القصة الكاملة .. اسطورة الدقائق الثمانية
القدس / سوا / كلف المجلس العسكري لكتائب القسام القيادة الميدانية للكتائب بالبحث عن هدف اسرائيلي لتنفيذ عملية أسر لجنود بهدف تحرير الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال، وبعد الرصد والبحث في جميع المحاور والقطاعات على كامل أرض قطاع غزة ، قُدم تقرير إلى المجلس العسكري كانت فحواه ما يلي:
العملية هي اقتحام موقع لجيش الاحتلال يتم خلاله الاشتباك المباشر مع الجنود، وتدمير نقاطهم الدفاعية وآلياتهم في عمق نطاق دفاعاتهم على الشريط المحتل الشرقي، قاطع شرق رفح، قطاع كرم أبو سالم وبالقرب من عدد من النقاط العسكرية وأبراج المواقع المدعومة بالمدرعات كإجراء جديدٍ لحمايتها من هجوم المجاهدين.بحسب ما نشره موقع كتائب القسام
الإعداد والتحضير
تم اختيار ميدان التدريب وفق شروطٍ محددة مع تعليماتٍ صارمة للاختفاء عن الرصد الجوي، وقد أنجز التدريب جميعه بسلام .
ومن ثم تم تحديد عدد المشاركين (عناصر الاقتحام) بـ 7 عناصر كأقل عدد ممكن، كتحدٍ، تجنباً لوقوع خسائر عالية، حيث أن العملية جريئةٌ وواسعة بين فكي الاحتلال، رغم أن أقل عدد يحتاجه الاقتحام هو 12 عنصراً وهذه مجازفة كبيرة، وقبِلت قيادة القسام التحدي.
الأسلحة والمعدات المطلوبة
تم توفير الأسلحة والمعدات المطلوبة من الكتائب بواقع بندقيةٍ بحالة ممتازة لكل مجاهد + 6 مخازن + 200 طلقة + 3 قنابل دفاعية (من صناعة القسام) + عبوتين ل فتح أبواب الحصون لكل عنصر من فريق الاقتحام (من صناعة القسام) + قاذف الياسين مع قذيفتين (من صناعة القسام) + وحدة للتواصل بين العنصر وقيادته بأسلوب مبتكر يستخدم لأول مرة، إضافة إلى عبوةٍ مُشكلة بتصميمٍ خاص لكل درع.
ليتم بعد ذلك توفير ثيابٍ عسكريةٍ اسرائيلية لكل عناصر الفريق، بالإضافة لتفصيل سترة لحمل جميع معدات كل عنصر على الظهر والصدر، مع حذاء رياضي خاص لا يترك أثرا خلال السير، إضافة لتجهيزات مثل مشد للكوع والركبة والكاحل لحماية المفاصل خلال الزحف في النفق والركض خلال التنفيذ.
كما تم تجهيز حقيبةٍ خفيفة الوزن خاصةٍ بكل عنصر لسحب ونقل محمولاته داخل النفق كي يصل الجميع إلى نهاية النفق في نشاط، ومنعاً من إجهاد الفريق قبل ساعة الصفر، وللمحافظة على الثياب والأسلحة من التلوث بالأتربة حرصاً على عدم تعطل الأسلحة خلال العملية، ومن أجل ألا يعرف الاحتلال بأن العملية تمت من خلال نفق، كما أضيف للتجهيزات قيود بلاستيكية لتقييد الأسرى، وكذلك لتقييد أيدي القتلى لتضليل الاحتلال.
وكان التخطيط يتضمن إغلاق عين النفق بطريقة معينة فور خروج الفريق؛ لإعطاء الفرصة لاستخدامه لاحقاً فيما لو لم يكتشفه الاحتلال، وكانت التعليمات هي سرعة خروج الفريق بعد تأمين عين النفق من الخارج كاحتياط لمواجهة أي كمين قريب في المنطقة، وفي نفس الوقت كان الرأي الراجح أن الاحتلال سوف يكتشف النفق لاحقاً بتتبع الأثر، وسوف يقوم بتدميره من أعلى، أو نسفه ونسف بئر النفق، وبالتالي لا فائدة من تلغيم النفق أو وجود أي مجاهد بالقرب من مدخله استقاءً للعبرة من إجراءات الاحتلال في الحالات السابقة وهو ما حدث تماماً لاحقاً.
خطة التدريب
تم وضع خطة التدريب على جميع مكونات الهدف وعلى جميع المجالات التي يمكن أن يواجهها فريق الاقتحام، وتم التأكيد على المهارات الأساسية بشكل فردي وجماعي (تفجير ناقلة – دبابة - باب حصن - بعبوات خاصة لكل منها "من صناعة القسام").
وبذلك اعتقد الاحتلال لاحقاً أن تدمير الدبابة تم بقذيفة RPG متطورة، حيث أن العبوة أحدثت فتحة بالقرب من حافة البرج الخلفية عرضها نصف متر واخترقت داخل الدبابة، كما أن النفث الحارق وصل إلى ماكينة الدبابة في الأمام ودمر غرفة القيادة تقريبا ًكما أدت إلى قتل معاون قائد الدبابة في الجانب الأيمن فوراً وهو برتبة عريف.
الإسناد الصاروخي
كما تم وضع خطة لتوظيف سلاح الصواريخ والهاون كسلاح إسنادٍ وتمهيدٍ وتضليل ٍوتعميةٍ على النوايا أمام القيادة الميدانية للاحتلال، حيث تم قصف جميع مواقع الاحتلال ونقاطه على كامل الشريط المحتل وكذلك المستوطنات المحاذية ولمدة يومين قبل التنفيذ.
ظن الاحتلال أن هدف المجاهدين هو القصف الصاروخي وفقط كالحالات السابقة، فقام بسحب (المنطاد) من فوق معبر كرم أبو سالم وتحويله إلى منطقة معبر بيت حانون المسمى "إيرز" لوجود مطلقي الصواريخ في تلك المنطقة، مما أتاح لفريق الهجوم الله باحتراف خلال الهجوم وعند الانسحاب في الأرض المكشوفة.
تثبيت ساعة الصفر
تم عمل زيارات متتالية للنفق الذي نفذت منه العملية، وتم إكماله وتدعيمه من الداخل، كما تم رصد مواقع الاحتلال المقرر الهجوم عليها ولعدة أيام متتالية نهاراً وليلاً مع التصوير، وبالتالي تم تحليل الصور ودراسة سلوك جنود الاحتلال في المواقع وما حولها خلال اليوم كله، وكذلك الدوريات التي تقوم بتمشيط المنطقة المحاذية للسياج الإلكتروني.
عادت القيادة الميدانية وقدمت للمجلس العسكري تقريراً عن الإجراءات جميعها، كما قدمت شرحاً مفصلاً مع رسم كروكي توضيحي شامل لخطوات ومراحل الهجوم ومقتربات المجاميع نحو أهدافها، مع إبداء الملاحظات من أركان المجلس وأخذها بعين الاعتبار.
وهنا اتفق المجلس العسكري على اللمسات الأخيرة للعملية، وتم تثبيت ساعة الصفر وهي ما بعد صلاة الفجر من يوم 25/6/2006م كموعد للتنفيذ الحاسم.
انطلقت قيادة الكتائب الميدانية إلى منطقة العمليات لتشرع بخطوات التنفيذ، حيث تم عزل الفريق المنفذ لمدة يومين وبتعليمات صارمة محددة، ليتم بعد ذلك استقبال الفريق في مكان مخفي يمثل نقطة التجمع الأخيرة قبل التوجه نحو خط القتال قبالة السياج، وهنا تم للمرة الأولى فقط شرح نوعية العمل والهدف المطلوب تدميره ومسؤوليات كل شخص قبل التنفيذ بأقل من 24 ساعة، مع عرض فيلم لكامل قطاع المعركة وإبقاء طريقة الوصول للهدف سريّة، ذاك الفيلم كان يوضح نقاط الهجوم ومقتربات المجموعات و خط الانسحاب....الخ.
قام كل عنصر بإعادة سرد دوره بالتفصيل أمام الجميع وبطرح أي أسئلة يريدها، واستخدمت الأفلام والرسومات التوضيحية لشرح مكونات الأهداف ومحاور التقرب إليها، وأبقي مسار الوصول لمنطقة العملية سرا حتى اللحظة الأخيرة، ولم يعرف به أي أحد منهم حتى نزولهم النفق، وكان الكل يعتقد أن خط التقرب هو إنزال من الجو (وقد أشير إلى هذه النقطة في البيان الصادر من الكتائب – وحدة الإنزال– لتضليل الاحتلال).
وبعد هذه الإجراءات تم تصوير المشاركين بكامل التجهيزات، وقراءة الوصية الأخيرة بشكل جماعي وفردي، وفي الصباح الباكر تم نقل فريق الاقتحام مع كامل التجهيزات بعد جملة من الإجراءات الأمنية إلى الموقع المحدد حيث نقطة الانطلاق "بئر النفق"، شاهد كل عنصر في الفريق الجزء المعني به من كامل القاطع كما اطلع على مجنّباته عياناً من فتحة خاصة لهذا الغرض.
تحققت القيادة الميدانية للعملية من كامل مسار النفق قبل نزول الفريق للتأكد من الإنارة والتهوية، ليتم بعدها نقل حقائب عناصر الفريق وبترتيب معاكس لانطلاقهم من الطرف الآخر، وذلك منعاً من حدوث تزاحم أو إرباك في نهاية النفق، لأن عرض النفق لا يسمح إلا بمرور شخص واحد.
قام دليل فريق الاقتحام بالنزول إلى النفق حتى نهايته، مصطحباً بعض المعدات والتجهيزات، وذلك تحضيرا لإغلاق عين النفق عند التنفيذ، ثم عاد أدراجه بعد أن وقف على صلاحية تدعيم النفق وماتور السحب.
أمضى فريق الاقتحام سحابة يومهم في قراءة القرآن والذكر والاستراحة والتدقيق على المحمولات وصلاحيتها، ومن ثم قاموا بتجهيز الحقائب مع رقم لكل عنصر وترتيبها عند باب النفق بشكل عكسي يراعي ترتيب المجاهدين ووصولهم إلى عين النفق، بحيث يقوم المجاهد رقم (1) باجتياز الحقائب إلى آخرها فيجد حقيبة رقم (1).
وبعد هذا الإجراء يقوم دليل الفريق بإخراج تجهيزات المجاهد وتحميله إياها، ثم يسحب أقسام السلاح ليكون جاهزاً للاشتباك فوراً ويشير له إلى اتجاه الجزء المكلف به، فيخرج المجاهد سريعاً وينبطح على الأرض بوضع قتالي للاشتباك مع أي كمين للاحتلال مخفي في المنطقة، ولحماية فريق الاقتحام حتى يخرج جميعه، ويتوجه نحو النقاط المكلف بها، ثم يقوم دليل الفريق بإغلاق عين النفق بطريقة مدروسة، ويقوم آخر عنصر وهو الظهير بمسح عين النفق من الخارج لإخفاء الآثار ما أمكن، ثم ينطلق نحو نقطة ملائمة لاعتراض النجدات ويختفي تماما.
شرع فريق الحفر بسحب الحقائب بواسطة الماتور حتى عين النفق، حيث قام الدليل بترتيبها الأخير قبل نزول فريق الاقتحام كما سبق ذكره، كما تم رصد موقع الاحتلال بدقة طيلة هذا اليوم لملاحظة أي تغيير في سلوك الاحتلال، مما يعطينا إشارة بأنه ربما شعر بخطر ما وهو ما لم يحدث.
عند الثانية بعد منتصف الليل، انطلق فريق الاقتحام بالتسلسل الذي سوف يخرجون به من عين النفق من الجهة المقابلة حسب ترتيب مجموعات الاقتحام كما يلي:
أولاً: وحدة الدبابة لأنها أبعد نقطة وتشكل دوماً قدم ارتكاز لكل الموقع ولأي نجدات تأتي.
ثانياً: وحدة المصفحة بالقرب من البرج، وهي الأقرب للسياج بهدف كشف المتسللين.
ثالثاً: وحدة الأبراج وهي مكونة من عنصرين (محمد فروانة وحامد الرنتيسي).
رابعا: الظهير.
بدأ فريق الاقتحام بالنزول إلى النفق، حيث تعاهد الفريق على أن يصعدوا فوق المدرعات ويدوسوا فوق جنود الاحتلال، واجتازوا مسافة 450م بالزحف على الأيدي والركب حتى وصلوا إلى عين النفق بعد نصف ساعة من الزحف.
صلّى الجميع الفجر داخل النفق وقبل صعودهم، تم توجيه مجموعتي انتشال ومساعدة وإسعاف إلى منطقة قرب خط الانسحاب واختفوا بين الأشجار منذ مساء اليوم السابق.
كما تم تكليف الإعلام العسكري بنشر المصورين في نقاط مختارة بعد تزويدهم بالمعلومات الإعلامية اللازمة، حيث أُولي هذا الموضوع اهتماماً كبيراً في هذه اللحظة.
وبعد أداء الفريق صلاة الفجر في نهاية النفق، قام دليل الفريق بإخراج تجهيزات كل عنصر في فريق الاقتحام وترتيبها في سترة القتال الخاص به ثم سحب له الأقسام، وخرج من عين النفق سريعاً ثم انبطح على الأرض وأخذ وضعا للاشتباك.
وهنا شاهد دليل الفريق جيباً للاحتلال واقفاً بين الشجر في المربع المقابل وبدون أي حركة حوله، فدار في خلده أن يقوم أحد العناصر بمهاجمته وقتل جنوده وأسرهم، ولكن كان القرار بالإبقاء على أصل الهدف وعدم تغييره في هذه اللحظة، ولاحقاً كان تقدير القيادة أن هذا الجيب كان لمجموعة كمين للاحتلال كامنة في تلك المنطقة بعيداً عن السياج نسبياً لاصطياد المتسللين، ولسبب ما فإن المجموعة كانت نائمةً في مكان ما بين الشجر بدون حراك أو أن الجيب كان فارغا للتضليل فقط.
خرج جميع الفريق بنفس الأسلوب الذي خرج فيه العنصر الأول، وقام دليل الفريق بالإشارة نحو هدف كل مجموعة (التي تتكون من عنصرين)، عدا الظهير فكان عنصراً واحداً، وهنا فوجئ الدليل بأن الاحتلال قد أنار كامل المنطقة بالكشّافات وأحالها إلى نهار، ولكن الأمر صدر من القيادة بالاستمرار وسرعة التنفيذ حيث لا مجال للتراجع، وأُعطى الأمر لفريق الاقتحام بالانطلاق بشكل سريعٍ ومخفيٍ حسب الأصول التي تدرب عليها نحو هدفهم.
بعد ذلك ، أُعطى الأمر لفريق الاقتحام بالانطلاق بشكل سريعٍ ومخفيٍ حسب الأصول التي تدرب عليها نحو هدفهم، استفادة من خطوط الشجر الحُرجي على أطراف المربعات الزراعية وكذلك جدران الأبراج الخارجية.
قام بعد ذلك الدليل، بملء الأكياس التي تم تحضيرها مسبقا في نهاية النفق بالرمال، ووضعها فوق بعضها في عين النفق، وكان قد طلب من آخر عنصر خرج إخفاء الأثر حول عين النفق باستخدام فرع شجرة، ولكن نظراً لخطورة الانكشاف بسبب ضوء الكشاف، لم يقم الظهير بإخفاء الآثار عند عين النفق من الخارج وانطلق إلى اتجاهه سريعاً.
رجع دليل الفريق سريعا ثم أخلى المنطقة تماماً، حيث تم في يوم سابق إخلاء جميع معدات الحفر وأي آثار للمجاهدين في المحيط وكذلك أي آثار للمجاهدين والتحضيرات في الأماكن المستخدمة سابقاً بخلاف النفق ومحيطه، حيث كان مقدرا أن الاحتلال سوف يجتاح المنطقة بحثا عن المنفذين، وأعلم الدليلُ القيادة في غرفة العمليات بذلك.
طلقة البداية
انطلقت كل وحدة إلى هدفها وهي تتواصل مع غرفة القيادة أولا بأول وتُعلمها عما تشاهده أمامها، وصلت جميع الوحدات إلى أهدافها، صدر إليها الأمر بالاختفاء إلى حين وصول وحدة الدبابة، حيث كانت طلقة البداية لمجموعات فريق الاقتحام هي انفجار عبوة الدبابة، وكانت الدبابة أخطر وأبعد نقطة.
وصلت وحدة الدبابة إلى هدفها وأعلمت القيادة بأن الوضع هادئ ولا توجد أية حركة مثيرة عند النقطة، صدر الأمر إليها بالتنفيذ حسب الخطة رقم واحد كما اتفق عليها، فقامت الوحدة بوضع العبوة في المكان المحدد، حيث دوى انفجار هائلٌ سمع في أرجاء المنطقة، وسمعه دليل الفريق الذي انسحب سريعا، وصعدت ألسنة النار والدخان الأسود إلى عنان السماء، كبّر الجميع وصدر الأمر إلى جميع الوحدات بالهجوم.
بعد أن بدأ الهجوم فوجئت وحدة المصفحة بأن المصفحة خلال الليل قد نزلت إلى داخل سواتر ترابية لحماية نفسها من القذائف المضادة للدروع، عندها صدر الأمر إلى وحدة المصفحة بالتحول إلى خطة رقم اثنان، فتم تفجير عبوة المصفحة وصعدت الوحدة على ظهر المصفحة وأفرغت محمولاتها داخل فتحات المصفحة.
هنا لاحظ المجاهدان آثاراً لستة جثث متفحمة فوق مقاعدها داخل المصفحة، بعدها أعطي الأمر لوحدة المصفحة - وهي الأقرب من السياج الإلكتروني - بفتح ثغرة في السياج بإطلاق قذيفة ياسين ثم تفجير عبوة في زاوية السياج، وكان بحوزة كل فرد قطّاعة أسلاك ولكنهم لم يستخدموها لعدم الحاجة، حيث أنهما لم يوفقا بأخذ أسير أو سحب جثة قتيل من المصفحة، وبالتالي كان لزاماً عليهم الانسحاب سريعاً، تعاون عنصرا الوحدة باجتياز السياج ثم بالزحف أسفل السلك الشائك خلف السياج ثم انطلقوا سريعاً لاجتياز الأرض المكشوفة.
وفي نفس الوقت انطلقت وحدة الاقتحام نحو البرج الخرساني الطويل والذي كان يمثل في نظر الخطة برجاً للاستخبارات، وبعد إتمام تدمير واقتحام غرفة السيطرة في أسفل البرج، أعطوا إشارة للقيادة في غرفة العمليات.
ثم توجهت وحدة الاقتحام سريعاً بشكل مخفي نحو البرج الآخر وهو برج خرساني محاط بهيكل معدني لمنع الطلقات والقذائف المضادة للدروع عن بُعد، قاموا باقتحام غرفة حامية البرج في أسفله وتدميرها حسب الأصول وأعطوا إشارة بذلك.
وبعدما أتمت الوحدة تدمير الغرفة أسفل البرج الثاني، صدر إليها الأمر بالصعود إلى أعلى البرج وتدمير الغرفة في أعلاه حيث تحوي أجهزة السيطرة على الكاميرات المثبتة في أعلاه، فصعدت الوحدة فوق السلم الداخلي إلى أعلى البرج، وعندما وصلت إلى أعلى البرج كانت التعليمات (بأن هنالك درج متحرك بين الغرفة أعلى البرج وسطح البرج الذي يمثل دشمة مسلحة بالرشاشات ومثبت عليه جميع أنواع الكاميرات وأن الجنود في أعلى البرج سوف يختبئون في مناطق عند سماعهم اقتراب المجاهدين).
شرعت الوحدة باقتحام أعلى البرج وهي على تواصل مستمر مع غرفة العمليات، هنا برز أحد جنود الاحتلال المختبئين وأطلق الرصاص على الوحدة، أصيب أحد المجاهدين في صدره وبدأت قواه تخور، أشعرت غرفة العمليات في ذلك فصدر الأمر للوحدة بالانسحاب سريعا من البرج ومغادرة المنطقة، وأن يساعد المجاهد السليم أخاه المصاب، وبالخروج من الموقع بأي شكل.
أعلم المجاهد السليم غرفة العمليات بأن أخاه قد خارت قواه تماماً ولا قدرة لديه للمتابعة، قدّرت غرفة العمليات الموقف وأن لا سبيل إلى انسحاب هذه الوحدة، فصدر الأمر إليهم بالاحتماء بالمكعبات الخرسانية وسحب الأقسام وتحضير القنابل، لأن وحدات مساندة العدو سوف تصل إليهم سريعا وأن معركتهم الحقيقية سوف تبدأ الآن وأن لا مجال للاستسلام نهائيا، ولكنه فقط طريق الاستشهاد، وفعلا قامت الوحدة بذلك تماما، قامت القيادة في غرفة العمليات بتثبيت المجاهدين وتذكيرهم بما سوف يلقونه عند الله تعالى.
من جديد قدّرت غرفة العمليات الموقف وصدر الأمر لوحدة البرج مهما كان الوضع بالصعود من جديد إلى البرج واستخدام الرشاش المتوسط الموجود في البرج نوع ماغ، لمنع أي دورية مساندة من الاقتراب من السلك الإلكتروني، لأن المعادلة أصبحت سلامة مجاهدَين اثنين مقابل سلامة خمسة مجاهدين بحوزتهم أسير.
قام المجاهدان بتحمل الجراح والصعود من جديد إلى البرج وبالشروع باقتحام غرفة أعلى البرج لمرة ثانية ولكن فوجئوا بطلقات أحد الجنود المختبئين فسقط المجاهدان بدمائهما، وكان آخر ما سمعته غرفة العمليات عبر وسيلة الاتصال هو صوت التكبير والشهادة من الشهيدين ثم صوت طلقات وشخص يتكلم العبرية ثم صوت شيء يسحب فوق الأرض، وانقطع الاتصال مما دلّ على استشهاد المجاهدَين، حامد الرنتيسي من ألوية الناصر صلاح الدين، ومحمد فروانة من جيش الإسلام.
تتواصل العملية ويشرع المجاهدان من وحدة الدبابة (التي قامت بتفجيرها للإعلان عن بدأ الهجوم)، بالصعود فوق سطح الدبابة حيث قاما بإفراغ القنابل اليدوية ورشقات من الرصاص في داخلها عبر جميع الفتحات، وعقب إلقاء المجاهدين قنابلهما في فتحات الدبابة وإمطار من بداخلها برشقات من الرصاص لم يجد من بقي بداخلها إلا الخروج والاستسلام.
خرج أحد جنود الاحتلال من فتحة البرج بدون أي إرادة للقتال رغم أنه يملك الكثير من الأسلحة الفردية داخل الدبابة، حاول العنصر الأول في الوحدة إطلاق الرصاص عليه، فوجئ بتعطيل سلاحه، وفورا تدارك العطل المفاجئ ثم أعلم وحدة الدبابة غرفة العمليات بخروج الجندي، (في الوقت الذي لازال فيه إسناد الاحتلال يصل بشكل متتابع من العمق ولم يكن لدى القيادة تأكيد بأن عنصر الظهير وقطع النجدات قد نجح تماما في منع وصول النجدات).
أُمطر الجندي الذي خرج من فتحة البرج برشقات من الرصاص من أسفله إلى أعلاه وسقط الجندي داخل فتحة البرج وتدلى رأسه خارج الفتحة، وتبين لاحقاً ان هذا الجندي كان هو قائد الدبابة وقد خرج من فتحة القائد وهو برتبة ملازم حسب أنظمة جيش الاحتلال.
ومن جديد خرج جندي آخر من الدبابة أمام مجموعة الدبابة، فأمطرته بالرصاص وسقط سريعا، وبقي الجندي الأخير الذي كان ينادي باللغة العبرية، ثم أطل برأسه من فتحة الدبابة رافعاً يديه مستسلما وهو يصرخ بالعبرية: "أريد أمي .. أريد أبي".
أعلمت وحدة الدبابة غرفة العمليات بذلك وأعلموهم بأن هذا الجندي لونه أبيض مثل الأوروبيين (أي إسرائيلي الأصل) كما كانت التعليمات بعدم أسر إلا جندي اسرائيلي أبيض ، فكان الأمر باقتياد هذا الجندي وأسره، وجّه المجاهدان بندقيتيهما إلى الجندي وأمراه بالتحرك أمامهم.
عند وصول المجاهدين ومعهم الجندي الأسير إلى السلك الإلكتروني-الخط الفاصل بين غزة والأراضي المحتلة عام 48-، قام الجندي من هول الموقف بمساعدة المجاهدين برفع السلك الشائك حتى يزحف تحته ومن بعده المجاهدان ثم انطلق يركض أمام المجاهدين ولسان حاله يقول أرجوكم لا تقتلوني وخذوني معكم.
وصل الجميع إلى منطقة آمنة موازية للشريط في عمق القطاع، وأعلموا غرفة العمليات بأنهم قد وصلوا بأمان ومعهم الأسير.
أصدرت غرفة العمليات الأمر لوحدة الانتشال بالتحرك سريعاً لانتشال فريق الاقتحام من النقطة المحددة وفعلاً هذا ما تم، حيث تم إخراج الجميع بشكلٍ سريعٍ في سيارةٍ من كامل المنطقة، وتوجهت إلى منطقةٍ آمنةٍ بالقرب من غرفة العمليات لتقديم إفادةٍ شفهية أولية.
بينما تم اقتياد الأسير تحت الحراسة إلى نقطة خارج كامل المنطقة وإلى قاطعٍ آخر، صدر الأمر إلى وحدة مساندةٍ مزودةٍ برشاشات متوسطةٍ بإلهاء الأبراج لحظة الهجوم عليها، وكان من مهمتها كذلك التصدي لأي مروحياتٍ تتدخل في المعركة حسب إمكانيات المجاهدين أثناء التنفيذ.
وبالتالي انتهت مهمة وحدة المساندة بعد انتهاء التنفيذ بنجاح، وأصبح وجودها في المنطقة خطراً مخافة تدخل الطيران الحربي بعد ذلك، اثناء انسحاب مجموعة التنفيذ بالكامل قبل انسحاب عناصر الإسناد من أماكنهم، كما صدر الأمر إلى القطاعات الأخرى بتوقف القصف المدفعي والصاروخي على نقاط الشريط المحتل.
قام فريق القيادة في غرفة العمليات بأخذ إفادة أولية من فريق المصفحة وفريق الدبابة، ثم قام المجاهدون باستبدال جميع ملابسهم بملابس أخرى نظيفة وتناولوا طعام الإفطار وتم أخذ الترتيبات لإخراجهم من منطقة رفح فوراً ، مع الحذر الكامل ألا يلاحظهم أحدٌ من السكان، وبعد وصولهم منطقةً أخرى في القطاع توجه كل شخص بشكلٍ طبيعيٍ إلى بيته وبدون أي محمولات معه.
المجاهد الظهير قاعدةٌ أساسيةٌ تم التأكيد عليها أثناء التخطيط والتعليمات للمجاهدين، لمنع الاحتلال من استعادة المبادرة بعد الضربة الأولى، ومنعه من استيعاب الوضع حتى لا يتخذ تدابير جديدةٍ مفاجئةٍ إلى أن ينسحب كامل الفريق إلى منطقةٍ آمنة.
ورغم خطورة الوضع فقد أوكلت مهمة حماية ظهر الوحدات الثلاثة وقطع طريق قوة المساندة للاحتلال، القادمة من عمق الأرض المحتلة إلى مجاهدٍ واحدٍ صاحب تجربةٍ سابقة، حيث قام بالتصدي لما يقارب ست دورياتٍ مليئةٍ بجنود الاحتلال بما يملك من أسلحة متواضعة، حيث واجه كل دوريٍة بأحد الصنوف التي يحملها، ففرّت جميع الدوريات من أمامه، وقفز الجنود من العربات مذعورين وهربوا في كل الاتجاهات لحماية أنفسهم من الجحيم الذي يسقط فوق رؤوسهم.
وبعدما تأكدت غرفة العمليات بأن وحدتي المصفحة والدبابة قد انسحبوا بسلام، صدر الأمر إلى الظهير بالانسحاب سريعاً من نفس الثغرة.
وهنا تم إرسال إشارة إلى مجلس قيادة الكتائب الذي أصدر تعليماته فوراً، فتحرك أحد أركانه وبصحبة وحدةٍ متحركةٍ من قوات القسام الخاصة صوب نقطة التحفظ على الأسير.
بعد أن تم إرسال إشارة من مجلس قيادة الكتائب والذي أصدر تعليماته فورا، تحرك أحد أركانه وبصحبة وحدة متحركة من قوات القسام الخاصة صوب نقطة التحفظ على الأسير.
قام القائد باستبدال جميع ملابس الأسير بملابس جديدة وتم تفتيشه جسدياً بدقة، وتم طمأنة الأسير وتقديم الماء والطعام له، وكانت التعليمات المشددة بعدم المساس بالأسير جسدياً ولا الإساءة له لفظياً عملا بأحكام الشرع.
وهنا طلب الأسير أن يسلم إلى الصليب الأحمر وأن يأخذ رقماً، وأن تعلم عائلته بذلك حسب تعليمات جيش الاحتلال لجنوده في هكذا حالات، بهدف عدم قيام المجاهدين بإعدامه لأنه أصبح له رقم في مؤسسة دولية، ضحك المجاهدون من ذلك وقالوا له إذا استجابت قيادتك لإخراج المئات من أبنائنا من السجون فسوف تعود سليماً إلى أهلك.
تم إحضار وسيلة نقل مموهة وتم نقل الأسير تحت حراسة قوة الكتائب الخاصة إلى مكانٍ مخفي آخر أعد لهذا خصيصاً مسبقاً، وتم إفراغ المنطقة من جميع الآثار الدالة على الأسير أو نشاط المجاهدين.
وتم تحضير نقطة إيواء الأسير بكامل الاستعدادات لمواجهة أي محاولة من الاحتلال لإنقاذه، ولتحويله إلى رماد إذا تعرضت هذه النقطة للهجوم، كما قام المجاهدون بإحضار ملابس داخلية وصابون للأسير، وأعلموه بضرورة نظافة البدن ونظافة المكان اليومي وإلا فإنه سوف يحرم من بعض وسائل الراحة، وقد استجاب الأسير لذلك.
وقعت الصاعقة على الاحتلال أن هذا القاطع الحساس لمنع التسلل قد تلقى ضربة قوية أجهزت عليه، خلال دقائق معدودة حيث كان التخطيط أن التنفيذ كاملاً يحتاج إلى عشرة دقائق وقد أتم فريق الاقتحام مهمته في ثمانية دقائق فقط، وبالتالي حمّلت قيادة جيش الاحتلال قيادة هذا القاطع المسؤولية وقامت بإقالة عدد من الضباط.
وعقب الحدث وانسحاب الفريق وتوقف القتال وانقطاع تواصل جنود الاحتلال بالموقع مع قيادتهم، حضرت هيئةٌ قياديةٌ إلى الموقع وقامت بعمل تقديرٍ أولي، ثم حضرت قوات أخرى وقامت بالتقاط الجنود الذين فروا مذعورين من دوريات الإسناد التي كانت قرب الموقع عند بدء القتال، وبالتقاط جثث القتلى، كما حضرت هيئةٌ قياديةٌ فنية لتقدير حجم الخسائر ونوعيتها في كامل الموقع، والتقاط الأدلة المادية قبل زوالها ووضعت تقريراً مفصلاً يمكن قيادة الجيش من دراسة نشاط المجاهدين في القاطع.
حضرت قوة آليات إلى المنطقة واجتازت البوابة من خلال السياج الإلكتروني إلى الجهة المقابلة وقامت بتجريف ما بقي من أراضي ومزارع في الجهة المقابلة وعلى بعد يزيد عن 500 م من السياج، فيما حضرت وحدة من قصاصي الأثر واكتشفوا عين النفق وبالتالي قام الجيش بنسف بئر النفق وتدمير كامل مسار النفق.
درس الجيش أسباب التأخر الكبير في إرسال إشارة لاسلكية حول هجوم المجاهدين من قبل النقاط والآليات في القاطع، حيث أن كل ما فعلته الأبراج المحيطة هو إشعال ضوء برتقالي في قمتها للدلالة على وجود خطر ما، وقد لاحظ المجاهدون عبر نقاط الرصد أن كامل الأبراج على الشريط المحتل في الجهة الشرقية قد أضاءت الأنوار البرتقالية فور سماعها ورؤيتها للانفجارات.
كانت العملية موجهة أساسا إلى إدارة ومركز القرار لدى الاحتلال هو وقيادته العسكرية والأمنية والسياسية، ففقد صوابه لأن العملية مرغت كرامة جيشه المزعومة في الوحل كما أنها أسقطت ادعاءاته في قدرته على الردع، وأظهرت أن الجيش لا يستطيع أن يحمي نفسه أمام مجموعة من المجاهدين.
صعق العدو فشن حمالات متتابعة من القصف والاجتياحات أسماها " أمطار الصيف " فقام المجاهدون بوضع خطة للرد عليه أسموها " وفاء الأحرار " وشرعوا بتنفيذ مراحلها، وفعلاً نفذ المجاهدون لاحقاً عدة ضربات عبر محاور محددة، وقد استمرت الحكاية بعد ذلك خمس سنوات قدم خلالها الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة التضحيات وانطوت على براعة أمنية واستخبارية وتفاوضية، لتكلل نهايتها بالنجاح حين توجت بالإفراج عن 1050 أسيراً الكثير منهم محكوم بالمؤبدات أو قضى فترات كبيرة في السجون مقابل الجندي شاليط.