مخطئ من يظن أن شعبنا منقسم, فان المنقسمين هم قادتنا وأحزابنا, أما نحن فليس لدينا ما نختلف عليه أو نتخاصم عليه ,إلا حب  الوطن وهذا لا يعني أننا لا نختلف مع بعضنا في الرؤيا أو على بعض الممارسات, ولكن اختلافنا محمود بناء, أما اختلافهم سبب انقسامنا ولعنة لشعبنا, الذي يدفع ضريبة هذا الانقسام البغيض ,ومن يقول أن شعبنا منقسم عليه أن ينظر في الميدان, ويمعن النظر ليرى شباب فلسطين متشابكين الأيدي, يدفعون ما عليهم ويقدمون من أرواحهم ليعيش الوطن, وليراقب المتشككين يوميات صرخة القدس , فإذا كان هناك انقسام فان بذوره تزرعه "الأحزاب" وترويه ليكبر من خلال الممارسات والخطابات, التي تعمق الكره في المجتمع الفلسطيني, "ويمحوه الدم النازف على ثرى الوطن من شرايين شباب فلسطين" .

لم يعد نبأ لقاء في الدوحة أو المريخ من اجل إتمام المصالحة يعني أبناء شعبنا الذين باتوا يعرفون النتائج سلفا قبل اللقاء فانا لا اعلم كيف يناقش أمر المصالحة والمتخاصمين غائبين فإذا كان فعلا هناك صدق في النوايا من اجل التقدم في ملف المصالحة و اللقاءات التي تجري هي لقاءات جدية وليس برتوكولية أو شكلية ليخرج بعدها كل طرف يلقي اللوم على الآخر فأين أصحاب الملف الحقيقيين الذين هم أدرى بكل تفاصيله وتشابكاته لماذا يغيبوا عن المشهد كما قالوا أهل مكة أدرى بشعابها وكذلك أهل غزة أدرى بمعضلاتها ,فهل يعقل وفد للمصالحة ليس فيه أي من قيادات غزة الذين عاشوا ويعيشوا الهم اليومي ؟؟!!

وفيما يخص المبادرات واللقاءات إن ما يغيب عن المشهد ويجب أن يصارح كل طرف فيه الآخر ليس النصوص أو الاتفاقات وإنما ما في النفوس وما يخشاه ويخفيه كل طرف عن الآخر وهو الخشية على " الوجود " فكل طرف يذهب إلى اللقاء وهو يضع في وجدانه وتفكيره أن ما يرغب فيه الطرف الآخر هو السيطرة على ما يملكه ويسعى لإنهاء وجوده وهذا هو الرعب الحقيقي الذي يسيطر على تفكير الأخر " رغم أن الواقع ينفي بشدة هذا الوهم الذي يسيطر على العقول فلا اعتقد أن احد بهذه السذاجة ليغيب عن وعيه وإدراكه أن حماس اليوم ليست هي حماس الأمس ,فان حماس واقع حقيقي في حياة شعبنا اليوم  لا يمكن إنكاره أو تجاوزه ,ومن السذاجة أن تفكر حماس بأنها قادرة على أن تكون بديل لقيادة شعبنا عن التيار الوطني وعلى رأسه فتح التي مازالت رغم كل ما تعرضت له من انتكاسات وكبوات وتشويه ممنهج قابضة على قلوب الملاين من أبناء الشعب الفلسطيني والذي يرى فيها الأمل في الحرية والاستقلال والاستقرار " إذا لا بديل عن التلاقي" ,وان الحل الأمثل والوحيد هو التخلي عن هذه الأوهام والمخاوف واستبدالها بمشروع وطني قائم على الشراكة الحقيقية وإعادة تثقيف أبناء الأحزاب بثقافة مختلفة عن التي تربوا عليها وعلى رأسها ثقافة الاستئصال .

و الوهم الآخر الذي يعيش على أمله طرفي الانقسام ومعهم مغذياته من الأحزاب والأشخاص التي تلاقت مصالحها مع ديمومته هو الرهان على أي متغير إقليمي أو دولي يحدث تغيير في قواعد اللعبة ويشكل مركز ثقل لطرف على حساب آخر الأمر الذي سيتم انتظاره لعشرات السنوات وسيدفع ثمنها شعبنا دون أن يحدث أي تغيير والشاهد على ذلك ما صاحب صعود الإخوان وسيطرتهم على عدد من دول الإقليم لم ينهي وجود فتح والآن تراجع هذا النفوذ وحالة الحصار التي تعيشها حماس ولم ينهي وجودها وان المراهن على المتغير الإقليمي هو كمن يراهن على اللحاق بالسراب لان كل ما يحدث في وطننا العربي هو مبرمج وليس عبثي له أهداف وغايات يجني ثمارها الغرب من دمنا ومقدرات شعوبنا وهي حالة مستمرة لسنوات طويلة قادمة ما لم تشهد امتنا صحوة حقيقية تعي معها مصالحها ومصالح شعوبها ولا يوجد في الأفق ما يؤشر لذلك حتى اللحظة مع اختلاف المصالح والغايات والولاءات والمتصارعين على المنطقة من الغرب والشرق وأصحاب الممالك القديمة الحالمين بإحياء ممالكهم ونفوذهم في أوطاننا  .

قالوها في القدم ما حك جلدك مثل ظفرك على فصائلنا أن تردك ما يدرك قبل فوات الأوان فان أي طرف لن يستطيع إلغاء وجود الاخر على الأقل في العقد أو العقدين القادمين والاحتلال لا يمنحنا كل هذا الوقت فهو يستفيد من اختلافنا ويقضم من أراضينا وعينه صوب شعبنا في الداخل المحتل لتفتيته وتمزيقه وترحيله بعد أن انتهى من معظم الضفة والقدس والأغوار .

على حماس أن تدرك بأنها لن تتمكن من تحصيل كل ما تطلب في آن واحد فعينها على المنظمة وقيادة الشعب الفلسطيني وإطعام موظفيها والحفاظ على برنامجها وعدم التخلي عن ما حققته من مكتسبات في غزة وتحقيق مكتسبات جديدة في الضفة ,فان الحل يكمن في الرجوع خطوة للخلف من اجل المضي خطوات للأمام بشعبنا ,فلا يجب أن يبقى مسيطر على تفكيرنا المكتسبات الحزبية مع تجاهل معانات شعبنا وما يمكن أن نحققه له معا مجتمعين ,فليس من المنطقي الاستمرار في التمترس خلف كل مطالبنا ولا يمكن تحقيقها دفعة واحدة وعلى رأس هذه الملفات ملف الموظفين العقبة الأبرز في وجه المصالحة فليس من المنطقي استبدال من عمل سبع سنوات بمن عمل منذ بداية المشروع الذي كانت ترفضه حماس .

وعلى السلطة "ولم أقول فتح لان من يفاوض حماس هي مؤسسات السلطة وليس فتح" أن تدرك أن حماس لا تستطيع  إلقاء موظفيها في الشارع ومن غير المقبول وطنيا وأخلاقيا ترك هؤلاء الموظفين في الشارع بعد أن سيروا قطاع غزة طوال السنوات التي تلت الانقسام وعليها تحمل تبعات قرارها بإفراغ المؤسسات من الموظفين والطلب منهم الجلوس في بيوتهم من خلال طرح حلول مقبولة لا تظلم من عملوا أو من التزموا بقرار السلطة من خلال برنامج مهني وطني  على أن يخضع جميع هؤلاء الموظفين لمؤسسات السلطة وبرنامجها وتوجيهاتها لا للأحزاب ويحاسب كل من يخالف ذلك .

أما على مستوى المنظمة فانه لم يعد من المقبول بقاء كل من حماس والجهاد خارج إطار المنظمة بما يمثله هذين التنظيمين من شريحة واسعة من أبناء شعبنا بل انه من الوطني والمنطقي انخراطهم في المنظمة وفق أسس وطنية وليس محاصصة مع الاتفاق على برنامج وطني لإدارة البلد والمشروع الوطني التحرري بعيدا عن الاستفراد أو الانصياع لاملاءات الخارج والارتباطات الإقليمية وفق ما يخدم شعبنا وحاجاته وظروفه الميدانية .

وفي الختام لي عدد من الملاحظات في صورة استفهام مطلوب من قيادتنا بكل ألوانها الإجابة عليها :

·        إذا كان لا إكراه في الدين فهل من المعقول أن يكون الإكراه في الأفكار والمعتقدات السياسية والايدولوجيا الحزبية مقبول ؟؟؟

·        تقبلنا وجود " إسرائيل " تحت مسميات عدة  منها معاهدة السلام , الحل السياسي , الهدنة طويلة الأمد ,فهل من الصعب تقبل وجود بعضنا على الرغم من أن وجودكم كان من اجل مقاتلة ومقاومة " إسرائيل " ؟؟

·        إذا كان الشعب هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة وكل يدعي بأنه صاحب الشعبية والرضا الأكبر عن سياسته وبرنامجه فلماذا تخشون الرجوع للشعب وتصرون التعامل معه كقاصر يستوجب الوصاية على قراره ؟؟؟

ولن نمل في الكتابة بان المصالحة أمل يمكن تحقيقه إذا توفرت الإرادة لدى أطراف الانقسام وسنظل نقول أن شعبنا واحد وقيادتنا منقسمة وأحزابنا منقسمة .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد