بدون استئذان, رحل عوني الطناني "ابو باسل". كان موته صدمه لكل من عرف الرجل تكاد تعادل في قوتها سرعة السيارة التي صدمته وأودت بحياته, قبل ساعة من اذان المغرب.
صائما كان وطاهرا ومتوضئا في يوم جمعة عندما عاجله القدر في شارع صلاح الدين بعدما أدى واجب العزاء في منطقة الشعف إحدى ضواحي مدينة غزة .
أذكره يوم كان طفلا يحمل حجرا ليستقبل الجيب العسكري ويصرخ: سأصليه بحجري. كان الحجر في يد الفتى يضيئ طريقا ,فاعتقل مرة تلو المرة دون جدوى.
عوني اسم حاضر بكثافة في فعاليات المخيم بصوته الرخيم ونشاطه اللافت. درس وتعلم وتدرج في حضن المخيم حتى اصبح مديراً لصحة البيئة التابع لوكالة الانروا. هادئاً ودوداً كان, ودقيقا في ذهابه إلى عمله. لكنك لا تستطيع ضبط موعد لانصرافه .. وما أن يعود حتى يبدأ في مهمة الانتقال بين الاصدقاء دون ملل. كان يستقبل الحياة بفرح وأكثر ما يسعده أن يلبي لك طلبا. كان قليل الشكوى كثير السؤال في المواضيع السياسية. كان الرجل حاضرا حتى في لحظات غيابه الجسدي.
بكوفيته الحمراء التي تتدلى على كتفيه العريضين تعرف انتماءه الفصائلي, وفي لحظة الاشتباك يصعد الى قمة حضوره الوطني والانساني. الرجل الهادئ يصبح عاصفا اذا ما اقتربت من الوطن. تظنه ينتمي الى الوطن كل الوطن بحجارته واشجاره, بشيوخه ورجاله بشبابه واطفاله لتكتشف أنه كان جنديا من جنود حلمنا المقدس وسدنة المشروع الوطني.
وإذا ما استمعت لاذاعة صوت الشعب عند منصف الليل تراه محاورا لابنه الاعلامي باسل , ولا ينام قبل أن يطمئن على ابنه محمد طبيب القلب الذي ينتظر حصوله على البورد الامريكي مع زوجته ورفيقة دربه الطبيبة الباكستانيه ..
قبل يوم واحد على رحيله جاءنا على غير عادته بعد اتصال - بناء على طلب زوجته - في محاولة يائسة لكسر عادة يصر عليها. وقبل أن يجلس أخذني الى حفلة توبيخ: لماذا لا تزرع زيتونة أو نخلة أمام البيت ؟ قبل أن يتعهد بأحضارها لاحقا..
في الجمعة ما قبل الاخيرة من شهر رمضان المبارك, اصطاد الموت صديقنا عوني. عزاؤنا أنه ذهب غير بعيد, لانه سيظل في عقولنا ووجداننا . ولأننا أحببناه نقول له إقبل منا أن نذرف عليك دمعة , على غير عادة الرجال . نموت قهراً إن لم نفعلها . دمعة واحدة فقط خروجاً عن المألوف وتقاليد الفرح بالشهادة .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية