صحيفة اسرائيلية: ماذا بعد الفلوجة؟
القدس / سوا / رأى "تسفي برئيل" محلل الشئون العربية بصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وبعد خسارته مدينة الفلوجة العراقية بات يواجه أزمة حقيقية ربما يغير معها إستراتيجيته.
ولفت"برئيل" في مقال بعنوان"تحرير الفلوجة يثبت صعوبة إدارة دولة إسلامية"، إلى خسارة التنظيم أكثر من 40% من الأراضي التي كان يسيطر عليها، في سوريا والعراق، فضلا عن انخفاض مصادر التمويل وتراجع أعداد المتطوعين بشكل كبير.
وتوقع أن يتخلى التنظيم حال خسر معاقله الأخيرة في الموصل العراقية والرقة السورية، عن إستراتيجية السيطرة على الأرض، ويتبنى أسلوب تنظيم القاعدة، عبر إقامة فروع في كل بلد، وإنشاء عدد من الخلايا الصغيرة لكل فرع.
رفع العلم العراقي على مبنى الحكومة والمستشفى بمدينة الفلوجة لا ينهي حتى الآن المعارك الدائرة في المدينة. لا تزال قوات داعش تقاتل على الأطراف الغربية للمدينة ووفقا لتقديرات قادة عراقيين وأمريكان فسوف تستمر المعركة لأيام طويلة حتى يتسنى الإعلان عن الفلوجة كمدينة خالية من داعش.
الفلوجة هي ثاني أكبر مدينة يتم احتلالها من داعش على يد قوات عراقية نظامية ومليشيات شيعية، تتمتع بدعم جوي أمريكي. سبقتها مدينة الرمادي، وإليها يمكن أن تنضم في القريب- كما نتمنى- مدينة سرت الساحلية في ليبيا.
يتوقع أن تكون المرحلة القادمة احتلال مدن الموصل في العراق والرقة عاصمة الدولة الإسلامية (داعش) في سوريا. وتمثل المدينتان تحديا يفوق بكثير المدن والبلدات التي طُرد منها داعش في الشهور الأخيرة.
يقيم في الموصل أكثر من مليون ونصف شخص، وفي الرقة يستعين داعش بقبائل سنية معارضة لنظام الأسد، الذي أصبح العنصر الأهم في الحرب على التنظيم.
هذه المعارك سوف تتطلب قوات أكبر بكثير من تلك التي قاتلت في الرمادي والفلوجة والخوف الأكبر هو أن يحمل الانتصار فيها انتقاما كبيرا من المدنيين.
بقى في الفلوجة التي كان يقطنها نحو ربع مليون مواطن قبل المعركة التي اندلعت في 22 مايو، 90 ألف مواطن فقط. حياتهم مرهونة الآن بسلوكيات القوات العراقية، بالتهديد بتصفية حسابات مع من يشتبه في التعاون مع داعش، وبإعادة إعمار ما دمرته الغارات والقذائف على مدى أسابيع.
في مدينة الرمادي، مثلا، لا يقدر السكان على العودة لمنازلهم بعد أكثر من نصف عام على تحريرها، بسبب غياب البنية التحتية، وانتشار الكثير من الألغام التي زرعها داعش في المنطقة، والتي تقدر كلفة إزالتها بمليار دولار لا تملكها خزينة الدولة.
مقارنة بالرمادي، ما زالت تسيطر على الفلوجة قوات سنية وأعضاء سابقون بجيش صدام حسين، تعاونوا مع القاعدة في الماضي، وخلال العامين والنصف الماضيين منذ احتلالها على يد داعش في يناير 2014 تعاونوا أيضا مع التنظيم.
بناء على ذلك، يتوقع للمعركة في الفلوجة، التي صنفت كجزء من الحرب على الإرهاب وحظيت بمساعدة عسكرية دولية، أن تتحول إلى حرب داخلية بين نظام رئيس الوزراء حيدر العبادي وبين خصومه بالمدينة، ولا تكون بعد ذلك بؤرة للاهتمام الخارجي.
لكن سيكون لتصرفات القوات العراقية بالفلوجة بعد تحريرها تأثيرا كبيرا على قدرة تلك القوات على الاستمرار باتجاه الموصل، فإذا غرقت الفلوجة في حمام دماء، ستكون في ذلك إشارة واضحة لسكان الموصل، وغالبيتهم مسلمون سنة، لما يمكن أن يحدث لهم عندما يتم طرد داعش من المدينة. الكثيرون منهم طوعا أو كرها تعاونوا مع التنظيم وبعضهم ساعد داعش في احتلال المدينة من يد الجيش العراقي الذي فر منها في يونيو 2014. في أفضل الأحوال، يتوقع أن تجرى محاكمتهم على هذا التعاون، بينما واقعيا سيتم معاقبتهم بل وإعدامهم دون محاكمة.
علامة الاستفهام الكبيرة تتعلق بالاستراتيجية التي سينتهجها داعش حيال تقليص المناطق التي تحت سيطرته سواء في سوريا أو العراق أو ليبيا. لوحظ منذ بداية العام أن داعش تخلى عن طموحه لتوسيع مناطق "الدولة الإسلامية"، ويركز على الدفاع عن المناطق التي بقيت تحت سيطرته والتي تقلصت لأكثر من 40%.
كذلك تقلص عدد مقاتلي داعش. بعضهم هاجر إلى ليبيا وبعضهم عادوا لأوطانهم. انخفضت مصادر التمويل الضخمة التي حظي بها التنظيم بشكل ملحوظ، وتراجعت كميات النفط التي بات بمقدوره استخراجها بمعدلات كبيرة، كذلك تقلص التمويل من الرسوم والضرائب في أعقاب فرار المواطنين من المدن والبلدات التي يسيطر عليها، لكن مازال بإمكانه تغطية نفقاته الجارفة، وبشكل رئيسي دفع رواتب الجنود وعوائلهم، الذين يقدرون بنحو 30 ألف مقاتل.
يواصل داعش تجنيد متطوعين، لكن ونظرا لأنه خسر عدد من المعابر الحدودية، وبالأخص على طول الحدود مع تركيا، فإنه يجد صعوبة في نقلهم لمناطقه ويعتمد الآن على تنشئة الجيل الصغير من الأطفال والشباب في العراق وسوريا. بما في ذلك أقام معسكرات تدريب ومخيمات للتلاميذ بالمدارس الابتدائية، يتلقون فيها تدريبات على السلاح والمواد الناسفة إلى جانب دراسة القرآن والتفسير الديني من وجهة نظر داعش.
يوضح ناشطو داعش في أحاديث مع صحفيين أن الهدف هو إعداد الجيل الجديد حتى إذا "ما خسرنا في المعركة هنا وهناك، تبقى الرسالة". ليست هناك أية إستراتيجية الآن لمواجهة تلك "الرسالة" التي تهدد بإنشاء خلايا نشطة لتحل محل نطاق السيطرة الحالي للتنظيم.
تتركز مواجهة دول الغرب والأنظمة في العراق وسوريا وليبيا على المراكز المعروفة لداعش، مثل الفلوجة، ونينوى والموصل بالعراق، أو منيج والرقة بسوريا، التي يسهل نسبيا مهاجمتها والإعلان فيها عن النصر.
تذكر هذه الإستراتيجية بأسلوب العمل ضد القاعدة في أفغانستان، واليمن وسيناء قبل أن يصبح داعش التهديد الجديد. اتضح التحدي الأكبر عندما أقامت القاعدة فروعا شكلت بدورها خلايا صغيرة كان من الصعب بالنسبة لعناصر الاستخبارات والجيش العمل ضدها.
إذا ما قرر داعش تبني تلك الإستراتيجية والتخلي عن أسلوب السيطرة على الأرض الذي قاده لـ"المجد"، فسوف يتطلب مثل هذا التحول الاعتماد بشكل كبير على قوات عسكرية واستخبارية محلية، تحديدا في الدول العربية، التي نجحت حتى الآن بشكل جزئي فقط في التصدي للعمليات الإرهابية داخل أراضيها. يمكن أن تكون هذه ملامح المرحلة القادمة في الحرب على داعش.