن تتخلى عن إحساسها المتضخم بالأنا لدرجة إدارة الظهر لأي تقارب أو تفاهم مع القوى الوطنية .
لا نقول لحماس استفيدي من دروس التجربة الوطنية الفلسطينية ، بل استفيدي من دروس حلفائك الذين راهنتي عليهم أو دفعت الشعب في قطاع غزة المحاصر أن يراهن عليهم ليرفعوا الحصار ويبنوا ميناء ومطار الخ . فهؤلاء (الحلفاء) ، حتى مع توفر حسن نية عندهم ، إلا أنهم وظفوا القضية الفلسطينية لمصالحهم ، وفي الأخير انحازوا لمصالح دولهم القومية .
نتمنى ألا يُفهم مما سبق أننا نشمت في حركة حماس ، فلا يوجد فلسطيني يشمت بحركة لها حضورها الشعبي الكبير وقدمت آلاف الشهداء والأسرى حتى وإن اختلفنا معها في أسلوب توظيفها للمقاومة ولمعاناة الشعب ، ولكن ننبه حركة حماس بأنها تستنزف رصيدها بسرعة ، رصيدها من التأييد الشعبي الداخلي ، ورصيدها من الحلفاء الخارجيين .
وأخيرا ، يجب التحذير من مخططات إسرائيلية وإقليمية لتوظيف مأزق حركة حماس ومأزق السلطة الوطنية لفرض معادلة تسوية جديدة على حساب الطرفين ، الأمر الذي يجعل مصالحة بين منظمة التحرير وحركة حماس وبقية القوى السياسية أكثر ضرورة من أي وقت مضى ، وعلى حركة حماس ألا تستنزف ما تبقى لها من رصيد وطني ، وأن تراجع حساباتها ، وفي الوطنية الفلسطينية متسع للجميع .
Ibrahemibrach1@gmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية